كتب واصدارات

قراءة في كتاب: الفتوحات العربية في روايات المغلوبين لحسام عيتاني (1-2)

alaa allamiمعلومات طريفة ومهمة كثيرة يستقيتها القارئ لكتاب الباحث حسام عيتاني "الفتوحات العربية في روايات المغلوبين"، الممنوع في جميع الدول العربية. وهو كتاب مهم ونادر المثيل، إذْ لا وجود لروايات أخرى معروفة ومنشورة عن موضوع الفتوحات العربية في كتب أخرى غير روايات الغالبين أي العرب المسلمين، كتاب عيتاني مهم وثري وموثق بشكل علمي دقيق، ستكون مفيدةً قراءتُهُ بعينين نقديتين منتبهتين. من تلك المعلومات: أن الكلمة الصينية التي تعني العرب هي "تا شي" وفي الفارسية القديمة "تازي" وفي الآشورية " طايايا أو طايايو" وجميع هذه الكلمات ترجع إلى "الطائي" نسبة الى قبيلة طي العربية القحطانية المعروفة.

معلومة أخرى في هذا الكتاب، تقول إن الرومان وأهالي الشام من غير الرومان، قبل الفتح الإسلامي، كانوا يسمون العرب "الإسماعيليين" ولكن نسبة إلى النبي إسماعيل الابن الأكبر للنبي إبراهيم، وليس نسبة للإمام إسماعيل بن جعفر الصادق الذي شاع اسم الفرقة التي تنتسب إليه وبدأت نشر دعوتها في القرن الهجري الثاني والتالي له. ويسمى العرب أيضا لدى هذه الأوساط " الهاجَريين أو المهاجرين " ولكن ليس نسبة للهجرة الإسلامية بل إلى هاجر زوجة النبي إبراهيم الخليل، وأخيرا أطلق بعض المؤرخين ورجال دين مسيحيين قدماء على العرب اسما ذا مضامين "عنصرية تحقيرية" هو (السراكينو / السراسنة) وكانت تطلق على المزيج الإثني من المسلمين المكون من العرب والبربر وغيرهم والذين غزوا جنوب أوروبا، وحتى لأشباههم في المشرق العربي، وهي ذات الكلمة التي حاول بعض كتاب مواقع التواصل الاجتماعي الخلط المفتعل والسطحي بينها وبين كلمة " الشراقوة/ قاف حميرية گـ " التي تطلق على الجنوبيين العراقيين، والغريب أنها استعملت من قبل مثقفي الحكومات بذات المعاني العنصرية التحقيرية، وقد ناقشتُها مفنداً في الفصل العاشر من كتابي (الحضور والأكدي والارامي والعربي الفصيح في لهجات العراق والشام ص 227) وفي مناسبات أخرى لا تحضرني.

819-hosamitani-النعمان بن المنذر وابنه الحسن وكيف تنصرا: معلومة أخرى طريفة ومهمة وجديدة لم أسمع بها من قبل، من كتاب الباحث حسام عيتاني والذي ذكرته في منشور لي مساء أمس "#الفتوحات_العربية_في_روايات_المغلوبين " مفادها أن ملك المناذرة "اللخميين" النعمان بن المنذر، كان له ابن يسمى الحسن، وكان النعمان على دين الأحناف. الغريب أن الكلمة الأخيرة كانت تعني عبّاد الأصنام والأوثان وليس الموحدين الإبراهيميين كما مكث ورسخ في أذهاننا نحن أبناء هذا العصر، وهذا أمر يحتاج الى وقفات علمية وتمحيصية بهدف تبين ومقاربة الحقيقة في هذا الصدد. لنقرأ هذه الوثيقة التاريخية المهمة التي كتبها ماري بن سليمان في "تاريخ فطاركة كرسي المشرق من كرسي المجدل 1899" ونقلها عيتاني في كتابه (كان النعمن - أغلب الظن بالإمالة أي لفظ الألف الممدودة كفتحة مثلما يلفظها الشاميون في عصرنا. ع ل- بن المنذر ملك العرب شديد التمسك بدين الحنفاء، يعبد "العزيّ " وهو كوكب الزهرة، فلحقته ضربة من الشيطان ولم ينفعه كهنته في شيء، فشفاه شمعون أسقف الحيرة وسيبر يشوع أسقف لاشوم وأيشو عزخا الراهب فتنصر – أصبح مسيحيا- واعتمد ولداه "؟" المنذر والحسن بعده. وكان الحسن أشدهم تمسكا بالنصرانية وكان لا يمنع تقدم – ربما من التقدمة أي النذور والقرابين الدينية ع ل – المساكين إذا دخل البيعة = المعبد). ونعرف أيضا أن الحروب والعداء كانا هما الحالة الروتينية بين الدولتين العربيتين المسيحيتين دولة المناذرة اللخميين حلفاء الفرس غرب العراق، ودولة الغساسنة حلفاء الروم جنوب شرقي بلاد الشام، وقد بلغت تلك الحالة ذروتها في استيلاء الملك المنذر الغساني على عاصمة المناذرة " الحيرة" وإحراقها سنة 578 ميلادي ولكنها لم تمت بل أعاد المنذر الرابع بناءها ونهضت مجددا لفترة أخرى!

سيقول العدميون والذين يقرأون نصف المشهد التاريخي، جاهلين أو مهملين النصف الآخر منه: لا جديد تحت الشمس العربية. ولكنَّ هؤلاء العدميين يهملون النصف الآخر من المشهد حيث الملك العربي المسيحي المنذر الرابع يقود حملة استقلالية ضد الفرس ولكن حملته – للأسف - تنتهي بهزيمته وبإعدامه وتفكيك مملكته من قبل الملك الفارسي خسرو برويز سنة 602 م . إنها النهاية المؤسفة ذاتها التي انتهت إليها قبل المنذر الرابع، محاولة الملكة التدمرية الجميلة زنوبيا- أفضل دائما لفظها " زنوبة" ع ل- ضد الإمبراطور الروماني أورليان وجيوشه وانتهت بهزيمتها ونقلها الى روما أسيرة حيث ماتت هناك حسب أقوى الروايات سنة 274 م. ثم جاء العرب المسلمون فاتحين فأنهوا سطوة ووجود الامبراطوريتين الرومانية والفارسية إلى الأبد وحتى هنا انقسم عرب العراق والشام قسمين: قسم قاتل مع العرب ضد الفرس كقبيلة بني شيبان بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني البكري وقسم قاتل مع الرومان ضد العرب كأيهم بن جبلة الغساني، وهذا هو ديدن التاريخ دائما: أبيض وأسود ورمادي.. أما شجرة الحياة فخضراء دائما.

 

-الجزية ليست اختراعا للعرب المسلمين:

الجزية ليست اختراعا للعرب المسلمين بل كان الفرس والرومان يفرضونها قبلهم على الأقليات لنقرأ: (ففي هذا السياق أخذ العرب المسلمون الكثير من ممارسات الامبراطوريتين – الفارسية والبيزنطية - حيال الشعوب الخاضعة للاحتلال كالجزية التي كان البيزنطيون والفرس يفرضونها على أبناء الأقليات. فالمسيحيون واليهود والبوذيون كانوا يدفعون ضرائب مضاعفة إلى الساسانيين الزرادشتيين، في حين كان اليهود عرضة لممارسات مشابهة في المناطق البيزنطية المسيحية/ ص55). أنا هنا أسجل شذرات من وقائع تاريخية موثقة ولستُ في معرض تسجيل براءات أو إدانات معينة ضد أي طرف تاريخي ورد ذكره.

 

فرض الأديان بالقوة قبل الإسلام :

فرض الدين من قبل دولة الغالبين على الشعوب والأقليات المغلوبة كان تقليدا معروفا قبل الإسلام. ولعل آخر مثال عليه هو حملة التنصير القسري لليهود في شمالي أفريقيا وفي عموم الإمبراطورية البيزنطية، بناء على أوامر الإمبراطور هيراكليوس سنة 632 م، أي قبل أربعة أعوام من معركة اليرموك وهزيمة الرومان البيزنطيين فيها أمام العرب المسلمين. لنقرأ (تعاليم "يعقوب المعمد حديثا" وهي نص سجالي دفاعي مع اليهود كتب على الأرجح في أفريقيا عام 634 م، ويعتبر من سلسلة النصوص الدفاعية المسيحية التي ازدهرت في القرنين الخامس والسادس، وتركزت على تفنيد الشريعة والتقاليد الدينية اليهودية والدفاع عن الكنسية والعقيدة المسيحية وخصوصا بعد اعتراض اللاهوتي مكسيموس على التنصير القسري لليهود الإمبراطورية البيزنطية بناء على أوامر هيراكليوس سنة 632 م وبالأخص ليهود قرطاجة وشمال أفريقيا. وجاءت التعاليم لتبين صحة تنصير اليهود الذين ما عاد من داع لتمسكهم بدينهم بعد ظهور المسيح. ص 63) ويعقوب الوارد اسمه في هذا النص هو تاجر يهودي فلسطيني سافر إلى قرطاجة/ قرب تونس العاصمة اليوم، ومرَّ بمحنة التنصير البيزنطي القسري وكان من ضحاياها. هل ثمة حاجة للتذكير بأنني هنا لا أدافع عن ممارسة فرض الدين – أي دين كان أو عقيدة كانت - بالسيف أو الابتزاز المالي بل أسجل حقيقة تاريخية يقفز عليها البعض لأهداف ذاتية ولا علمية؟ وعموما، فالخلاصة هي أن العرب المسلمين "لم يخترعوا الترومواي" بل وجدوه في محطة التاريخ فاستخدموه كسائر الغزاة والفاتحين في ذلك العصر. أما من يريدون العودة إلى استعمال ذلك "الترومواي" في السفر اليوم إلى المريخ فهم ليسوا إلا مختلين عقليا "من داعش وأخواتها"!

 

- كيف نظر الروم البيزنطيون إلى العرب قديما:

كثيرة هي الأمثلة التي يوردها صاحب الكتاب موضوع القراءة والاقتباس على نظرة الروم البيزنطيين العنصرية التحقيرية إلى العرب قبل وخلال الفتح العربي الإسلامي وإذا ما وضعنا هذه الأمثلة في سياقها التاريخي فنستطيع أن نفهمها مثلا ضمن نظر المهزومين الذين يعتبرون أنفسهم أكثر تطورا مدنيا إلى المنتصرين القادمين من صحراء قفر لم تقدم حتى ذلك الوقت مدنية أو حضارة معروفة ومرموقة خارج دائرة السهل السومري العريق ومتداده الآشوري شمالا والشامي غربا.

فعن " الحوليات الجورجية / مصدر قديم من القرن الثاني عشر وغير مترجم إلى العربية" يروي لنا الكاتب أن إمبراطور الروم جال في مناطق إمبراطوريته لكسب الناس ضد جيوش العرب الموشكة على الزحف ضده والتقى في مدينة بغشتاتسيك راهبا نصرانيا فحذره الراهب قائلا( اهرب من أولئك الذين طردوا سارة - لأن السراسنة أي العرب كانوا يسمَّون " خدم سارة" - فقد أعطى الله شعبهم الجنوب والشرق والشمال . إنهم نجوم جواله يغلبون من لا يتجول) وبعد معركة مؤتة التي هزم المسلمون فيها وقتل فيها ثلاثة من قادتهم جاء أحد خصيان الإمبراطور ليوزع رواتبهم وعندما جاء العرب – حلفاء الروم - لتلقي رواتبهم على جاري العادة أبعدهم الخصي قائلا (بالكاد يستطيع الإمبراطور دفع رواتب جنوده ، وأقل من ذلك بكثير أن يدفع لهذه الكلاب " فانصرف العرب مستائين من هذه الحادثة / ص 92 ) أما ديونسيوس التلمحري (من المسيحيين اليعاقبة كغالبية العرب المسيحيين عهد ذاك، وهم على خلاف مع المسيحيين البيزنطيين الخلقيدونيين) فقد اعتبر ظهور وانتصار العرب عقابا من الله للبيزنطيين بسبب فساد الروم البيزنطيين وانحرافهم عن الإيمان الصحيح وأخذهم بالهرطقة ووصف العرب بأنهم (أحط بني البشر وهم أكره الناس وأقلهم إحراما بين الشعوب وكانوا مصيبة أرسها الله للبيزنطيين ). أما ميناندر بروتكتور فقد تحدث عن (فظاظة العرب وعدم أهليتهم للثقة ) وكتب ثيوفيلاكت سموكاتا عنهم (وهم متقلبون وعقولهم غير ثابتة وأحكامهم لا تقوم على أساس صحيح من التعقل). وقال المؤرخ البيزنطي من القرن السادس سكولاتيكوس كلاما لا يخلو من الحكمة والاستشراف الاستراتيجي، قال (خير وسيلة لقتال العرب هي الاستعانة بعرب غيرهم لقتالهم) ويقينا فهذه "الفكرة الثاقبة" ماتزال صالحة ومأخوذا بها بشكل مستمر من قبل أعداء العرب التقليديين أي الغربيين! يتبع قريبا

 

علاء اللامي

كاتب عراقي

.....................

رابط لتحميل نسخة بي دي أف من الكتاب:

https://ia801006.us.archive.org/19/items/Ketab0531/ketab0531.pdf

 

في المثقف اليوم