كتب واصدارات

خضير الزيدي ورواية أطلس عزران البغدادي

nabil alrobaeiيوثق الروائي العراقي خضير فليح الزيدي حياة ومصير ما تبقى من المكون اليهودي في العراق بعد عام 2003م، هذا المكون الذي كان أحد أهم مكونات المجتمع العراقي، وقد افتقدتهُ العاصمة بغداد وباقِ المدن العراقية، كانت بداية الهجرة منتصف أربعينات القرن الماضي، ثمَ لعبت الحكومة الملكية العراقية الدور في هجرتهم الجماعية عام 1950/1951م ، حيث بلغ عدد المهاجرين 120 الف عراقي يهودي غادروا البلد إلى فلسطين، ثم ختمتها الحكومة الشمولية عام 1969م بعمليات الخطف والإعدام والاعتقال والتغييب، حتى عام 1973م لم يبق منهم إلا عدد قليل من هذا المكون الذي قارب تواجده في العراق زهاء 2500 عاماً، وبعد عام 2003م لم يبق منهم إلا عدداً لا يتجاوز أصابع اليد.

صدر عن دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر والتوزيع في بغداد رواية مصورة للروائي خضير فليح الزيدي تحت عنوان (أطلس عزران البغدادي)، تحتوي الرواية على 235 صفحة من الحجم المتوسط ذات طباعة جيدة خالية من الأخطاء المطبعية واللغوية، الرواية تمثل حال ما تبقى من هذا المكون في العاصمة بغداد، وما تعرضوا لهُ من حياة صعبة في بعض الأحيان، والاعتداء عليهم أبان حكم البعث وما بعد عام 2003م، الحادث الأول كان من قبل شاب فلسطيني استخدم سلاحه الرشاش للقضاء على من تبقى منهم، إلا أنهُ لم ينل مبتغاه، والحادث الثاني من قبل ميليشيا إسلامية شيعية أرهبت أبناء هذا المكون بالاعتداء على ساكني كنيس مئير طويق.

تضم الرواية 26 فصلاً، متماسكاً ومترابطاً في أحداثها وحبكتها، ومصير شخوص الرواية نماذج بشرية رئيسية من خلال المتابعة عرفنا عنها أدق التفاصيل في سير غورها، وبطل الرواية عزران البغدادي ومحاولة تصفيته وتدخل جهات خارجية لإنقاذه، إلا أنه ظل شبحاً يخيف أهالي بغداد ويقض مضاجعهم. كانت الرواية تجربة مشوقة قد أعطى الزيدي كل فصل من فصول الرواية عنواناً مناسباً ينفرد به والفصول هي: عزران يرسم المصائر، الناس تشبه بعضها، أنف المحرّر، الشورجة معدة جائع، في مطبخ عزران، رصيف باب الأغا، اختطاف الوادي، تفاحة العشق الشهية، عينا المخصي، منظمة إخوان، الأمسية الشفافية – لندن، لمّ شمل، سائق الصرصور، موت بقرصة ذبابة.

الرواية عبارة عن رسائل متداولة بين السيدة نورا والصحفي محمد رياض الوادي المحرر في مجلة نوارس، وهي رسائل فضائية مرسلة عبر البريد الالكتروني من إحدى شخوص الرواية (نورا) تؤكد أن الروائي جزء من المبنى السردي، لنقل الأخبار عن طريق بطل الرواية عزران الملاحق لتحركات الناس ومتابع أخبارهم الصغيرة والكبيرة، بالرغم من أن السارد الأول والمهيمن على وقائع الأحداث هو الروائي نفسه، كما أن ثيمة الرواية تضع أمامنا حياة المكون اليهودي المضطهد داخل البلد، وخطورة حياتهم، ومحاولاتهم إنقاذ أنفسهم وسط فوضى الرؤية، بعد ما يسمى بعام التغيير.

ذكر الروائي الزيدي في صفحة 22 حول حادث وقع بالقرب من جدار الكنيس مئير طويق قال "في صبيحة يوم 5/11/2012 وتحديداً في الساعة التاسعة والنصف حدث، كان معظم الضحايا هم من المارة بصف الحائط، انفجار سيارة مفخخة في بغداد.. على مقربة من معبد مئير طويق، المعبد الشاخص هذه الساعة في حين السعدون على مقربة من شارع المدرسة الآوسية"، الرواية توثق أعداد اليهود في العراق حسب وثيقة ويكيلكس 2010/2011، في صفحة 27 ذكر الروائي أنهُ" لم يعد هناك سوى ثمانية يهود عراقيين يعيشون في بغداد... وإن عدد اليهود كانوا عشرين يهودياً في عام 2003م، لكن هذا العدد انخفض نتيجة تقدم السن لمعظم المتبقين بالهجرة (العنف الطائفي)"، كما ذكر الروائي حقيقة ارغب أن اعلق عليها وهي "انهُ كنيس طويق كان مغلقاً في بغداد وتحويل كنيس آخر في الديوانية إلى ورشة نجارة"، أقول لكن الحقيقة كما أنا متأكد منها أن كنيس البصرة كما هو معروف قد تحول إلى ورشة نجارة بعد عام 2003 وأن الكنيس في مدينة الديوانية (التوراة) قد تم إزالته من قبل بلدية الديوانية عام 1973 وتم بناء على أرضه مجمع حوانيت بدلاً من الكنيس وهذا عكس ما نقله الروائي الزيدي في صفحة 27.

ذكر الروائي الزيدي في صفحة 79 على لسان الصحفي محمد رياض الوادي أخبار مقبرة اليهود في بغداد /الحبيبية وحوارهُ مع الحارس ودفان المقبرة عن آخر جنازة وصلت المقبرة، فكان الجواب من قبلهُ " في عام 2008م جاءتني آخر جنازة ليهودي بغدادي وهذا كما ترى هو قبره.. رجل مُسن يدعى إبراهيم ناحييم، جاءت جنازته سراً من الناصرية"، والخبر قد نقلهُ الروائي حقيقي ودقيق.

الروائي الزيدي يسرد أحداثاً حقيقية عن واقع حال من تبقى من يهود العراق ، ومن هم وافتهم المنيّة وسنوات رحيلهم، كما نقل الزيدي في روايته طريقة هروب النقيب الطيار منير روفا إلى إسرائيل عام 1969م وفق المهمة رقم (007) مع الطائرة الروسية الصنع ميغ 21،ودوره في التعاون مع المخابرات الإسرائيلية للتعرف على تكنلوجيا السلاح الجديد (ميغ21) التي أصبحت جزءاً رئيسياً من ترسانة السلاح الجوي في مصر والعراق. الرواية دقيقة في نقل الأحداث، كما ينقل عبرّ الرواية واقع حال يهود العراق المعتدلين وخميرة المجتمع المدني، ولا زال البعض منهم يعرفون بيهوديتهم في كردستان العراق.

في صفحة 171 ذكر الروائي الزيدي دور الدكتور نعيم دنكور في تقديم المساعدات كمنحة مالية، حيث قدم في عام 2014 اكبر هدية لجمعية الملكية للطب وذلك تبرعا لمساعدة الشباب الذين يرغبون بالتخصص في دراسة الطب وقد بلغت مليون جنيه استرليني، ويعتبر اكبر متبرع لمعهد كريك في لندن والذي يعتبر من اكبر مركز البحوث الطبية الحيوية في اوروبا. وفي صفحة 174 ذكر الروائي دور يهود العراق في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمة، ولهذا أقول الروائي الزيدي قل نقل تجربته الجديدة نحو التجريب والحداثة، ولتثبيت المصداقية السردية للمتلقي، وهي تجربة جديدة في الرواية العراقية.

 

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

في المثقف اليوم