قضايا

طه جزاع: لماذا تجاهل طه حسين الرصافي؟

لا أحد يعرف على وجه الدقة واليقين، لماذا تجاهل عميد الأدب العربي طه حسين الرد الذي كتبه معروف الرصافي على كتابه الشهير «مع أبي العلاء في سجنه» وإن كان من المرجح أن حسين لم يطلع على كراسة الرصافي الموسومة «على باب سجن أبي العلاء» بسبب صعوبة توزيع ما يصدر من كتب ومطبوعات في تلك الحقبة من أربعينيات القرن الماضي، وخصوصاً الكتاب العراقي الذي لا يكاد توزيعه يتعدى حدود البلاد إلا ما ندر، وقد ينطبق الأمر إلى حد ما على الكتاب المصري وصعوبة وصوله إلى القارئ العراقي، بدليل أن الرصافي نفسه لم يطلع على كتاب طه حسين  إلا بعد ثلاث سنوات على صدوره عندما وجده عند أحد أصدقائه في حزيران 1942، ولم يكن له علم قبل ذلك بصدور الكتاب منذ سنة 1939 .

بل أن طه حسين- كما يخبرنا الكاتب والباحث العراقي ماجد شُبَّر- « لم يردَّ على نقد الدكتور علي الوردي عندما نشر دراسة نقدية عن كتاب في الشعر الجاهلي!!». ويضيف شُبَّر في تصديره لكتاب صادر عن دار الوراق، ضم الجزء الأول من رد معروف عبد الغني الرصافي على كتاب طه حسين : «وقد بحثتُ كثيراً وطويلاً في الكتب والمجلات عن ردّ أو تعليق من طه حسين على كتاب معروف الرصافي فلم أجد شيئاً»، لكن ذلك بالطبع لا يقلل من جهد الناشر في ترتيب الكتاب الذي يبدأ بدراسة شيقة من ثلاثين صفحة عن الرصافي كتبها الباحث محمد علي الزرقا، ومن ثم كتاب الرصافي «على باب سجن أبي العلاء» ملحقاً به كتاب طه حسين «مع أبي العلاء في سجنه»، مما شكل مادة أدبية- تاريخية – نقدية، مهمة وممتعة ونافعة ومثيرة, يُشكر عليها حقاً.

وقد أسهب الزرقا في تعداد مناقب الرصافي السياسية والأدبية وفهمه لغاية الأدب، فهو بحسب وصف الباحث «من الأدباء المناضلين الذين وَهبوا عبقريتهم وحياتهم لشعوبهم «. كَتبَ الرصافي رسالته في الأعظمية نهايات حزيران/ يونيو 1942 وهي بمثابة درس في أخلاقيات النقد الأدبي عند الكبار، ففيها يورد كل عبارات التبجيل والإحترام لعميد الأدب العربي، سواء في بدء رسالته أو بين سطورها وفي ختامها، مع ذكر وجهة نظره في أمور محددة جاءت في كتاب «مع أبي العلاء في سجنه» أغلبها يخص ديوان «اللزوميات»، فالرصافي يعتقد « أنَّ أبا العلاء هو أول من تعمد التزام ما لا يلزم في الشعر» وهو بذلك يرد على طه حسين الذي كان يرى» أنَّ اللزوميات ليست نتيجة عمل، وإنَّما هي نتيجة الفراغ، أو ليست نتيجة الجد والكد وإنَّما هي نتيجة العبث واللعب، وإن شئت فقل: إنَّها نتيجة عمل دعا إليه الفراغ، ونتيجة جد جرّ إليه اللعب» ثم يشرح الرصافي رأيه هذا مطولاً ضارباً فيه الأمثلة والمقاربات التي تؤيده، وينتقل من قضية الصناعات اللفظية إلى ما أسماه طه حسين بعبث أبي العلاء الفلسفي، العبث بالنحو أو بالصرف أو بهما جميعاً، ويورد الأمثلة على ذلك، ويخص بالذكر بيتين من شعر المعري، غير أنَّ الرصافي يستغرب من الدكتور طه حسين «جعله قول أبي العلاء في هذين البيتين من العبث الذي لا يصح إطلاقه إلاَّ على فعل لا فائدة فيه لفاعله « كذلك لا يتفق الرصافي مع اتهام المعري بالتشاؤم بسبب فقدان بصره الذي جعله ساخطاً على الحياة.

الطريف أنَّ الرصافي يروي حكاية ذهابه إلى لبنان مصطافاً ومعه الرسالة التي كتبها رداً على طه حسين، وبينما هو ينتظر جواب أصحاب مجلة» المكشوف» لطبعها، نشبت الحرب العالمية الثانية فعاد إلى بغداد مع العائدين، ومع أنَّ أحد أصدقائه في بيروت أخبره بعد شهرين ان الدار وافقت على طبعها، لكنهم أخّروا طبعها حتى تنتهي الحرب، لارتفاع سعر الورق هناك .

يكتب الرصافي: ولم تزل الرسالة حبيسة عند أصحاب « المكشوف» إلى يومنا هذا الذي لم تزل فيه نيران الحرب قائمة على قدم وساق.

***

د. طه جزاع

في المثقف اليوم