أقلام ثقافية

بين إرث الماضي ورائحة المستقبل تنبت الحياة

akeel alabodالوطن ليس مساحة من مساحات الجغرافية والتاريخ، بل هو مقولة حية يجسدها أولئك الذين لم تساومهم صفقات الخنوع ومؤتمرات الجبابرة .

قبل ان اودع العام (2014) أتوقف قليلا ربما لأستقريء تلك الخطوط التي تجمع مكونات هذا الارث الذي عهدته متناسلا بطريقة التنافر والتجاذب مذ ودعت العراق عام 1994، أوربما قبل عقود لم اشهدها من السنين، ولكن هي محطة من المحطات تبقى؛ تلك التي تركت عند ضفافها جميع ما بحوزتي من التفاصيل، حتى ذلك الدفتر الصغير من الذكريات والذي ينتمي معي الى دموع مقولة تعد من اسمى المقولات في قواميس السياسات لو لم يتم قمعها واستهدافها وتفرقتها هذه الأيام عند نقطة ما من نقاط ذلك التقاطع، لتضاف الى مدياتها خطوط هذا العالم الذي ما زال ينتصف عند خط الاستواء بطريقة التوحش.

هنا كونها ارتبطت مع محورين من محاور الحياة اصبح للحرية طقوسا وشعارات، تتفق جميعها على تحرير رقاب المستضعفين من سيوف الطواغيت وحرابهم وبنادقهم ومعتقلاتهم، لعله ينجو هذا الكائن الذي يجمع بين طيات انفاسه روعة الخلود ويحمل في ثنايا عقله لغة الإبداع وروعة التحدي .

 

لذلك تراها مقولة الحرية تأبى ان تتراجع عن حقيقة سموها الأبدي، كما مقولة الخلود تلك التي علمنا إياها جلجامش في مخطوطة ارثه عن مقولة الوفاء .

العراق انذاك صفحات تتحدث عن تاريخ الشهداء والعلماء والمبدعين، اولئك الذين أبوا ان تساق مقولة الحقيقة الى مقصلة الجلاد، لتبقى شامخة تنبض بالاباء وتفيض بالكبرياء آثارهم .

لقد حمل الحب بقايا عشتار لينبت معها في بقعة اخرى من الارض تنبض بالعفة والنقاء، فالوجوه التي كنا نحلم ان نراها، رأيناها فكانت سوريا الملتقى والدموع والخصب، كما آلهة نعيش في ظلها ونتحدث عن أوجاع غربتنا على على غرار دموعها، لم تكن (داعش) بعد تأتي لتلوث البقاع التي نبتت على محبتها ذات يوم قصائد الشعراء ونمت مع عطور زعفرانها لغة السنابل حتى طاب للعصافير ان تتغنى برحيق اقحوانها.

لذلك يوم ودعتها مع الألفين بقيت أرواحهم اولئك الطيبين محمولة فوق أوجاع أكتافي التي أستأنفت مسيرة رحلتها المكابدة، لعلها ترد لذلك العطاء جزءا من كبرياء استحقاقه الأشم .

لقد ودعت الجواهري كما ودعت سيد مصطفى جمال الدين وهادي العلوي، فكانت مقبرة الغرباء كما مقهى الهافانا تحتفي وإياي بصحبة الطيبين ذلك يوم التقيت مع فنجان قهوة استضافني صدفة بصحبة قامة من قامات الشعر، فكان النواب حاضرا كما دمشق، بينما منتدى الأربعاء يشدني لأفتخر بصحبة شاعر المهجر مصطفى المهاجر، هذا الذي بقي في سجلات الناصعين كما قصائده على شاكلة أرث تذوب مع عطر روعتها رائحة المحبين.

هنا ونحن نودع تلك السنين يودعنا أقوام ونستقبل اقواما، بينما محطات الخالدين تنأى بعيدا، لم تستفزها ظاهرة السلطة وعروش السلاطين.

 

في المثقف اليوم