أقلام ثقافية

هل هذا هو الفن؟!

akeel alabodتمهيد: هو زمن الهراء هذا الذي ينخر في عقولنا ويستلب مشاعرنا ليرمي بنا بعيدا نحو الهاوية.

الفن لغة التعبير عن حضارات الامم، وهو العنوان المكمل لفلسفة الحياة وفقه المعرفة، وهو المنطق الأخلاقي لهويات الشعوب وتراثها العريق.

ومن فروعه النحت والرسم والسيراميك والمسرح بما فيه الصامت، والموسيقى وفنون الإضاءة والصوت والديكور، اضافة الى الرقص والغناء.

الف ليلة وليلة ورباعيات الخيام وعقلاء المجانين ومسلسلات الحب العذري كقيس وليلى، كلها موضوعات لها مضامين ودلالات لتعريف المعنى الحقيقي لهذا الصنف من الإبداع.

ومن الضروري الإشارة الى ان هنالك طقوسا فنية تكاد ان تصل في رقيها الى بناء برامج ومشاريع تخاطب العقل والضمير والحس والوجدان سواء على مستوى العامة من الجماهير اوالمجتمعات، ففي رقصات الباليه معانٍ سامية تعبر عن ثقافات الشعوب والأمم.

هو البركان إذن هذا الذي يختبيء في أعمق أعماق الوجدان، وهو المنبر الخطابي والإعلامي وإلاخلاقي الذي بطريقة أدائه يناشد الحس والضمير.

لذلك ونظرا للدور الذي يلعبه الفن في تعبئة الناس كونه يمثل مطالبها وحاجياتها، تجد ان الحكومات تتدخل في سياسة الاعلام فهي تخشى الثورة التي تأتي عن طريقه، ما يدفعها لتحجيمه واحتوائه خوفا على سلطانها الأعلى.

فقد أغلقت أكاديمية الفنون الجميلة ابوابها بعد منتصف السبعينات، وصار التقديم اليها كما كليات التعليم ومعاهدها خاصا بحزب البعث خوفا من الدور الذي يلعبه الفن والمسرح ليكون تحت المراقبة الأمنية أنداك.

ولكن رغم ذلك بقي المسرح الذي ينتمي في جذوره الى الستينيات، بقيت مسرحية الدبخانة وصورة خليل شوقي وقائد النعماني والآخرون؛ بقي اسعد عبد الرزاق وغيره شخصيات مهمة، كما المسرح الجبار عريقا لم يمت، وكما أيضاً في مجال النحت لم تمت جدارية جواد سليم وعالم الفن الذي لا يفنى. فالفن حضارة وأدب وذوق وبناء.

لذلك في دول الغرب يتم تقرير الفروع المختلفة لهذا العلم وفقا لمنهج الخطة الدراسية المقررة لطلبة المعاهد والكليات أسوة بعلوم الانثروبولوجي والمنطق والفلك والكيمياء والرياضيات.

فهو المراة التي تفسر ما يختبيء خلف الأقنعة، وهو اللغة التي ترتبط مع المجتمع عبر المشاهد الحسية والنفسية التي تعكس أنماط الوعي والذائقة.

شارلي شابلن مثلا كان بارعا في أدائه الفني وطرق العروض بما ينسجم مع الذوق الذي ينشده الجمهور منتقدا بطريقة لاذعة ومؤثرة التضليل الذي تمارسه الرأسمالية والاحتكارية والفاشية.

لذلك بعيدا عن التهريج وهذا الضجيج اللاملتزم والسخرية اللامسؤولة التي تقوم بها فضائيات العراق ما بعد التغيير، تلك التي على نمط (نصف ردن) (وضحك بضحك) (واكو فد واحد)، ناهيك عن الأغاني المبتذلة تلك التي يتم الترويج اليها بطريقة فاضحة. هذه دعوة لان نصرح بأعلى أصواتنا مستنكرين هذا الطيش الذي تبناه الاعلام الجديد ابان عصر التغيير.

لنطالب الحكومة بإنشاء وتخصيص ميزانية خاصة لعودة الفن الأصيل.

لذلك يصبح من الواجب على نقيب الفنانين ووزارة الاعلام ان تتبنى هذا النوع من المطالب.

فنحن لسنا بحاجة الى مهرجانات الموائد والشعر والقوافي واللقاءات والمجاملات تلك التي تقام في بغداد وغيرها، بقدر حاجتنا الى إيصال استغاثة ونحيب عراقية دمرت بيتها القنابل، اوبكاء عائلة نازحة تحتاج الى وطن تم اختراقه غصبا.

نحن جميعا بلا استثناء يجب ان نقف وقفة رجل واحد وصوت واحد لتحقيق الهدف الذي لأجله تأسس الفن ولتلبية دعوة من قال (أعطني خبزا ومسرحا أعطيك شعبا مثقفا)، وانا أقول أعطني حكومة وفنا أعطيك حضارة شامخة.

 

عقيل العبود

 

في المثقف اليوم