أقلام ثقافية

لماذا نبخل بالكلمة الطيبة الساحرة؟؟

hamid taoulostالتعايش لا يعني نسيان التميز والخصوصية، ولا التنازل عن الرأي الشخصي لأنه جزء من الإنسان..

يقول جون ديوي: "إن أعمق دافع في طبيعة الإنسان هو الرغبة في أن يكون مهما"، لأن تقدير الذات ضرورة ملحة في حياته، ولذلك يسهل التأثير على قلوبه وضمان محبته، بإسماعه ما يحب من عبارات الإطراء وكلمات الشكر المخلصة، و التعامل معه بأساليب التقدير الصادقة النابعة من القلب، التي تشعره بالقيمة والاحترام، وتنشي روحه وتدغدغ مشاعره، كما يفعل صياد السمك الماهر، الذي لا يضع في صنارته إلا ما يحب السمك من الديدان، لا ما يحب هو، من التفاح والموز والخيار، أو الذهب والفضة والأوراق المالية أو السندات والشيكات البنكية، فيتمكن في النهاية من اصطياد ما يريد من الأسماك؟ .

وكما لمست ذلك خلال تواجدي في فرنسا، التي عرف أهلها، كما باقي الغربيين، أثر الكلمة الطيبة اللطيفة في النفوس، وجعلوها شعار تعاملهم الاجتماعي، لنشر صفاء الود والمحبة بين أفراد مجتمعاتهم، حيث لا تجري على ألسنتهم إلا عبارات التشجيع والإطراء والمديح، التي تشعر بالقيمة والتقدير، وتجعل من أي شخص إنسانا مبهرا ومتألقا، وتنمي فيه خصال المحبة والإخلاص، لأن الناس كما قال: "معادن تصدأ بالملل، و تنكمش بالألم، و تتمدد بالأمل " وتصفو بلطف الكلام وجمال التعامل، الذي يزرع الفرحة في القلوب، وينشر السعادة في النفوس، وحتى في حال الانتقاد، فإنهم يحسنون تغليفه بالاستحسان، فلا يجرحون المُنتَقَد، ولا يمتهنون كرامة المخطئ، ولا يسخرون من أحلام البسطاء من الناس، وخاصة الطيبين منهم..

فلماذا لا نتعايش في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بحسن الخلق وطيب الكلام ولطيف الابتسام الذي ينشي الأرواح و يدغدغ المشاعر كما تفعل المجتمعات الغربية المتقدمة ؟ ولماذا لا يكون شعارنا نحن أيضا كل ما يطرب الآذن، ويطمئن القلوب، ويشعرها بالقيمة والاحترام، و يزرع البهجة بين الأهل والأقارب والأحباب والناس أجمعين ؟ خاصة أن الإسلام قد سبق إلى كل تلك الخصال الحميدة الراقية، الداعية للتعايش والتخلي عن التعصب و الاحتقان، و المجادلة بالتي هي أحسن و الحوار، المؤدية إلى صحة المجتمعات وقيام الحضارات الراقية بما حثنا عليه من التعامل الاجتماعي الصحيح، في العديد من آيات كتابه الحكيم، كما في قوله سبحانه وتعالى : "ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبةٍ أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون"، وكتلك التي وردت في الأحاديث النبوية الشريفة أمثال : "ثلاث يصفين لك ود أخيك، تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء"، وقوله صلى الله عليه وسلم : "الكلمة الطيبة صدقة"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة" .

أنه ليصاب المرء بالحزن والأسى عندما يرى نفسه محاطا بهذا العدد الكبير من الناس الذين يهوون الاستهانة بالنفس البشرية، وتصر ألسنتهم على البخل بالكلمة الطيبة، وتضن شفاههم بالابتسامة الساحرة، وتقحط سلوكياتهم بالخلق الحسن ، رغم أنه لا يشرط في التخلق بذلك، أن تكون لا شاعراً بليغاً، ولا خطيباً مفوهاً، ولا عالماً عظيماً، ولكنك بحاجة إلى إحساس مرهف، وتعامل راقي، ومنطق حسن.

فهل بعد كل هذا الذي جاء في كتاب الله وحديث نبيه عن مزايا الكلمة الطيبة وفضائل الابتسامة الصادقة وأثرهما في تهدئة النفوس، وتأليف القلوب، تبقى ألسنتنا مصرة على بخلها بالكلمة الطيبة، وتستمر شفاهنا في ضنها بنشر الابتسامة الساحرة؟

دفعني الحزن والأسى مما رأيت عند الغربيين من التعلق بحسن التعامل، والذي هو من لب تعاليم ديننا الحنيف، إلى التساؤل عن السبب في بخلنا في استعمال الكلمة الطيبة، أهو لجفاف لغتنا وحضارتنا وتراثنا، أم لجذب في قلوبنا أم لإقفرار نفوسنا، أم لقلة في مواهبنا وقدراتنا على معاشرة الناس بالخلق الحسن، وإظهار التقدير الحقيقي لهم، وأختم بما خاطب به الله سبحانه تعالى رسوله سيدنا محمد :" وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" سورة آل عمران 159،..

 

حميد طولست

في المثقف اليوم