أقلام ثقافية

أسئلة الكتابة: الفعل التجربة الذات الآخر .. أو ما معنى أن تكتب؟

mohamad alazouziكلام لابد منه: الكتابة سؤال عصي الإمساك بناصيته سواء قمت بطرحه على نفسك بمحاولة الإجابة إذا كنت عارفا بخبايا الفعل منخرطا فيه مدركا لشروطه السيكولوجية السوسيوثقافية... بما تمثله من أساس في بلورة الفعل ودفعه إلى التحقق والتأصيل وجوديا كفعل أساسي ومحوري أوعلى الأخر لتلمس مختلف الأوجه التي يتبدى للخارج أو ضمن المتن الإبداعي لتجارب إبداعية أخرى لها رؤيتها المميزة والخاصة للفعل كشروط وظروف .

سؤال لن يمنحك الخيط الذي به تتلمس الطريق بيسر للإحاطة بجوانب الإجابة عنه والتخفيف من قسوة وإلحالية التساؤلات المرتبطة به المسنودة بمفاتيح يمكن أن تكون مداخلا نحو فهم أعمق وأشمل لفعل وتجربة الكتابة في علاقاتها بمختلف الترابطات والوشائج التي تولدها أو تتوالد ضمنها وتحاول الدفع بها نحو أفاق تتسع وتتعمق بإتساع التجربة وتعمقها "إن لحظة الكتابة للحظة هاربة مثل سراب لأنها تلتمع من بعيد،فكيف القبض عليها ؟سيرمي لها الكاتب المعني بالأمر بصنارة الإنتظار إلى أن "تأتي" إليه (1) .

أسئلة اللماذا ولمن وكيف وأين ومتى ...وغيرها المسنودة بتموضعاتها المختلفة أكانت علاقة بالذات الكاتبة أوتمفصلات الكتابة كفلسفة ورؤية أوتموقع الذات ودرجة ذلك التموقع ضمن واقع سوسيوثقافي و يتم عبرها محاكمة ونقد الفعل ورد الفعل لنشدان كتابة استشرافية تنهل من معين الأمل والحياة كروافد وتتغيى تطهير الذات من الأدران العالقة بها...

حرقة الفعل كمحاولة للقبض على الهارب والمنفلت باستمرار بأسره باللغة وإعطاء وجوده وجودا أبقى بتمتيعه بحياة لانهائية وبأجنحة جمالية للتحليق ككائن حاضر في عالم جمالي يتغيى الخروج من المأساة بقهر جنوحها الجموح لصنع العدم والعبث والفوضى... الملهاة كسخرية يجب التخفيف من إفراطها.

تصادمات التجربة مع أكثر من جهة وصيرورة وسيرورة التحولات التي تنخرط فيها بوعي أو بلاوعي بغية بلوغ

الواقع المأمول إنشاءه لإضفاء جدوائية على الفعل والتجربة معا باجتراح أفق أوسع وأرحب  ونحن نبحث عن الجواب في سياقات التجارب الأخرى التي انخرطت في التجربة (الكتابة) بكل ما يعتريها من معاناة وإكراهات تبعا للظروف والشروط التي ولدت فيها نفسية ثقافية إجتماعية إقتصادية سياسية...

 

الذات والفعل:

وتبقى الجوانب النفسية والمرتبطة بذات المبدع هي اللبنة الأساسية في فعل الكتابة لتوزعها على الحالات والمواضع الموزعة مابين السعادة الحزن الإنشراح والألم لطبيعة الحالات التي يكون عليها جسد المبدع ودرجة تفاعله مع المحيط بمختلف تلويناته "إننالانكتب أونرسم إلا في لحظات الوحدة والضعف وعندما  نعانق وهم الفرح السعادة فإننا نوثرأن نعيشه أولا" (2) كما يرى الروائي والناقد المغربي محمد برادة على لسان أحد أبطاله يحضر فعل الكتابة كمحاولة للخروج من حالة الحزن التي يحياها المبدع أوالألم والمرض فيتحول الفعل من مجرد تنفيس إلى رغبة في المقاومة والصمود كما يقول الكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس"منذ أربعة أعوام وأنا أقاوم السرطان وكانت الكتابة وللمسرج بالخصوص أهم وسائل مقاومتي"(3) وعن الظروف التي يمكن أن يكتب ضمن شروطها وتأثيراتها خصوصا حين يغيب الأمن بمختلف درجات حضوره وعلى أكثر من مستوى وصعيد يقول الكاتب الجزائري واسيني الأعرج "يستطيع الكاتب أن يكتب مهماكان مقدار الخطروالتهديدالمحدق به،لأنه يدخل في سباق مع الموت وتكتسب حياته معناها من فعل الكتابة"(4).

تجربة أخرى ترصد التحولات التي تطرأ على الذات الكاتبة ما قبل الفعل ومابعده قبل الشروع وبعد الإنتهاء منه"عندما أكتب أو أنهي كتابا أحس بأن أجزاءا مني قد بترت وأنني لم أعد نفسي"(5) تقول الروائية الفرنسية مارجريت دوراس.

 أنطولوجيا تدخل الكتابة مع الذات في علاقة جدلية الذات تحقق فعل الكتابة وتأسس له والكتابةتعطي للذات معنى ماأسمى تصبح معه الكتابةوالذات وجهين لعملة واحدة أنا أكتب إذن أناموجود ووجودي له قيمة ومعنى ضمن الحياة وسياقاتها المختلفة حتى وإن انبنت على الألم "إن الكتابة نفسها ألم لأنها نابعة من الشعور به بغض النظر عن غايتها .(6) و "بشرط أن تقبض ... على جمرة الذات الملتهبة والحقيقة الهاربة إلى مناطق النسيان"(7)

 

أفق التجاوز:

لكن تبقى جوانب أخرى  لها إرتباطها بالكتابة كفعل وتجربة تمتح  من معينهما الذي لا ينضب بدونها لا تمثل الكتابة إلا مجرد تمرين إنشائي لا غير لا يقوم إلا بتسويد بياض الورق وإنتاج عمل ضحل فاقد المعنى والجدوى والرؤية الملزم إمتلاكها.

التجربة المعيشة بتلوناتها وتشعباتها بما تحمله الكلمة من قوة ورغبة في الإنطلاق والتحرر والإنقذاف لمعترك الحياة وآتونها بوضع الذات على محك التجربة الأعمق والأجدى "...التعثرات الملموسة هي التي تجعلنا ندخل في علاقة حقيقية مع الحياة..."(8) وفي نفس السياق يقول إدريس الخوري "لا تفعل الكتابة شيئا أكثر مما تصف، إنها تصف الحالات والإنكسارات والفضاعات "(9) .

 فالتجربة خيط مسارات الذات وهي تكابد أهوال الواقع تحولاته من أقصى تخوم اليأس إلى أقاصي الحلم جسرالنجاة نحو الحياة عبوره يعني تخطي كل المثبطات والحواجز المادية واللامادية بأغلالها النازعة لكل ماهو استشرافي 

حيث تمثل" كل ممارسة للكتابة هي فرصة لتحقيق أعمق للذات والكون والآخرين..."(10) وبصيغة أخرى"عندما تصبح التجربة أقوى من الندم ينمحي الشعوربالذنب"(11)

الحلم وفعاليته في الدفع بالذات ومن ثم الكتابة لاجترح أفق أعمق للفعل بتجدده المستمر"إننا لا نختار أحلامنا ولكن لها صلة بوعينا ولاوعينا كثير من إحلامنا تكشف لنا عن سر ماعشناه وما سنعيشه أحلامنا هي قدرنا،وما شئنا من سحرها ومالم نشأ،وكثيرا ما أنارت لنا جزءا من حياتناالمظلم وألهمتنا مبتغانا..."(12)

 

على سبيل الختم:

  لكن إلتماسها بالآخر بتوع تصوراته ومواضاعاته أكانت ذاتا موازية للأنا ندخل معها في علاقة تفاعل إيجابي أو الآخر الذي يجهلنا كذات ويتململ موقفه بين القبول والرفض والآخر الذي يقف كحامي لحوزة مسيجة بالأسوار المعلن في وثوقية قل نظيرها مخلفا ردات فعل من المبدع الذي يلجأ للمواجهة أو الرضوخ أو مراجعة وسائله وأساليبه  بإعادة تشكيل لغته الخاصة لتفي بالمضمر والرسالة المراد إيصالها 

 

محمد العزوزي  شاعر وقاص

...............................

هوامش

1 ـ إدريس الخوري ـ الصوت والصدى مقالات في الأدب والحياة ـ منشورات فكر ـ ص 55 و 56 ـ ط 1 ـ 2009

2 ـ محمد برادة ـ الضوء الهارب (رواية) ص ـ ط 2 ـ نشر الفنك

3 ـ سعد الله ونوس ـ باب قالوا مجلة العربي العدد 450 الصادر بتاريخ ماي 1996

4 ـ واسيني الأعرج ـ نفسه

5 ـ مارغريت دوراس ـ نفسه

6 ـ إدريس الخوري ـ سبق ذكره ـ ص 66

7 ـ نفسه ـ ص 63

8 ـ محمد برادة ـ ورد ورماد رسائل محمد برادة ـ محمد شكري  ص 74 ـ ط 1 ـ 2000

9 ـ إدريس الخوري ـ سبق ذكره ـ ص 66

10 ـ محمد برادة ـ سبق ذكره ـ ص 38

11 ـ محمد شكري ـ وجوه ص 5 ط 1 ـ 2000

12 ـ نفسه ـ ص 155 و156

 

 

في المثقف اليوم