أقلام ثقافية

شاعر تونسي يعرب مجموعة كبيرة من رباعيات الخيام

نور الدين صمودكاتب هذه الكلمة الموجَزة شاعر تونسي معروف على الصعيد الوطني والعربي والدولي، له من الدواوين المنشورة أربعة عشر ديوانا مطبوعا، إلى جنب ما لم يُطبع من شعره المخزون في الحاسوب وهو في تقدير صاحبه يُناهز أو يجاوز نصف ذلك المطبوع، وله من الكتب النثرية المطبوعة مجموعة منها كتابان في تيسير علم العروض وموسيقى الشعر العربي المأثور عن أعلام الشعر العربي، وأطروحة دكتوراه المرحلة الثالثة ودكتوراه الدولة عن الشعر والقرآن الكريم.

وقد تعلم كاتب هذه السطور قبل ذلك أثناء دراسته العليا مبادي اللغة الفارسية في جامعة القاهرة على كبار أساتذتها خلال سنوات 1955/1958 على أشهرهم الدكتور محمد عبد السلام كفافي، ووقد واصل تعلم هذه اللغة في الجامعة اللبنانية 1958/59 على أستاذ اللغة الفارسية الإيراني محمد محمدي.

ولكن طول الانقطاع عن مواصلة تعلم اللغة الفارسية أنساه الكثير منها، ولم يُنسه ما حفظه من نصوص أعلامها مثل جلال الدين الرومي في (جواهر الآثار) التي ترجمها شعرا أو نظما وحققها ولخص حواشيها العربية والفارسية عبد العزيز صاحب الجواهر، ثم ترجمها نثرا أستاذنا محمد عبد السلام كفافي، فكانت الترجمة الشعرية أعذب لتوفر الوزن اللازم للشعر وكانت الترجمة النثرية أقرب وأوفى لمعنى النص لعدم الخضوع والاضطرار تحت حكم الوزن والقافية.

لقد كان كاتب هذه السطور، منذ بداية اهتمامه بالأدب عامة وبالشعر خاصة، وما زال، مغرَما بالشعر الفارسي عمومًا وبشعر عمر الخيام خصوصا وبرباعياته بصفة أخص، وقد دفعه إلى صياغة الكثير منها شعرا عربيا على بحور الخليل وأحيانا على بحر (الدوبيت) الفارسي كما يبدو من تسميته (دو + اثنان بيت شعر)

ولم يعدَّ الخليل بن أحمد هذا الوزن من البحور التي كتب عليها العرب شيئا من أشعارهم قبل وضعه لقواعد هذا العلم من خلال استقرائه للشعر العربي إلى عهده (100/170 هـ) .

لقد صاغ كاتب هذه السطور كثيرا من رباعيات الخيام شعرا عربيا فصيحا بالاعتماد على معرفته القديمة باللغة الفارسية مستأنسا بترجمات السابقين من الذين ترجموا الرباعيات عن الفارسية مباشرة والذين ترجموها عن لغات أخرى مثل الترجمة الإنكليزية لفيتز جيرالد التي اعتمدها محمد السباعي والد الكاتب المصري المعاصر يوسُف السباعي في تعريب الرباعيات في خماسيات في أوائل القرن العشرين، وقد ترجم الشاعر الكاتب المترجم إبراهيم عبد القادر المازني 13 رباعية فقط عن الترجمة الإنكليزية السالفة الذكر، كما ترجم الشاعر البحريني مجموعة من تلك الرباعيات بالاعتماد على معرفته الجيدة باللغة الفارسية مستعينا بالترجمة الإنكليزية التي يجيدها

ولشدة إعجابي برباعيات عمر الخيام أخذت في البداية أصوغ معاني يعضها صياغة شعرية على مخلف الأوزان والبحور الخليلية بالاعتماد على الترجمات النثرية التي تكون دائما أصدق وأشد التزاما بحرفية النقل والاستئناس يالترجمات الشعرية التي نستأنس بها عند صياغتها موزونة.

ويُسعد صاحب هذه الكلمة أن يقدم في البداية هذه الرباعية التي نظمت على طريقة يمتاز بها الشعر الفارسي، يكتبونه مثنوي أي ثنائيات، واعتبر العرب أن كل شطر بيتٌ فسموه بالعربية رباعيات، والرباعية الأولى وقعت تقفية جميع أشطرها بكلمة واحدة وهذه الطريقة معروفة في شعرهم، وهي على البحر العربي الطويل:

1) أرَى الكُفْرَ والإيمان بَيْنهـما نفـسْ*وما بين شكـِّي واليـقين كذا نفـسْ

وما دام عمْرُ المرءِ ليس سوى نفـَسْ*فكن حازما في صرف عمْركَ بالنفَسْ

1) 5 وأما الرباعيات الستة التالية فهي على المتقارب:

1) إذا أقبل الليلُ أنـْوي المَـتابْ*وترْكَ المدامِ وهجْـرَ الشـراب

وإذ جاء فصلُ الزهور فإني،*أ يا ربِّ، قد تبتُ عن ذا المتابْ

2) ذُق ِالراحَ قبل اعتزام الرحيلْ*وقبل الكرى تحت تُرْبٍ ثقيلْ

وشُمَّ الرياحـين في فجـرها*فلن يضحكَ الزهرُ بعد الذبولْ.

3) إلى م بذا الحرص تَقْضي الحياةْ*وتبقى تفكر في الفـقـر دومَـا

ألا اشربْ، فبعد الحياة المـماتْ،*وَقَـضِِّ حياتَـك سُـكرا ونومَا.

4) على شرفة القصر ذاتُ هديلٍ*تقولُ: تـُرَى أين ولـَّى ذووكْ؟

فوا لهـفـتـاه على ما مــضـى*وأعتـابُـه ذلّ فـيــها المـلوكْ

5) أحِــسُّ بنفسي دبـيبَ الفـناءْ*ولم ألـْقَ في العيش إلا الشقاءْ

ويا حسرتا إنْ قضيتُ ولم*أحُلَّ بفكريَ لغزَ القضاءْ

6) تـَرُوحُ حـياتي وليـست تعــود*كما هـبَّـتِ الريـحُ في الـفـَدْفـَدِ

ولم أطـْوِ نفسي على همِّ أمسي*ولم أطـْوِها عن هـمـوم غـدي

أما الرباعية الموالية فقد وقع الاضطرار إلى صياغة معناها على ما يمكن يُسمَّى مزيد المتقارب لضيق البحر عن أداء المعنى الذي قاله الخيام في وزن لغته:

إلهي ! وضعْتَ بكل الدروب شِراكا*وقلتَ لمن سار فيها: ستلقى الهلاكا

وحمّلتني ذنبَ سَيْري بتلك الدروب*فعفوًا إلهي! ومَن سوف يعفو سواكأ؟ !

والرباعيات الستة التالية وقعت صياغتها على البحر الخليلي الخفيف:

1) جاءني صوتُ هاتفٍ في الظلامِِ*آخِـرَ اللـيــل: يا غُـفـاةَ الأنـامِ!

اِستفيقوا ولـْـتملؤوا كأسَ راح ٍ *قـبل أنْ تمتـلي بخمـرِ الحِمـامِ ِ

2) إن هذا النهارَ والليلَ كانا*قبل كوْني، فدَوْرَةُُ الكونِ غايهْ

خففِ الوطءَ فالثرَى كان عينا*ذاتَ حسن جمالـُها لاحَ آيهْ..

3) سِرْ على الأرض في هدوء ورفق*فلعل التراب قد كان عينا...

لفتاةٍ كانت على الأرض تسعَى*فاحترمْ ذا الترابَ وامشِ الهويْنا.

4) سِرْ على الأرض في هدوء وأيقنْ*أن هذا التراب قد كان مقْلَهْ...

لفتاةٍ ظلـَّتْ على الأرضِ تمـشي*فامش فوق التراب مَشْيَ المُدَلَّهْ.

5) لا تُصاحبْ إلا القليلَ، فهذا*زمَنٌ ليـس فيه أهـلُ الوفـاءِ

ولْتصاحبْ أهلَ الزمان، لِـمامًا*مِن بعيد، فالقربُ كُنْهُ العَـناءِ

6) قال شيخ لمومس: أنت سكرى*كلَّ يوم نراكِ في إثر فاجرْ

فأجابت: صدقْتَ يا شيخُ، لكنْ*أ تُرى أنت مثلما أنت طاهرْ؟

1) شرب القاضي دماءَ الناس لكن*قد شربنا دم بنت العنبِ

نحن عربدنا، ولكـنْ أيُّـنا*شارب من دمنا المنسكب؟

2) ألْفُ ماضٍ فوق هذا الدرب، لكنْ *مَن تـُرى عاد ليأتينا بِـسرّْ؟

قبل أن ترحـلَ خُـذ ما تشتهي*لستَ ترجو عودة من ذا السفـرْ

3) مرَّةً واحدةً نحيا ونـُعْـدَمْ*فلماذا الخوف من موت محتـَّمْ؟

ولذا هَبْ أنّ جسمي ودمائي*ما هما إلا أنا، هل أنت تفهمْ؟

والرباعيتان التاليتان على البسيط

1) إن حان حَيْـني ونام الجسم في جدثٍ*وصَيَّروه أباريقًا وأكوابَا

فلتسكبوا الراح فيها إنها ظمئتْ*وكيف يظمأُ من أسقوه أنخابا؟

2) هل يمكن العيش في الدنيا بلا سَكَرِ*زمانَ تسقي الرياضَ السُّحْبُ بالمطرِ؟

واليومَ تَـنمو بها الأزهـارُ تُمْـتِـِعنا*وزهْـر تُربيَ مَـنْ يرعـاه بالنظر؟.

ويود صاحب هذه الكلمة أن يوضح أن الرباعيات عند الفرس عبارة عن أربعة أشطر مثنوي أي ثنائيات،عند الفرس اعتبرها العرب رباعيات ويمتاز الشعر الفارسي، واعتبر العرب أن كل شطر بيت فسموه العربية بالرباعيات، والرباعية الأولى وقعت تقفية جميع أشطرها بكلمة واحدة وهذه الطريقة معروفة في شعرهم، وهي مع التي تليها على البحر العربي الذي سماه الخليل بالطويل:

****

ويضيفُ كاتب هذه السطور إلى النماذج السابقة نماذج أخرى من صياغات لبعض رباعيات الخيام مع مقارنتها بترجمة بعض السابقين، فقد صاغ أحمد رامي جميع ما ترجمه من رباعيات الخيام على البحر السريع، وقد استهلّ ترجمته لها بهذه الرباعية التي غنتها أم كلثوم بتلحين رياض السنباطي :

سمعـت صوتا هاتفا في السحرْ

نادَى من الحان: غفـاة البشـرْ

هُبُّوا املأوا كأس الطلا قبـل أن

تُفـْعِـمَ كأسَ العمر كـفُّ القـدرْ

والملاحظ أنه قد أبدلت في هذه الرباعية كلمة (الحان) بكلمة (الغيب) وعوضت كلمة (الطـِّلا) بكلمة (المُنـَى)، ووقع الاختيار على كلمة (تملأ) بدل (تـُفعم) 

وقد صاغ كاتب هذه السطور الرباعية السابقة أكثر من مرة (على المتقارب):

1) سمعتُ من الْحانِ، وقتَ السُّباتْ،*نـداءً يقولُ: ألا يا غُـفاةَ) !

أفيقوا لسكْبِ الطِّلا قـبـل أنْ*تَفيضَ وتُملأَ كأسُ الحياة

2) أتاني من الْحانِ، وقتَ السَّحرْ،* نداءٌ يقولُ: غفاةَ البشـرْ

أفيقوا لِسَـكْبِ الطـّـِـلا قـبل أنْ*تَفيضَ وتُملأَ كأسُ العمُر

3) سمعت هتافا سرى في الظلامْ*يقولُ: أفـيقوا غُـفاةَ الأنامْ !

لِمَـلْءِ كـؤوسِ الطِّـلا قبل أنْ*تُفيضَ الحياةُ كؤوسَ الحِمامْ

4) سمعت هتافا سرى في الظلامْ*يقولُ: أفيقــوا غُـفاةَ الأنامْ!

لكي ما تُـفيضوا كـؤوسَ المدامْ*وتستَبِِقوا فيضَ كأس الحِـمامْ

5) سمعت نداءً سرى في الدجى*ينادي: انهضوا يا غفاةَ الورَى !

لسكب كـؤوس الطِّـلا قبل أنْ*تَفيـضَ وتُملأَ كـأسُ الردَى

وقد تصرف كاتب هذه السطور في صياغتها وقـلْبها عدة مرات على البحر السريع مع تنويع الروي:

1) سمعتُ صوتا هاتفا في الظلامْ*نادى مِـن الغيب: غـُفاة الأنامْ

هُـبُّوا امْلأوا كأس الطلا قبل أنْ *تـَملأَ كاسَ العمْر كفُّ الحِمامْ

2) سمعت صوتا هاتفا في الدجَى*نادى من الغيب: غفاة الورَى

هبوا املأوا كأس الطلا قبل أنْ*تـَملأَ كاسَ العمرِ كفُّ الـردَى

3) سمعت صوتا في الدياجي يَرِنْ*نادى من الغيب: هُـواةَ السُّباتْ !

هبوا املأوا كأس الطلا قبل أنْ*تملأَ كأسَ العمرِ كفُّ الممات

وأكتفي بما قدمته من صياغاتي الشعرية لما ترجمته شعرا من رباعيات الخيام، هذا ولي عودة إلى هذا الموضوع بطريقة أخرى آملا أن تجد هذه الصياغات الشعرية العربية التونسية طريقها إلى القراء العرب مجموعة في كتاب يستحقها الشاعر الفارسي والمزدوج اللغة شعرا ونثرا . !

 

أ. د : نور الدين صمود

 

 

في المثقف اليوم