أقلام ثقافية

مدخل استهلال لـرواية: نوارة.. وجه عروس للكاتب محسن الأكرمين

497 محسن الاكرمينإصدار جديد للأستاذ محسن الأكرمين في صنف الرواية، صدر تحت عنوان (نوارة.. وجه عروس). وهي رواية تتألف من عدة مشاهد تفاعلية تؤثث لأحداث متشابكة. تبقى كل أجزاء وأطوار الرواية السردية تحتل زمانا غير تراكمي في أحداثه و شخصياته، و تحتل القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية حركية السرد الهادف إلى ترك بصمة رؤية حلول عادلة.

فلم تكن مقدمة انطلاق الرواية إلا نقطة خلخلة ترجع البطل عنوة إلى أحداث الموروث الثقافي و العمراني لمدينة مكناس، مقدمه استحضرت الماضي ضمن تموضعات الحاضر بكل تجلياته التحولية البئيسة. حيث حملت المقدمة بطل الرواية (أسيف) ضمن حوض تشابكات وضيق دروب المدينة العتيقة بمكناس، حملته ضمن لقاء مع السيدة (الغالية) الزاهدة في الدنيا والمتصوفة العارفة بالله و الأوليات الصالحين. أحداث ضمت أكثر من فصل تروي أزمة مدينة في علاقتها مع ناسها، والبطل (أسيف) في أزمته الذاتية المتصببة من عرق بؤس مدينة وكفاف حياة سليمة.

وحتى يتم اقحام المتلقي بالمباشر في التراكمات البنائية لأحداث الرواية فقد كانت المقدمة بوابة مباشرة يستطيع من خلالها القارئ التعرف على بطل الرواية (أسيف) و (نوارة) الحبيبة، والشخصيات اللاحقة ضمن تصورات القرب والبعد من البطلين، والتي لم تستطع في كل مشاهد الرواية أن تغطي في أي لحظة عن أدوار الأبطال الأساس، ولكنها دفعت بحبكة السرد إلى الأمام والتشعب.

رتابة حكي المقدمة لم تطل وفق التقسيم المقطعي للمشاهد، بل كانت تلك هي بداية الزوبعة التي ألقت ب (أسيف) ضمن الماضي الذي ما انفك يمضي منه بمعيقات حياة صادمة، والحاضر الذي ما فتئ يجئ بأحداث صاعدة  ومتنوعة المشاهد حتى حد التخبل. هي تلك العقبات المشكلة أساسا من المكان في علاقته بالإنسان، ولما علاقة الذات بالذات الواحدة. فجوات حياتية تحمل خدوش الزمن الماضي يكابدها (أسيف) في صمت مستديم، فجوات حياتية تمثل الوحدة والبحث عن نقطة ظل مستوفي لإشعاع نور حب رحب.

فيما كانت ذروة عقدة وسط رواية الأحداث، حين تم تسليط الضوء الفاضح بالكشف، والخافت بالصمت على مجموعة من المشاهد الواصفة لحياة نوارة الماضية والحاضرة، ثم في علاقتها بحب أسيف. حين استطاعت أن تسحب أسيف من فجوة سقطة حياة ملتوية، حين أصبح الحب بينهما مثل هواء ربيع خامل عن تحريك أوراق براعم شجرة صغيرة بالتدفق النامي. حين أصبح أسيف و نوارة  يعيشان بمتوازي الخطوط غير التوافقية.

فيما كانت نقطة التحول كحدث لحب الانكسار حين أصبح تكلس أصابع أسيف عن الكتابة والحكي عن نوارة، عندما تلوثت تفاحة العالم الفاسدة كعلاقة حب أصم بين أسيف و نوراة... حين قرر أسيف ستر نصفه الأوسط علانية مثل ادم و الخروج بالحد الأدنى من الجروح الذاتية.

حب الانكسار المتكرر، تحول إلى شد وجذب، وضيق في الكلام المباح، حينها لم تكن عافية أسيف يستعاد قوامها إلا بظل حب نوارة التي احتضنته ثم ضمته وبكت لأجله ثم قبلت يديه بين سراب الأسوار البعيدة وبعثت برسالة مدوية له بدمعة حياة أمل حارة المورد ...

صدق سقوط أحداث القصة نحو النهاية الاستفهامية، حين رأى أسيف برهان ربه و نوارة فوق سريره مستلقية نوما، حين استعاد أسيف قولا وعملا من نزغ الشيطان الآثم، وأسدى لحاف غطاء خفيف على مفاتن نوارة الظاهرة.

قبلة مرآة وتجمل بتمامه لنوارة بمنزل أسيف ثم مغادرتها المكان خفية،  كان عربون نتيجة حتمية أن نوارة ألفت امتلاك الحب وشخصته في (أنت لي... يا أسيف)...حين أضحى باب أسيف غير موصد وممكن أن تعود نوارة إليه بثوب فرح...

لم تكن النهاية الحتمية لحب رواية (نوارة... وجه عروس)  وأسيف بالنهاية الفاجعة و لا السارة بالتمام، بل كانت تستغل الزمان والمكان والإنسان في حب الوجع (أحبك وجعي...) وكفاف جهد الحلول. هي النهاية التي تركها الكاتب (محسن الأكرمين) تؤسس بيانا إنذاريا لتفحص سعة صدر القارئ ومدى قدرته على اقتراح حلول لأفق  رحب مستدام بالتواصل والحب ....

 

في المثقف اليوم