أقلام ثقافية

عشق الحروف والكلمات

محسن الاكرمينلست أدري حين أكتب أحس أن روحي تتنفس هواء نقيا من داخل مواجع الأحزان. لست أدري أن الكتابة ما هي إلا تعبير صريح عن الألم ومجاراته بدمع لا يسيل. كل حروفي وأسطر جمل كلماتي أشتم فيها رائحة مداد نكوص حياة وتعب التفكير. مرات قليلة ألمح فيها الأمل الممزوج بالأنفة الصامتة، مرات عديدة أعدم حروف بالوأد الطوعي قبل أن ترى نور التداول الجماعي وتفكيك شفراتها الخفية.

هي عنيدة حروفي حين تقض مضجع نومي وتنادني نهوضا إلى سحر الكتابة ليلا، هي مفزعة حين ترفض الخروج إلى الوجود وأنا منتشي بالفرحة و البسمة الشريكة. عجيبة هي حروفي الوفية للماضي والحاضر والتي تأبى إلا أن تركب عن الصدق  وتغور عن الرياء، هي حروفي التي تصدق المعنى في التركيب لتصير كلمات وجمل دالة حينا، وأخرى تحتاج للتأويل والتحليل ثم التركيب الثاني.

لمن تكتب؟ ولما تكتب يا رجل؟، كم أنت دالة أيتها الحروف النكرة حين يتم تعريفك بالنداء القريب. غير ما مرة يصيبني التأسي حين أمسي بلا رصيد تعبئة مضاعفة من كلمات أختطها بمداد أسود على مساحة بيضاء عن يومياتي حياتي. يصيبني العوز الكاشف حين أنظر في صفحاتي مذكرتي فأجدها بيضاء خالية من مداد خط حياة و لو بالخربشة الحانقة و المفرطة في تعرية الذات.

أعاتب يوميا أقلامي الحادة، ذات الألوان المتنوعة، حتى منها قلم الرصاص والممحاة. ألوم فيها أفكارها الجارفة نحو النقد الحارق، ونفض واقع معلوم ولو بحبر رصاص قابل للتعديل. حين أفكر بالوفاء لقيم الماضي والحاضر أبعثر حروفي الطيبة المسكينة وأتركها تتحمل التأويلات المفرطة، وحتى اللوم والحنق عن دلالاتها المشكلة. أترك كلماتي الطيبة بينكم للتحرر من سلطة التقادم التي سجنتها طوعا بمخيلتي منذ معرفة خطيئة آدم .

حين نطقت حروفي لأول مرة ثورة، وهي تجابهني بقوة الشدة، أصبت بالذهول أمام تعسفي عليها مرارا ولم أنصت لها يوما. حين اشتدت لون احمرار عيون نقطها الفوقية والتحتية بالصياح والرفض بالقول، لما لا تكتب عن البهرجة والتسلي؟ لما لا تترك حروفك تأكلها أرضة الكساد وتريحنا كليا؟. حينها وجدت أن حروفي تحترق نارا من الداخل، وجدتها تقاوم على البقاء والاستمرار في الخط دون اعترافها بنقط الحذف... الأخيرة.

 

ذ محسن الأكرمين.

 

في المثقف اليوم