أقلام ثقافية

عبد السلام فاروق: أيام الحزن والفرح

عبد السلام فاروقخبر وراء خبر ..

ثمة فكرة رئيسة في روايات (ميلان كونديرا) كلها وهي: إن الحياة لا معنى لها لذلك أفضل وسيلة لمواجهتها هي ألا ناخذها على محمل الجد..

لطالما اعتبرتُ الحياة مسألة جادة،  وأن علينا أن نأخذ كل ما فيها على محمل الجدّ. حتى المزاح عندي مسألة جادة. غير أنها الحقيقة الصادمة بلا زيادة أو نقصان،  تضع سطر النهاية المحتومة لكل المخلوقات.. وهكذا كانت وستظل دراما الحياة والموت لا تنفك ترزأ البشر بأنوائها ومواجعها منذ بدء الخليقة .

 وسط شلال الأحزان المتدفق عبر(الفيس بوك) بالأخبار المحزنة لرحيل عدد من القامات الفنية والقانونية والإعلامية البارزة: (إبراهيم حجازي، أحمد الحجار،  وائل الإبراشي وتهاني الجبالي). أسعدني خبر نجاح العبقرية المصرية الصاعدة سوسن أحمد في أمريكا..

وصفة نجاح ..

 يأتينا هذا الخبر السعيد ليمنحنا الأمل في غد مشرق يمسح ببهحة النبوغ ونشوة النجاح.. عرق الإرهاق والتعب فوق وجوه حاصرتها الأزمات وأرهقتها المشكلات..

نجاح النابغة المصرية في أمريكا وراءه بالـتأكيد قصة عبقرية فريدة يجب أن تحكي وتعمم علي التلاميذ في مصر إذا كنا نريد بناء المستقبل الصحيح لبلدنا .

وسائل الإعلام الأمريكية،  احتفت بالصغيرة المصرية سوسن أحمد باعتبارها أصغر خريجة في تاريخ كلية بروارد بولاية فلوريدا الأمريكية،  قائلة: إن سوسن استطاعت اجتياز المرحلة الثانوية في سن التاسعة،  والتحقت بالكلية في العاشرة من عمرها،  قبل أن تتخرج نهاية عام 2021،  بعد حصولها على الزمالة في العلوم البيولوجية بمعدل 4 نقاط،  وهي الدرجة الكاملة بالجامعة.

وأيضا،  إن المصرية سوسن أحمد درست طوال حياتها في المنزل،  حيث كانت تشرف والدتها (جينا سانتوس أحمد) على برامجها الدراسية في مختلف المراحل قبل الجامعة.

ما فهمته من كلام والدها الطبيب وسام أحمد -الذي يعمل بمركز الأورام في كليفلاند كلينك بأبوظبي- أنه لم يدفع  ابنته قط إلي التفوق والنجاح الخارق: بل هي من كانت حريصة متطلعة إلي ذلك. وفي تغريدة أخرى عبّر والدها عن فخره بها.

قرأت (سوسن)  دراسة تقول: إن الذكاء الاصطناعي أكثر دقة حتى من أطباء الأشعة في اكتشاف السرطان لدى مرضاهم. لقد شجعني ذلك حقاً على الاهتمام بالذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الطب .

طريق الفشل ..

أما أقرانها في مصر للآسف،  فإنهم يشكون وذويهم مر الشكوي من نظام تعليمي متقتطع الأنفاس والوصلات ..حتي أصبحت مدارسنا بلا تعليم أو شرح!

الحجة الأكبر التى يتوارَى خلفها النظام التعليمى (كوفيد19). وكأن كورونا هو الذى أفسد علينا التعليم كأشياء كثيرة فسدت بفعل فاعل،  والمتهم ظلماً وباء كورونا . والحقيقة الواضحة أننا نسير عكس الاتجاه السليم بفضل وزير يتشبث بمنظومة تطوير أثبتت فشلها الذريع. وأهدر من أجلها ملايين الجنيهات دون جدوى حقيقية.

إن الذى حدث أن جميع الأسر المصرية باتت تعانى أشد المعاناة من تكلفة الدروس الخصوصية التى تضاعفت بسبب احتياج معظم الطلاب لأغلب المواد الدراسية بعد انعدام وجود الشرح بالمدرسة،  ولأن الدرس الخصوصي بات ملاذاً وحيداً ورسمياً تشجعه الوزارة . فقد أصبحت الدروس تمثل عبئاً ثقيلاً على الجميع،  وبات التعليم على ما فيه من مثالب هو الشبح الذى يطارد البيوت. فأى تعليم بقيَ فى مدارس بلا شرح ومعلمين لا همَّ لهم إلا تحفيز الطلاب على حجز الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية؟!

لماذا تصر الوزارة على ابتكار حلول عقيمة فى كل مرة؟ ولماذا لا تكتفى بتقليد النموذج العالمى للتعليم عن بعد فى زمن الجائحة؟ لماذا الإصرار على تعذيب الأسر المصرية والطلاب،  ومن قبل هذا هدم التعليم حتى لدى المعلمين أنفسهم،  بعد أن استناموا لطريقة التعليم منزوع الدسم والشرح. والتى أسلمتهم لحالة غريبة من الكسل والانتهازية ذات الطابع الرسمى؟!

يا أيها المسئولون عن التعليم فى مصر ارفعوا أيديكم عن التعليم قبل أن يتم القضاء على البقية الباقية منه. وإذا كانت خططكم ومناهجكم قاصرة عن تحقيق التطوير المزعوم فاكتفوا بالنماذج التقليدية المعروفة التى أثبتت فعاليتها وما أكثرها. ألم تكتفوا بتحويل التعليم إلى بيزنس و"سبوبة" تتهافت عليها المدارس الخاصة والدولية ومدارس اللغات؟

 التعليم بات اليوم طريقة للتعذيب والابتزاز بدلاً من أن يصبح وسيلتنا لغد لا أعرف كيف أتفاءل بأنه سيغدو مشرقاً يوماً ما!

 

عبد السلام فاروق

 

 

                               

في المثقف اليوم