أقلام ثقافية

سناء أبو شرار: الاستمتاع بحياة العقل.. الكتابة في السجون

هل فعلاً متعة الحياة هي ما يستمتع به الجسد وما يُشبع شهوات النفس؟ أم أن هناك متعة أخرى يختص بها العقل فقط ولا يتذوقها إلا فئة قليلة من الناس؟

فئة أدركت أن هناك حديقة خلفية وسرية تختبئ في زوايا العقل ولكنها تُشرق على الروح وعلى الجسد، ومن هذه الفئة الصغيرة فئة من كتبوا ويكتبون في السجون، لقد اكتشفوا طريق هذه الحديقة السرية وتمتعوا بظلالها وثمارها غير المرئية، وامتلكوا الحرية الكاملة في التجوال بها لأنها بلا حدود ولا مساحات ولا يزاحمهم بها أحد، لا يعرفون بها الضجر ولا الملل ولا يخشون العيون الفضولية ولا نفوذ السلطة، الحديقة تصبح دولة خاصة بهم لهم بها كل الامتيازات والحقوق وقبل كل شيء حرية القرار.

من هؤلاء الكتاب:

(رسائل من سجن باكنغهام) مارتن لوثر كينغ جونيور

(دون كيشوت) ميغيل دي سير فانتس

(محادثات مع نفسي) نيلسون مانديلا

(رحلات ماركو بولو) روسيتشيلو دابيزا

(تاريخ العالم) المجلد 1 للسير والتر رالي

(لا أستطيع الإحتفاظ به لنفسي) والي لامب

(مقدمة في الفلسفة الرياضية) تراند راسل

(المبسوط) الإمام شمس الأئمة محمد السرخسي

(أسرار الحروف) ثمانين مجلد أحمد بن علي هبة الله الزوال

وغيرهم من الكتاب والروائيين الغربيين أو العرب.

يقول تراند راسل عن الكتابة في السجن:

" لقد وجدت السجن من نواحٍ كثيرة مقبولاً تماماً، لم يكن لدي ارتباطات ولا قرارات صعبة أتخذها ولا خوف من المتصلين ولا مقاطعات لعملي"

الكتابة في السجن تثبت أن إبداع الإنسان لا يتعلق بالمؤثرات الخارجية وأنه هناك عالم داخلي خلقه الله تعالى في عقل الإنسان وروحه تجعله ينطلق بحرية غير محدودة إلى عوالم داخلية قد تكون أكثر اتساعا من العالم الحقيقي المحدود في المكان وفي الفكر. الكتابة في السجن تُثبت بأن أثمن ما يملك الإنسان ليس ما يمتلك بين يديه بل ما يمتلك في عقله من إرادة وفكر لذلك لا يمكن لشعوب لا تمتلك هذا الفكر أن تنهض، لا يمكن للسلاح أن يحرر الأرض كما لا يمكن أن تنهض الشعوب الفقيرة بمجرد امتلاك الأجهزة الحديثة، ولهذا تفشل نهضة الأمم حين لا تدرك هذه الحقيقة وأن الحرية والتطور لا يمكن امتلاكهما دون عقول تسير في طريق الإرادة ومعرفة الهدف وبهزيمة لا تُقهر. ولهذا أيضاً لا يمكن تحرير الأرض المسلوبة بعقول شحيحة وفقيرة حتى لو أمتلكت أحدث الأسلحة.

حين يدرك الإنسان مدى القوة التي أودعها الله تعالى في عقله وروحه سوف يتغير قدره، وحين يحترم هذا العقل ولا يبذله لأجل المتع الرخيصة والشهوات العابرة سوف يمتلك السلطة العليا للدفاع عن نفسه وعن الآخرين. لا يوجد من يستطيع استعباد الآخرين أو الشعوب إلا بموافقة هذا الآخر وهذه الشعوب، كل استعباد له طرفان كي يتحقق: المُستعبد والقابل لذلك.

إن لم تستطيع أن تكتشف تلك الحديقة السرية في عقلك فأنت لن تعيش سوى في هذا العالم المادي المجرد والذي يُلقنك كل يوم كيف تعيش وماذا تفعل، فقط حين تكتشف عالم عقلك السري الثري يمكنك أن تقول للعالم من حولك كيف يجب أن تكون الأشياء ولمن القرار.

***

د.سناء أبو شرار

في المثقف اليوم