أقلام ثقافية

ثامر الحاج امين: الفوضى ليست دائما سلبية

رغم ما قيل عن الفوضى من مساوئ وأوصاف ترتبط بالانفلات وغياب الأمن، الا ان هناك من هو مسكون بها ويتخذ منها سلوكا واسلوبا للعيش، فالشاعر رامبو في كتابه (فصل في الجحيم) يقدّس فوضاه ويقول عنها (وجدت فوضى روحي شيئا مقدساً)، ويختارها البعض من الكتاب عنوانا لكتبه مثلما فعلت احلام مستغانمي في (فوضى الحواس ) وكذلك الشاعر قاسم شاتي في ديوانه (اتبعيني ايتها الفوضى)، وكتاب الباحث والمؤرخ المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بييرجان لويزار: (جذور الفوضى)، وهذا مؤشر على انه ليس هناك اجماع على سلبية الفوضى، وشخصيا أجد نفسي طبيعي أمام منظر الفوضى وتحديدا في الطريقة المتبعة في عرض الكتب خصوصا التي مضى على صدورها زمن بعيد، فمن محاسنها انها تنّشط الذاكرة عند البحث عن كتاب ما وذلك من خلال ترادف عدد كبير من العنوانات المختلفة، وايضا قد تفاجأ بكتاب سمعت به دون ان تحصل عليه وقت صدوره، يضاف الى انك ومن خلال البحث قد تعثر على الطبعات الأولى من الكتب المهمة فهي الان تعد من النفائس . 

في مدينة الديوانية هناك مكتبة ضخمة تضم كتبا بمختلف المعارف والآداب وتعد واحدة من المحطات الثقافية للعديد من مثقفي المدينة، ولكن الذي يميز هذه المكتبة عن غيرها هو فوضى الكتب التي عبارة عن اكداس، فالكتب فيها تتشابك فوق بعضها البعض ودون تبويب حيث تجد في الكدس الواحد يتعانق الكتاب العلمي مع الكتاب السياسي والأدبي لذا فزائر المكتبة يصاب بالدوار وهو يغوص في اكداس الكتب بحثا عن كتابه المفضل، وهذه المشقة اللذيذة في نبش الكتب اكاد اعيشها يوميا فلم يحدث لي ان انهيت جولتي اليومية في المدينة  قبل المرور بهذه المكتبة للاستئناس بمنظر تزاحم المعارف وتشابكها .

وصادف اني يوما وخلال بحثي بين الكتب لأجد ما يرضي ذائقتي الثقافية عثرت على ديوان الشاعر الفريد سمعان (في طريق الحياة) الصادر عام 1952 وبتقديم الشاعر السياب فاقتنيته على أمل تقديمه هدية لشاعره المذكور، وفعلا عند تواجدي في احدى دورات مهرجان المربد الشعري في البصرة وكنت قد حملت الديوان معي التقيت الشاعر سمعان في مطعم الفندق الذي يستضيف وفد المهرجان وامام عدد من الأدباء عرضت عليه نسخة الديوان وخيرّته بين اهدائه لي بتوقيعه او أهديه اليه في حال عدم امتلاكه نسخة منه، فأجابني مبتسما انه فقد الديوان منذ وقت طويل ويفضل ان اهديه اليه وهذا ما حصل حيث تركت الديوان بين يديه وانا في غاية الرضا والسرور . .

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم