أقلام ثقافية

عقيل العبود: مقطع من جلسات الأدب في مدينتنا الجنوبية

أبو أماني أحمد الباقري إنموذجا*

كانت تجمعنا حروف الكلمات المكتوبة على صفحات الورق الأسمر، والدفاتر المدرسية، نستمع إلى قراءاتهم، أما الترجمات، فهي أشبه بإيقاعات يضاف إليها نكهة الالقاء الخاصة بالمجتمعين مغموسة بمزاح لا يمل.

لم يكن صاحب الحقيبة، تلك الملامح المعفرة بخصوبة الأرض، ومرارة التجربة مجرد مثقف وأديب، بل هو معلم كبير ينتظره التلاميذ لتقييم جهودهم المتعلقة بواجباتهم المدرسية.

يجلس زيدان حمود، ومسلم عباس على الجهة اليمين من الطاولة، يسبقهم محسن الخفاجي، وغسان، وآخرون أحرزوا شهرة وتقدما كبيرا في كتابة القصة والرواية، بعد أن غابوا، بما فيهم القاص الأستاذ نعيم عبد مهلهل، حيث أبعدتنا واستنزفتنا جميعا محطات الغربة والوجع.

كانت جلساتنا تتغنى برائحة الهيل المخلوط مع بخار الشاي الساخن، حيث تزاول المقهى نكهة محبتها، وكأنها تعبر عن فرحتها بتلك اللقاءات.

يتلو مسلم على مسامعنا آخر ما كتب، ثم يقرأ زيدان نصا مسرحيا، يلقي الباقري نظراته بعد أن يلف سيجارته التي اعتاد أن يبالغ في ابتلاع دخانها بأصابعه المرتجفة لنطلق ضحكاتنا المعهوده إثر ذلك هو (صدر لو صفارة حارس)

يقرأ معلمنا نصا مترجما له من الأدب الأوربي، ثم تتلى إبداعات الأصدقاء، وتعليقاتهم تباعا.

كان يوم الجمعة يوما مقدسا للجميع حيث يجتمع فيه من لم يتسن رؤيته باقي الأيام.

تبتدئ المناقشات بخصوص ما كتبه محسن ،وترجمه أبو اماني، أما عقيل فكان ينتظر عموده الأسبوعي على صفحة الملتقى في اليوم المذكور في صحيفة القادسية بعد وصولها إلى مكتبة جبر غفوري، حيث تصل أكياس الصحف التي تحمل معها حرارة المطبعة، وهي تشبه أطباق الصفيح الساخن.

كان للصحف المقروءة معان كثيرة، وكبيرة، فهي ليست فقط للقراءة، وإنما يحتفى بجهود كاتبها الذي يتقاضى ثمن ما يكتب.

أعتاد محسن صاحب مجموعة ثياب حداد بلون الورد السفر إلى بغداد للقاءات أدبية مهمة، حيث يتاح له استلام أجور النصوص المنشورة في بعض الأحيان نيابة عن الأصدقاء الذين يكلفونه بذلك، حيث مقر جريدة القادسية والتي يعمل فيها ابن المدينة المرحوم الشاعر كمال سبتي مع عمود ثابت يصدر له تحت عنوان حروف المصحح.

ذات يوم استحسن الجميع ما يكتبه صاحبهم في ملتقى القادسية، ولذلك قال محسن له وبدعابة مشاكسة لقد أصبحت كاتبا معروفا يا (…)، كانت الأعمدة الاسبوعية التي يكتبها الشاب خاصة بأدب أمريكا اللاتينية، أو الأدب الأوربي المعاصر. وكان العمود يعد ثمرة جهد اسبوعي خاصة وهو يتضمن قراءات شاملة لروايات مهمة مثل الصخب والعنف -فوكنر، وحديث في الكاتدرائية ماريا فارغاس يوسا، مع كل ما تتاح قراءته عن الأدب العالمي.

ولذلك وبغية الابتعاد عن أبواق الضجيج الإعلامي لسلطة الحرب، والاعلام الماكر آنذاك، كان الشاب أسوة بمن يقلد، حريصا على أداء ما تقتضيه شروط الكتابة الخاصة بالنخبة، وهو التركيز على ذلك النمط من الموضوعات.

***

عقيل العبود

........................

* لمناسبة سنوية المرحوم الأديب والمترجم والكاتب أبو أماني أحمد الباقري- رحم الله زيدان، ومحسن، والباقري، وجميع من فارقنا من الغائبين والحاضرين، حيث لا يتسع النص لذكر باقي الأسماء.

في المثقف اليوم