أقلام ثقافية

معراج احمد الندوي: اسمعني أيها القمر

أيها القمر.. أنا أعرفك منذ  فجر نعومتي، لقد عرفتك في طفولتي عندما كنت في حضن أمي، وهي تشير إليك ببنانها وكانت تقول لي بأنني اشبهك في الجمال. أيها القمر.. هل تعرف بأنني أشبهك تمامًا.. أنت تحيا وحيدًا في كبد السَّماء، برغم كثرة النجوم حولك مثلي تمامًا تعتريني الوحدة في الأرض برغم كثرة من الناس والزحام. عندما كنت صغيرة كنت أقول لنفسي كم سلمًا سأحتاج لأصل إليك. كم تمنيت أن أكون مكانك لأرى ما ترى لأرى انعكاس ضوئك على البحر والنهر كالمرآة لأرى الطرقات التي طالما مشى فيها البائسين الذين يحملون هموم الحياة.

أيها القمر.. لم أكن يوما غريبا عليك.. أنت قريب وجئت إليك مشتاقا.. كاد الحنين إليك يقتلني.. انني انحني امام عظمتك.. وكم من الأقوام اندثروا وكم من الحضارات زالت وأنت لا تزال تتلأ كما أنت في طفولتي.. انحني إليك اجلالا واحتراما أيها القمر المنير..

أيها القمر.. إنني حينما أراك صامتاً محلقاً فوق السهول المقفرة والجبال العالية، وكلما أراك تتبعني أينما سرت خطوة خطوة، وكلما نظرت الكواكب تتلألأ في السماء، أقول وأنا سابح في بحار من التفكير لم هذا الضوء الساطع والنور الكثير؟ وما معنى هذه الوحدة العظيمة! أيها القمر.. سبحان من خلقك وأبدع في جمالك، أرى نفسي والسماء في اعماقك وأرى وجهك يتلألأ كوجه جميلة تنتظر حبيبها، أرى أوراق الشجر على وجهك الجميل تسير تائهة كقلوب العاشقين حيارى لا تدري أين تروح.

أيها القمر.. لقد طال بي سهري، وهل سألت النجوم عن خبري، ما زلت في وحدتي أسامرها، حتى سرت فيك نسمة السحر، وأنا أسبح في دنيا تراءت لعيوني، قصة أقرأ فيها صفحات من شجوني، بين ماضِ لم يدع لي غير ذكرى عن خيالي. إن روحي لا تزال في مذهب الحس كـأنها تجهش للبكاء مادامت هذه الدمعة فيه تجيش وتتبدر، كأنها معنى غزلي يحمله النظر الفاتر، فلا تلقها على الأرض، فإن الأرض لا تقدس البكاء، وكل دموع الناس لا تبل ظمأ النسيان.

يولد الإنسان بالتعب والعناء، فيكون عرضة للعرض، ثم طعمة للموت. يحس أول حياته الألم والشقاء، فيبدأ أبواه يعزبانه عن ميلاده من يوم أن يوجد في المهد، فإذا نما وترعرع شرعا في مساعدته حتى يكبر، فيبذلان جهدهما في إعداده لما ينتظره من هموم الحياة، بالأقوال والأفعال، فإذا أصبح رجلاً تركاه ليحمل نصيبه من أعباء الحياة.

وليس لي أيها القمر إلا البكاء.. لأنه يخيل إلي أن حقائق كثيرة تغتسل بدموعي، فما افديت من كل ذلك ما افديته من دمعة تفور في صبيبها كأنها روح عاشق يطاردها الموت، فإن في هذه الدمعة ثواب كل آلامي، ويقظة كل الحقائق من أحلامي.. ولعمري أيها القمر، أليك اشكوا بثي وحزني، وأناجيك بأحلام الإنسانية.

***

الدكتور معراج أحمد معراج الندوي

الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها

جامعة عالية، كولكاتا - الهند

في المثقف اليوم