أقلام ثقافية

عقيل العبود: عرس الحداد

يقتحم الهلاك أنفاسهم، يتساقطون تباعا هكذا، تلتهم النيران أوجاعهم، ترتجف عروقهم، تجف بعدها على شاكلة أكداس تحترق، وبعد حين يغادر الجمع، يفترق الحضور، تُغتصبُ الحياة.

تهوى أحلامهم، تتلاشى، تتحول إلى صراخ يعلو، يرتحل بعيدا، معلنا انقطاعه عن الألم، تعود ذكرياتهم تلك البطاقات التي تتناغم حروفها مع رجاءات ذلك المبتغى خائبة، تتداعى جميع الكلمات التي يكتبها العاشقان قبل الحفل.

يفتقد المكان بطاقات هيبته متعثرا بفستان زوجة مرتقبة، يخر صريعا لحظة انشغاله بمصابيح أزمنة مقفلة، مفترقا عن أحداث ماض مرتبك.

تتعاقب مشاهد وقفتها المذعورة، متلازمة مع ارتباك فرحتها، تزامنا مع أحداث تشبه في تدفقها إيقاع كوابيس تحط مخالبها على حين غرة، لتسرق آخر ما تبقى لها من أمنيات.

 تكشف الحرائق عن لبوسها المضطرم دون اكتراث، يلتف اللهب الأسود حول حلقات ذلك الاشتعال مصرحا بحقيقة خبثه الماكر.

يمسك الخوف هراوة بغضه المقيت، أملا بتسجيل أكبر عدد من الضحايا، بينما في ذات اللحظة يختبئ الطاعون خلف أستار أبجدياته التي ما انفكت تستأنف مفردات بثها الغادر بطريقة ماكرة.

تنشغل الشابة بمفاتن حضورها الذي ما زال يتناغم مع مظاهر كأنما تم إعدادها لاغتصاب ثوب عرسها، تصبح مرتاعة لا تعرف اتجاه وقفتها، بينما يستحكم اضطرابها، تعدو تقصيا عن مخبأ تلوذ به، أملا ببقاء آمن.

تدب حركة المحتفلين مع صيحاتهم وفقا لأنباء عودة غائبة، تضج مساكنهم بالبكاء، يذاع الخبر على أسماع الجمهور، حيث يلوذ الجميع بسقوف مائدة أخلفت بوعدها.

يجد أحدهم نفسه على سرير حتفه المؤكد، يؤرق آخر ما تبقى له من عدةِ حياته الآمنة، يهوى ذلك الشاب مثل صخرة تتهشم شظاياها إثر زلزال عاصف.

يؤكد الطاغوت نفسه منتزعا جذور حدائق أريد لها أن تنبت عند محفل أرواح بهيجة

يتحول مهرجان المهنئين إلى ركام تلتهب أطرافه لتحترق على غرار أفران الموتى*

***

عقيل العبود

…....................

- عن حريق قاعة ابن الهيثم في الحمدانية.

- كتب النص بالفعل المضارع تأسيا لآثار الفاجعة التي ما زالت أحداثها ماثلة أمام الجميع.

- في الغربة عرفت أن هنالك أفرانا لإحراق الموتى عندما لم يتعهد أحد بتكاليف دفنهم، أما في العراق فصرت أعرف أن بعض المباني كالمستشفيات، وصالونات الأعراس تكاد أن تكون أشبه بتلك الأفران استعدادا لإحراق الأحياء قبل موتهم.

في المثقف اليوم