أقلام ثقافية

درصاف بندحر: الشجاعة ليست بالقول بل بالفكر

اتهم أبو الفلسفة سقراط  بإفساد عقول شباب أثينا فتم عرضه على محكمة مكونة من 565 قاضيا. تحدى سقراط المحكمة بقوله "اعلموا أيها القضاة أنكم إن أخليتم سبيلي في هذه الساعة فإني عائد من فوري إلى ما كنت عليه من تعليم الحكمة" فحكم عليه بالإعدام.

رفض سقراط الهرب من زنزانة الإعدام بعدما أتاح له البعض من تلامذته وبصفة خاصة الأوفياء منهم فرصة الهرب.

عندما أصدر عليه الحكم تقبله بهدوء..رفض طلب العفو وقد أتيح له ذلك.

لو هرب سقراط من سجنه المادي لسجن نفسه في سجن من نوع ٱخر، لو اعتذر عن دوره في إنارة العقول لعاش نادما.. لو فر  لما أمكنه أن يواصل شغفه بالتفكير النقدي..لقضى بقية حياته هاربا، خائفا.

 وكما نعلم جميعا فالخائف لا يفكر.

لقد أدرك في قرارة نفسه أن الهرب يعني أنه سيدمر كل ما بناه.

أعدم سقراط وبقي أثره خالدا.

لقد علمنا هذا الفيلسوف أن الشجاعة ليست شجاعة القول بل شجاعة الفكر. أن تكون شجاعا لا يعني أن تتشدق بل  يعني أن تفكر..أن تفكر يعني أن تتخطى جدران ما يسجنك في بوتقة الجماعة، ما يصيرك  جزء من القطيع، لا يتأمل ولا يتساءل.

برغم الاختلافات بين المعرفة التي أسس عليها سقراط فلسفته وبين الرواقيين الذين يرون أن الفلسفة نوع من الممارسة أو التدريب  أي أن الدليل على إدراك الفرد يتمثل في تصرفاته وأعماله وليس في أقواله، إلا أنهما يتوافقان من حيث الغاية من الفلسفة.

 أسست الفلسفة الرواقية نفسها لغاية مساعدة الناس على عيش أفضل حياة ممكنة. تعرف الرواقية بأنها فلسفة الحياة التي تساعد على تطوير المشاعر الإيجابية والحد من المشاعر السلبية.

 الفلسفة عند الرواقيين لا تنحصر في ما هو نظري بل  هي فن الفضيلة ومحاولة تجسيدها في الحياة العملية.

من منظور المذهب الرواقي فإن العالم جميل وكل ما يحدث فيه هو لخير الجميع.

صحيح أننا تعودنا أن نختصر كل ما يحدث في الشر الظاهر لكن نحن نتناسى دائما أن الشر من زاوية أخرى هو خير ما.

منذ حوالي 2000 عاما كتب الفيلسوف الرواقي سينيكا  رسائل شكلت رائعة من روائع الفلسفة القديمة في فترة اعتزال الفيلسوف السياسة خوفا من بطش الإمبراطور، وقد كانت نهايته أكثر إيلاما وضراوة من نهاية سقراط.

 يقول سينيكا«..ما يجعل الأمور تبدو مخيفة عمّا هي عليه في الحقيقة، هي أنها غير مألوفة بالنسبة لنا. ولعلّ التأمّل المتواصل، سيضمن لك، إذا أصبح عادة لديك، أن لا تجدك الصعاب حديثَ عهد بها»

ما أحوجنا ونحن نواجه أكبر  مخاوفنا أن نغير طريقة تفكيرنا فيما يحدث لنا.. أن نعي أن مصدر غضبنا وحزننا يكمن في عقولنا، وأن كل واحد منا مسؤول على طريقة تعاطيه مع كل ما يصيبه..قوام على سعادته أو تعاسته بقطع النظر عن الظروف الخارجية.

فليس من المهم مدى سوء ما نواجهه بل الأهم هو أن نواجه كل الصعاب وكل الٱلام دون التفريط في تماسكنا وثباتنا.

***

درصاف بندحر - تونس

 

في المثقف اليوم