أقلام فكرية

مقدمات لـ "فهم الفلسفة السياسية" (5): الأجندة الحديثة

علي رسول الربيعيلقد تغيرت الفلسفة السياسية بشكل كبير خلال الأربعين سنة الماضية. معظم الفلسفة السياسية النظر في الدساتير آبان السبعينيات، وكيف كانت الدساتير مبررة ومدى الفائدة التي تقدمها لصالح المواطنين. بعد ذلك الوقت ، كان التركيز ينحو نحو المفاهيم الأساسية مثل:

- الحرية

- العدالة

- تكافؤ الفرص

- الحقوق

- الإنصاف في تقاسم الموارد المادية

- السلطة السياسية والأمن.

وبعبارة أخرى، فقد تغير التركيز من البنى السياسية التي يعيش فيها الناس، إلى تلك الأشياء التي قد يتوقع أن توفرها الدولة العادلة أو تسهلها. لكن المشكلة هي أن هذه المفاهيم قد تتنافس مع بعضها البعض. فإذا تم منح الجميع الحرية الكاملة، فقد لا يكون هناك عدالة أو تقاسم عادل للموارد المادية والثروة. إذا أُجبر الجميع على أن يكونوا متساوين ، وأن يحصلوا على حصة ثابتة من السلع المادية ، فإن الحرية الفردية لتحسين وضع المرء في الحياة سوف يتم تقليصها. ما قد يراه شخص ما كعدالة ونزاهة ، وقد يرى شخص آخر انتهاكًا لحقوقه الفردية.

السمة الرئيسية للفلسفة السياسية هي المفاوضة بين هذه المبادئ، ووضعها في حال من  التتشابك لتحقيق أقصى فائدة ممكنة. لكن هناك العديد من المجالات الأخرى التي تتعارض فيها المبادئ.. تشير "الفائدة القصوى" إلى شكل من أشكال العدالة التوزيعية ... وبعبارة أخرى، أن يكون المجتمع منظمًا بحيث يحصل كل فرد على حصة عادلة ومناسبة من الموارد.  يبقى هذا البرنامج الاقتصادي ،بالنسبة للبعض، محوريًا لمهمة الفلسفة السياسية.

شهد العقدين الأخيرين من القرن العشرين الفشل التدريجي للأنظمة الاشتراكية والشيوعية، مع القرن الحادي والعشرينصبحت الولايات أ المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة. وبدا أن الديمقراطية الليبرالية والرأسمالية هما الخيار السياسي والاقتصادي الوحيد القابل للتطبيق.

قال فرانسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ" (1992) بشكل مقنع أن هناك رغبة عالمية في حريات ومزايا المجتمع الغربي الحديث، وهذا يعني ضمنا أن النظرة الليبرالية الديمقراطية، في شكل الحرية الفردية واقتصاديات السوق الحر، سيكون الخيار المفضل للجميع.

بالنسبة للبعض ، ليس هناك ما يمكن مناقشته - فالاقتصادات المخططة على النمط السوفياتي القديم قد فشلت، وقد اختارت الأحزاب العمالية والاشتراكية الوسط، وانتصرت الديمقراطية الليبرالية واقتصاد السوق الحر. إن المعيار الوحيد للنجاح السياسي هو مستوى معيشي متصاعد باستمرار وتوفير المزيد من السلع الاستهلاكية ضمن حدود وطنية آمنة. كل ما تحتاجه الحكومة هو اعتماد السياسات التي تحقق وعودها الاقتصادية.

لكن هناك قضايا كبيرة أخرى في العالم الحديث مطلوب معالجتها. فبالأضافة الى قضية الاتصالات العالمية والبنى الاقتصادية ،هناك قضية العلاقة بين الدول القومية الفردية والهيئات الدولية، و قضايا ما بعد الاستعمار بالنسبة للعالم النامي، والقضايا متعددة الثقافات في العالم المتقدم ، تتقاطع الحدود الوطنية والثقافية التقليدية مع بعضها. تشمل هذه الاهتمامات ما يلي:

- الحقوق المدنية

- التفكير النسوي

- العولمة

- المسؤولية الدولية - سواء من حيث الحرب أو البيئة

- العناصر الدينية في الانقسامات السياسية

- تغير المناخ والبيئة السياسية

- الإرهاب.

لا يمكن التعامل مع هذه القضايا الجديدة ببساطة على طريقة المناقشات القديمة بين الأولويات الاشتراكية والرأسمالية. تتأي التهديدات المتصاعدة للمجتمع من وجهة نظر الليبرالية الديمقراطية السائدة من قبل  تلك المجموعات التي ترفض الفلسفات التي تمنح الأولية  للفردية في نظريات العقد الاجتماعي والفلسفة النفعية، التي تم تسلمها من فترة القرنين السابع عشر إلى التاسع عشر، لصالح تقديم شعور أكبر بالهدف والمعنى الديني أو الثقافي.

إن المال والسلطة والتلاعب الساخر بالأهداف السياسية محفّزات عظيمة - للأفراد والدول – و وهي دائما ذات مغزى بالنسبة للحكام  أو لقسم معين من السكان. ألقى مكيافيلي نظرة ساخرة وعجوية على استراتيجيات الحفاظ على السلطة في عصر النهضة إيطاليا، وربما ما زالت تعليقاته صالحة اليوم. يمكن أن تكون السياسة لعبة رهانات من قبل أولئك الذين تغذيهم القوة التي تقدمها السياسة.

ولكن قد يكون للسؤال الأعمق "ما هي الحياة؟" إجابات مختلفة للغاية لدى الانتحاري وعامل الإغاثة والرأسمالي المغامر. تعتمد الفلسفة السياسية نفسها على إرساء بعض الإجابات الأساسية على هذا السؤال، لأنه بدون ذلك لا يوجد شيء لمواجهة الاتهامات بأن المال والسلطة يحكمان العقل والمبدأ في المجال السياسي، ولا معنى لمناقشة الصحيح والخاطئ للتنظيمات السياسية والإجراءات والأفعال.

 

الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ

 

 

في المثقف اليوم