أقلام فكرية

مدخل الى فلسـفة الأخلاق (2): الدين والقيم الأخلاق

علي رسول الربيعيسوف نتناول تحت هذا العنوان:

كيف يرتبط الدين بالأخلاق

بحث قضية الحرية الدينية.

تعتمد الاختيارات الأخلاقية التي يتخذها الناس والقيم التي يعبرون عنها (بوعي أو من غير وعي) عن فهمهم لطبيعة العالم ومكانة البشرية فيه. لكن هذه أيضًا أمور تتعلق بالأديان. فكل دين:

- يقدم وجهة نظر معينة للعالم

-  يعزز مجموعة من القيم التي يجب أن يعيش أتباعه طبقا لها

-  يقدم نصيحة محددة حول كيفية العيش - أي من القواعد يتبع أو المواقف الواجب اتخاذها.

قد تستند القواعد أو القيم الدينية إلى:

- سلطة زعيم ديني أو كتاب مقدس

- التجربة التراكمية لهذه الجماعة الدينية

- لفكر العقلاني، أو فهم ما هو "طبيعي".

قد تؤثر القيم الدينية على المجتمع بشكل عام، وليس فقط على الأفراد الذين يعتنقون هذا الدين. فعلى سبيل المثال، تستند العديد من الحجج الأخلاقية إلى الأفكار والقيم التي روج لها الإسلام في المجتمعات في السياق الإسلامي والدين المسيحي في المجتمعات التي تعتنقه.هذا لايعني كل مفكر اخلاقي هو اسلامي في فكره ولكن كل من يعيش في أطار الثقافة الاسلامية عرضة للتأثر بالأفكار الإسلامية، والأمر نفسه ينطبق على شخص يعيش في مجتمع مسيحي او يهودي ابو بوذي او هندوسي او غيرها من الاديان  الأخرى في العالم. وغالبًا ما تعكس الافتراضات التي يفترضها الناس عن طبيعة وقيمة الحياة خلفيتهم الدينية، أو رد فعل متعمد ضدها.

كيف يرتبط الدين والأخلاق؟

هناك ثلاثة احتمالات:

تكون الأخلاق مستقلة إذا كانت تستند إلى العقل وحده، دون أي إشارة إلى الأفكار الدينية. وإذا كانت قيمها هي نفس قيم دين معين، فإن ذلك  من باب المصادفة البحته.

أن الأخلاق معتمدة على قواعد قادمة من الخارج، إذا كانت تعتمد مباشرة على المعتقد الديني أو على مجموعة من القيم يعطيها الدين.

الأخلاق تأتي من الله، إذا كان يعتقد لكل منها والدين مصدرًا مشتركًا للإلهام والمعرفة، وهو مصدر قد يشير إليه الدين باسم "الله."

بعض الحجج  المؤيدة للأستقلالية الأخلاقية

-  تعتمد مسؤولية الاختيار الأخلاقي على الحرية والقدرة على الاختيار بعقلانية. لكن بعض الأديان تتوعد بالثواب والعقاب بعد الموت - الجنة أو الجحيم، أو الولادة من جديد في أشكال الحياة العليا أو الدنيا. فهل يعتبر تصرفك أخلاقي إذا كنت تطيع القواعد الدينية خوفا من العقاب؟

-  قد تتخذ الديانات المختلفة (أو حتى الطوائف المختلفة داخل دين واحد) مقاربات مختلفة للقضايا الأخلاقية. فيتعين على الشخص من أجل الاختيار بين الآراء الدينية المتضاربة استخدام عقله كعامل حاسم ونهائي وهذا هو الاستقلال الذاتي!

-  إذا أعتنق إحدى الديانات التوحيدية (أي أؤمن بالله)، فسوف أؤمن أن الله يعرف بالفعل ما سأختار فعله قبل أن أفعله. وإذا كان الله يتمتع بالقوة الكاملة، فيجب أن يكون قادرًا على منعي من ارتكاب الأخطاء. وإذا لم يفعل ذلك، فهو مسؤول عن عواقب أفعالي، أيً مساعدتي أوتحريضي من خلال الإهمال الإلهي! وفي الحالة هذه ، أكون غير مسؤول أخلاقيا، أيً افقد مسؤوليتي الأخلاقية عن أفعالي.

بعض الحجج  المؤيد لأعتماد الأخلاق على الدين

-  لا يمكن للناس الهروب من تأثير القيم والمواقف الدينية. فلها تأثير على اللاوعي، حتى بالنسبة لأولئك الذين يرفضون الدين. الأعتراف بهذا التأثير أفضل، إذن، من محاولة إنكاره.

-  بمجرد أن تحاول تعريف المصطلحات الأخلاقية، مثل، " الخير" أو" العدالة "، فأنت تستعمل لغة تم تشكيلها بواسطة الأديان السائدة. قد يكون القانون الطبيعي، على سبيل المثال، أتى أصلاً من أرسطو، لكن يتم فهمه  إلى حد بعيد اليوم من قبل المسلمين  بوصفه يعبر عن الفطرة، أو كما  يستخدم  من قِبل الكنيسة الكاثوليكية أو الأكويني بوصفه يعبر عن المسيحية. لقد زود  الدين لغة النقاش الأخلاق إلى حد كبير.

- إن يكون لديك الفهم بأن هناك ما هو الصواب، وأن يكون لديك الشجاعة أو الاقتناع لوضعه موضع التنفيذ. وهنا يمكن القول أن الدين هو مصدر هذه الشجاعة والاقتناع ، وأنه يوفر مجتمعًا يمكن من خلاله مشاركة القيم والمواقف الأخلاقية وتعزيزها.

-  غالباً ما يفترض الفلاسفة أن الجميع عقلانيون. بينما على خلاف ذلك تدرك الأديان الأنانية البشرية وعدم المعقولية. من المرجح أن يقدم الدين نظرة أكثر واقعية للطبيعة البشرية من الفلسفة، وبالتالي تجعلني أكون قادرًا بشكل أفضل على توجيه الاختيار الأخلاقي.

بعض الحج  المؤيدة  للحدس

-  مؤيد الحدس يقول إن هناك بعض الأشياء المعروفة، لكن لا يمكن وصفها. لدينا شعور بديهي بمعنى كلمة "جيد" مثلا. يكمن هذا الحدس وراء كل من الدين والأخلاق.

-  يمكن القول أن للدين والأخلاق مصدرًا مشتركًا في التجربة "الصوفية" - لحظات من الإدراك الحدسي بالمعنى أو الغرض أو الكمال في الحياة والرفاه والقبول. هذه هي الميزة الأساسية للتجربة الدينية، وتمنح الزخم للتصرف بطريقة هادفة وأخلاقية.

- يمكن اعتبار الميتافيزيقيا (الاستكشاف العقلاني للمعنى والغرض أو الهدف  في العالم) كأساس للأخلاق (كما هو الحال في الفكر اليوناني، وفي تقليد "القانون الطبيعي"، وكما تقول اليوم، على سبيل المثال، الفيلسوفة إيريس مردوخ الميتافيزيقيا دليل للأخلاق) وأساس للدين.

معضلة إيوثيفرو

سميت على اسم احد من حوارات أفلاطون، وتثير معضلة إنثيرو مسألة العلاقة بين الأخلاق المستقلة والدين وهي بأختصار يسأل: هل يكون الشئ صحيح لأن الآلهة أمرت به؟ أم أن الآلهة أمرت به لأنه صحيح؟ إذا اتخذت الخيار الأول، عليك أن تسأل نفسك ما إذا كان من الصواب أن تطيع أي أمر إلهي، مهما كان الأمر يتعارض مع إحساسك الشخصي بالصواب والخطأ. خذ قصة النبي ابراهيم، في العهد القديم، الذي أمر الله بالتضحية بابنه الوحيد. وأرجاء التنفيذ في اللحظة الأخيرة، تم الإشادة بإبراهيم لاستعداده لقتل ابنه بأمر من الله.  لقد كانت هناك العديد من الفظائع (إذا حكمنا عليها من خلال الأخلاق المستقلة) التي نفذت باسم الدين. إذا كان يُعتقد أن الله قد أمربتلك الأعمال بالفعل، فهل هذا يجعل هذه الأفعال على حق؟ إذا اتخذت الخيار الثاني، فأنت تقر بإحساس الصواب والخطأ المستقل عن الله - وبالتالي بالأولوية والطبيعة المستقلة للأخلاق. في الواقع، تقوم بتقييم أخلاق أوامر الله  بأنها ضد عقلك.

القيم الدينية والمجتمع

تعتمد الأختيارات الأخلاقية التي يتخذها الشخص، وموقف المجتمع ككل تجاه المعايير الأخلاقية المقبولة، إلى حد ما على حيوية الحياة الأخلاقية لذلك المجتمع. يتم تعريف بعض المجتمعات بقالب أو بمصفوفة دينية وثقافية واحدة، ولكن في عالم اليوم أصبحت هذه حالة استثناء وليس القاعدة. فنجد اغلب المجتمعات مزيج من الجماعات الدينية والعرقية في زمننا هذا . ما هو أكثر من ذلك، ربما كان من المفترض في أن وجهات النظر الأخلاقية لدين معين ستكون هي نفسها أين ما تم ممارستها. وهذا ايضا موضع تساؤل الآن؛ حيث  أعضاء الدين الواحد، المرتبطون بتقاليد دينية مشتركة، منقسومون على نمط الحياة وتوقعات المجتمعات التي يعيشون فيها.

وبالتالي هناك مجال حقيقي لمشاكل الالتزام والاعتراف بالمعايير الأخلاقية. فشخص ما ينتمي إلى دين، يعيش في مجتمع علماني إلى حد كبير، من المرجح أن يستجيب لهذا الموقف بإحدى طريقتين:

-  عن طريق التمييز بين نمط الحياة والأخلاق عند جماعته الدينية  وبقية المجتمع. إذن فإن مايبدو مغريا  هو تحديد الأختلاف، والتأكيد على تلك الأشياء التي يختلف فيها الدين عن القاعدة العلمانية المقبولة.

-  بالتسوية أو حل وسط بخصوص القواعد الدينية أو إعادة تفسيرها بطريقة تجعلها متوافقة مع نمط الحياة السائدة. بمجرد حدوث ذلك، يبدأ أعضاء من الدين نفسه، الذين يعيشون في مجتمعات مختلفة، في الاختلاف حول أخلاقياتهم الدينية.

إن اتخاذ قرار أخلاقي مسؤول ينطوي على تقييم جميع العوامل التي تؤثر على فهمك لذاتك. هل أنت في الأساس عضو في ديانة، وصادف أنك تعيش في هذا المجتمع العلماني؟ أم أنت علماني  أوملحد، صادف أنك تعيش في مجتمع يهيمن عليه الدين؟ أو هل أنت عضو في هذا المجتمع يعتبر تعاليم دين معين مفيدة؟ ستحدد كيفية موازنة مثل هذه النزاعات (أو النزاعات المحتملة) في الاهتمام والالتزام الطريقة التي توازن فيها بين الحجج الأخلاقية العلمانية والدينية.

تتوافق، في بعض الأحيان ،المبادئ الأخلاقية للمجتمع الديني مع مبادئ المجتمع العلماني، ولكن قد تظل السلطة الكامنة وراء هذه المبادئ والطريقة التي يتم بها تبرير القواعد الأخلاقية مختلف تماما.

هل النية كافية؟

الفيلسوف الأمريكي، دانييل دينيت، الذي يكتب في"  فلاسفة  بدون الله "، قارن بالمساعدة المقدمة  أزاء مرض يهدد الحياة، بين المتديننين الذين يقولون بأن ما يهم هو نية الشخص بأن يفعل الشيء الصحيح، وليس بالضرورة نجاحه فيه، اي حتى لو لم ينجح فيه المهم النية. وبين  المطالب الأخلاقية التي يفرضها الطب للتأكد من أن كل شيء ممكن القيام به  في حدود قدرة البشر لابد من القيام به. ويختتم بقوله:

أحييك على ولائك لموقفك الخاص ، لكن تذكر أن الولاء للتقاليد لا يكفي. عليك أن تسأل نفسك: ماذا لو كنت مخطئًا؟ على المدى البعيد ، أعتقد أنه يمكن مطالبة المتدينين بالعيش في نفس المعايير الأخلاقية مثل ضمير الناس العلمانيين والطب. ) فلاسفة دون آلهة، مطبعة جامعة أكسفورد، المحرر، لويز أنتوني، 2007، ص 117).

على الرغم من أن العديد من المتدينين يجدون أنفسهم أيضًا يتبعون مطالب مهنة الطب، فإن ما يذكرنا به دينيت هو أنه ، بدون الدين، يقدم  الطب والعلم  مطالب أخلاقية وفكرية صارمة على ممارسيهم.

في الأخلاق العلمانية ، بقدر ما هي دينية ، ليست مجرد مسألة إطاعة القواعد، ولكن استخدام كل ما في وسع المرء لفعل ما هو صواب. حسن النية وحدها ليست كافية. في الأخلاق العلمانية ، ليست كما هي  الدينية  مجرد مسألة إطاعة القواعد، ولكن استخدام كل ما في وسع المرء لفعل ما هو صواب. حسن النية وحدها لايكفي.

هل يجب تقييد الحرية الدينية؟

هناك حالات تؤدي فيها المعتقدات الدينية إلى أفعال تتعارض مع المعايير السائدة في المجتمع الذي تعمل فيه. المعضلة هنا هي ما إذا كان من الصواب، باسم مجموعة واحدة من القيم الأخلاقية، حرمان أي فرد أو مجموعة من حرية العيش بمجموعة مختلفة من القيم الأخلاقية.

-  هل تفوق قيمة السماح للأفراد أو الجماعات بحرية التصرف وفقًا لآرائهم الأخلاقية أو الدينية أي ضرر محتمل (من وجهة نظر المجتمع) قد تترتب عليه هذه الحرية؟

- أيهما أفضل للمجتمع ككل: الحرية، مع خطر قيام الأقليات بأشياء تعتبرها الأغلبية خاطئة، أم مدونة أخلاقية مفروضة؟

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

 

في المثقف اليوم