أقلام فكرية

الخطاب النظري للقانون وحقوق الإنسـان عند هابرماس (2): بين الوقائع والمعايير

علي رسول الربيعيشرعية المؤسسات القانونية: أودأن أطرح في هذه الدراسة، مرة أخرى الأسئلة المهمة حول شرعية الأساس القانوني. لايتعلق هذا السؤال بمهمة المراجعة القضائية التي تخص المشرعين والقضاة حصريًا. أود أن أطرح السؤال من وجهات نظر فلسفية، أي مسألة نظرية الخطاب في القانون. كما لاحظنا في المقال السابق الذي نشرناها تحت عنوان: الخطاب النظري للقانون وحقوق الإنسـان عند هابرماس.

 لابد أن يكون هناك سبب دفع هابرماس  لتقديم نظرية الخطاب (التي تتعلق بالقانون) على الرغم من وجود العديد من النظريات القانونية.  سنفحص بالتفصيل ما حدث بالفعل في سلك الحياة للنظام القانوني. سأنظر أبتداءً وقبل كل شئ  في فلسفة كانط للعدالة، ثم أسلط الضوء على مشاكلها، خاصةً مسألة خضوع القانون للأخلاقية. ثانياً، سأبحث في أساس صلاحية نظرية العدالة لدى راولز. ثالثا، بما أن نظرية النظام (القانوني) هي عادة ناقد لنظرية الخطاب (القانوني) فيترتب على ذلك أنه إذا وجدنا أساسًا صحيحًا وموثوقًا به في نظرية نظام القانون، فإن صحة أساس نظرية الخطاب في القانون ستكون موضع تساؤل وشك. سأبحث إذن عن أسس ومطالبات نظرية النظام. رابعا، سأنظر في علم اجتماع القانون، مع إشارة خاصة إلى فيبر من جانب، بارسون ومارشال من جانب أخر.سأخذ  بنظري كل هذا في سياق نظرية الخطاب لهابرماس  حول القانون. وبالتالي، ومرة اخرى  سيكون  مدار هذه الدراسة  هو كتاب هابرماس الذي اشرنا اليه في الجزء الأول (المقال السابق)، ايً: (Facts and Norms) بين الوقائع والمعايير

فلسفة العدالة الكانطية

لماذا نحتاج القانون؟

ساهم كانط كثيرًا في الفلسفة القانونية، تمامًا كما فعل في فروع الفلسفة الأخرى. تأثر واستلهم جان جاك روسو، الذي سعى عقده الاجتماعي إلى حل مشكلة التوفيق بين الإكراه والحرية الفردية. بالطريقة نفسها، سعت فلسفة كانط للعدالة التي تلعب فيها الحرية دورًا رئيسيًا، إلى تقديم  فهم منهجي للمبادئ الأساسية لجميع القوانين التي ستمكننا من تقرير ما إذا كانت هذه القوانين تتفق مع المبادئ الأخلاقية أم لا. أود، في ما يلي، أن أبرز الأفكار الأساسية  التي تقف وراء فلسفة كانط   للقانون والأخلاق، حتى نتمكن من أن نرى بشكل واضح، مراحل تطور هذه النظرية  ومشاكلها أيضاً.

يقول هابرماس إن الإكراه أو الإذن بالإكراه عند كانط له ما يبرره فقط على أساس ما يمنع أو يعيق  الحرية، أي منع التعدي على حرية كل فرد؛ وأن المطالبة بصحة شرعية القانون يتم التعبير عنها بالتزامن الداخلي للإكراه الشامل المتبادل مع حرية كل واحد (بين الوقائع والمعايير Between Facts and Norms 28).  وكما لاحظنا، تلعب الحرية دورًا رئيسيًا في فلسفة كانط.  وتتضح  أهمية الحرية في فلسفة كانط  حول العدالة من الشعور الحقيقي بالاستقلالية والمسؤولية الأخلاقية. لا يمكن للإنسان أن يكون مسؤولاً أخلاقياً عن أفعاله إلا أذا كان كائن  مستقل وعقلاني وحر. وبعبارة أخرى، إن جميع الأعمال التي تُنفذ تحت وطأة القوة أو الإكراه لا تتحمل أي مسؤولية أخلاقية. ينطبق هذا الفهم للحرية فيما يتعلق بالأخلاق على نظامه القانوني أيضًا. ومن الدلائل الأخرى، تدعم نظريته فكرة أن  يكون  الشخص حراً أو يتصرف بحرية قبل أن يعتبر مسؤولاً عن أفعاله قانونياً.

إن حماية هذه الحرية التي تقوم على أن كل شخص يتمتع بالأستقلالية، والأخلاقية، والقانونية  تخدم الإكراه في نظرية العدالة في الفلسفة الكانطية. وبعبارة أخرى، إن قدرة الشخص على الحرية  تتحد مع قدرة أي شخص آخر، وفقًا لقانون الحرية الشامل. سيتم،في هذه الحالة، فهم الإكراه كوسيلة للحفاظ على الأنتظام في مجتمع من المتواطئين الأحرار. وبالتالي، فإن الإكراه الذي تحمي الحرية يربط  كل الحريات الأخرى، ويضبط الحرية في الوقت نفسه. و يشكل هذاأيضا البنية الأساس للعقود الاجتماعية. ومن ثم، وفقًا لنموذج العقد الاجتماعي، يكتب كانط: لا يمكن أن تعزى السلطة التشريعية إلا إلى الإرادة الموحدة للشعب. لأن من المفترض أن تنطلق جميع الحقوق والعدالة من هذه السلطة، فلا يمكنها أن تؤدي الى أي ظلم على الإطلاق. عندما يأمرأحدهم الآخر، من الممكن أن يؤدي ذلك الى ظلم الآخر، لكن هذا ليس ممكنًا أبدًا  عندما يقرر الشخص هو لنفسه. ومن ثم، فقط من خلال إرادة الشعب الموحدة والموافقة يمكن كل واحد منهم  أن يقرر الشيء نفسه بالنسبة للجميع، وجميعهم يقررون الشيء نفسه  لكل ... فيمكنهم التشريع .[i]

السؤال الأول الجاد هنا هو كيف  تتحد أو تتحق  الإرادة الموحدة للشعب؟ يؤكد النقاد وفقًا لهابرماس أن خيال الإرادة الشعبية الموحدة لا يمكن أن يتحقق إلا على حساب إخفاء أو قمع تجانس الوصايا الفردية. أنا شخصياً أشعر أن طغيان الأغلبية  (في ظروف معينة) سيجد منزلاً في فكرة الإرادة الموحدة هذه. يجب مراعاة مجموعة متنوعة من المصالح وتعدد الآراء.

إن التصرف طبقاً للواجب، أي طاعة القانون بدوافع أخلاقية، وفقاً لهابرماس، لا يمكن  أن يحصل بالإكراه. فلا يستدعي هذا التصرف أي حاجة للإكراه، لأنه ليس من المناسب تأديب شخص يطيع القانون. لا يمكن، من ناحية أخرى، توحيد أو مزج  بين الاختيار الحر لكل شخص مع أختيارات الآخرين من أجل التكامل الاجتماعي، إلا على أساس قواعد صالحة من الناحية المعيارية ودون إكراه، وهذا يعني، أن ياتي بدوافع عقلانية، و دوافع الاعتراف من وجهة النظر الأخلاقية ... وفقًا لقانون الحرية الشامل. (بين الوقائع والمعايير، 28_29)

إن التصرف حسب الواجب هو أختيار حر، حتى عندما يكون الأختيار صعبًا، لكن طالما أنه فعل أخلاقي، فلا يلزم الإجبار به أو عرقلة بالإكراه. عندئذ، يتطلب توحيد الاختيار الحر لكل منها مع الآخرين بعض التحديدات، على الرغم من أن يتم ذلك وفقًا لقانون الحرية الشامل. السؤال الضروري هو: ما الذي يمكنني اختياره ويتوافق مع اختيارك واختيار كل شخص آخر؟ مع الأخذ في الاعتبار الاختلافات في الذوق ووجهات النظر. يشير هابرماس إلى أن هذا (التكامل الاجتماعي) لا يمكن تحقيقه إلا على أساس قواعد صالحة من الناحية المعيارية دون إكراه. يبدو لي أن هذه القاعدة المعيارية الصالحة تعني اليوم أكثر مما كانت عليه في وقت كانط. يجب أن يكون لهذه القاعدة الصحيحة ما يبرر أسبابها أو مطالبها في مجتمع تعددي قبل أن تستحق اهتمامًا بعدم قسريًة خطابها . ما أقوله في الواقع هو أن توحيد كل اختيار حر يتطلب   تحديداً تعريفًا في عصرنا أكثر مما هو مطلوب في وقت كانط . أيضا من وجهات نظر نظرية الفعل عند هابرماس يلاحظ أن هناك جوانب مزدوجة من الصلاحية القانونية وهي الإكراه والحرية. هذان العنصران موجهان نحو الشرعية والاعتراف الاجتماعي وهما من الصفات المميزة للقانون  الشرعي. يتم تحديد الصلاحية الاجتماعية للمعايير القانونية، وفقًا لهابرماس، من خلال الدرجة التي يتم بها تطبيق هذه المعايير، وبالتالي من خلال مقدار  ما يمكن للمرء توقع قبولها من قبل  دائرة المرافعين القانونيين قبولها. كذلك يتم قياس شرعية القواعد من قدرة الخطاب أكتساب متطلبات صلاحيته المعيارية ... أيً وفقًا لما إذا كانت قد  حصلت من خلال عملية تشريعية عقلانية، أو على الأقل يمكن تبريرها من وجهة نظر براغماتية أو أخلاقية . (بين الوقائع والمعايير، 30) هذا يعني أن كل قاعدة يجب أن تكون قادرة على تبرير سبب وجودها. ولا يكفي وضع القواعد، فالمطلوب أن تكون القواعد مقبولة اجتماعيًا وأن تكون متماسكة مع النظام القانوني المعترف به وأن تأتي من سلطة شرعية صحيحة تتمتع بحق التشريع.

عندما نسلط الضوء على هذه الشروط مقابل  الخلفية الفلسفة الكانطية للعدالة، يصبح الفرق واضحاً . أقام  كانط نظريته المثالية الأخلاقية والقانونية على الحرية. ومع ذلك، فقد ذكر الحرية نفسها من بين النقائض في نقد العقل المحض، وهي تلك الأشياء التي يمكن أن تكون أو لا تكون. وفي حالة الحرية، قد تكون محدودة أو غير محدودة، اعتمادًا على خط الحجة. يطرح هذا التوجه مشكلة جدية في مايتعلق بالتطبيق على النظرية القانونية الكانطية في مجتمعات الحالية. فلا يزال بوسعنا أن نتصور هذه الطبيعة القطبية للحرية في النظرية القانونية الأخلاقية. هنا، تتمثل الوظيفة الفريدة للإكراه في منع إعاقة الحرية، أو عرقلة الحرية في حماية الحرية. يمكن للمرء أن يجادل بأن إعاقة الحرية غير المسيطر عليها والحرية الخطرة، يتم بالقانون، وبهذا المعنى، هي حرية مؤسسية مقبولة تحكم بعض الحريات الأخرى. ومع ذلك، طالما تسمم السلطة بعض حامليها أو تدعهم ثملين بها، فقد نطالب في بعض المعايير لتحديد الوسائل القسرية وكيف ومتى يتم تطبيقها لحماية الحرية.

وضع كانط، تحت تأثير روسو، الأساس القانوني للأعتراف بحقوق كل شخص، أو يفترض أن يتم الاعتراف بها، من قبل جميع الأشخاص الآخرين. وهذا بدوره يعتمد على الشرعية التي تأتي من إعطاء حرية متساوية لكلشخص . ومن هنا تتعايش حرية الجميع.

ومع ذلك، يبدو أن هذا الإنجاز أو صحة الأساس القانوني  عند كانط أحد ضحايا  مصادفات التاريخ في التطور القانوني. كان يمكن أن ينجح بشكل جيد عندما لا يتم التمييز بشكل كبير بين القانون والأخلاق. في هذا العصر، اذ لم تعد الشرعية القانونية مستمدة من الحرية الأخلاقية وفقًا لهابرماس. سأوضح هذا لاحقاً. علاوة على ذلك، تم تطوير فلسفة كانط  عن العدالة  تحت تأثير ما يسميه هابرماس  فلسفة  الذاتية أو فلسفة الوعي، أي في الوقت الذي لعبت فيه الذاتية دورًا رئيسيًا في الفلسفة. فلسفة الذاتية هذه ابدأت مع الكوجيتو الديكارتي واستمرت مع كانط ..الخ.، حيث  سيطرت الأنا، انفس، أو الذات، على الأفكار الفلسفية.  ونشهد هذا في ثورة  كانط الكوبرنيكية، حيث لم يعد العقل سلبيًا ولكنه نشط وفعاًل، ويقوم بفرضَ الشروط المسبقة للمعرفة والفهم.

لقد حصلت أشياء كثيرة داخل النظم الاجتماعية منذ زمن كانط حتى اليوم.  فقدحدث ترشيد النظم الاجتماعية وهذا أثر  كثيراً على النظم القانونية. ونما المجتمع وتحول من التوحيد إلى التعددية، من الذاتية إلى  الموضوعية ومن عالم واحد إلى العديد من العوالم. وعليه، فإن بعض المبادئ التي استندت أو استمدت من الافتراضات الشائعة للحقيقة غير القابلة للنقاش في ذلك  الوقت أصبحت قضايا  محل جدل. فعلى سبيل المثال يكتب كانط. عندما أفكر في ما يجب أن أقوم به، فأنا أفكر أيضًا في ما يجب أن تفعله جميع الكائنات العاقلة، لأنه إذا كان القانون أو القانون الأخلاقي صالحين بالنسبة لي ككائن عاقل، فيجب أن يكون صالحًا لجميع الكائنات العاقلة. لذلك، هناك اختبار رئيسي لجميع الأعمال الجيدة من الناحية الأخلاقية، وهو ما إذا كان يمكن تطبيق مبدأه على جميع الكائنات العاقلة بشكل ثابت ومستمر.[ii]

دون أي شك بشأن حقيقة المبادئ الأخلاقية الصحيحة أو التي تمتلك الشرعية الآن، قد يكون من الصعب تبرير الادعاء بأن نظرتي الى الفعل الصحيح من ناحية الحق يمكن أن تمثل بشكل مطابق وصحيح  وجهة نظر جميع الكائنات العقلانية المتساوية. وهذا لأن العقلانية نفسها  تم ترشيدها. ويصبح الأمر أكثر صعوبة عندما نكتشف أنه لا أحد يتحدث من موقع معلق في الفراغ. وبالتالي قد يكون من الصعب تجنب سلاسل التأثيرات مثل الوراثية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتقنية والنفسية والأنثروبولوجية والنفعية والسياسية والدينية، على سبيل المثال لا الحصر. قد يجادل المرء بأن الخير أو فكرة الخير تتجاوز كل هذه العوامل المذكورة. مثل هذه الحجة يمكن أن تدعي تقديرنا المشترك لأشياء مثل أن الحياة هبة، والصفات الجمالية، والموسيقى، وما إلى ذلك. يمكن المحاججة أو الأعتقاد بهذه الحجة لكن جينالوجيا الأخلاق  لنيتشه تتركنا في حيرة، وعلى كل حال، منذ زمن نيتشه إلى اليوم يرفض  صوت الأخلاق أن يدفن على قيد الحياة. المشكلة العنيدة هي كيف يمكننا تعريف القضايا الأخلاقية؟ أعتقد أن هذه هي إحدى المهام الأولى التي يجب على الكانطيين الجدد مواجهتها، قبل مراجعة المبادئ الأخلاقية الكانطية.

مرة أخرى قد يكون من المفيد، في وقت كانط،  استخدام  رأئي الخاص عن  لأفعال الأخلاقية كمحك أو معيار لجميع الذوات العقلانية الأخرى. بينما اصبح، القول "رأسان أفضل من رأس واحد" أكثر صحة اليوم. من أجل لفت أنتباهنا  إلى البيذاتية. لقد انتقلنا من المونولوج إلى الحوار، من الإملاء إلى المناقشة، من نظرية التأمل إلى نظرية الخطاب.  وهنا يتساءل المرء إلى أي مدى يمكن أن يمضي  تحليل واختبار كانطي  للفعل  الجيد أو الخير  من الناحية الأخلاقية في مجتمع تعددي، حيث يتنافس الأشخاص ذوو الآراء والتوجهات والأهداف المختلفة في عالم حر.

 هناك حالات تعتبر  فيها التصرفات التي لها ما يبررها أخلاقياً من جانب مجتمع أو جماعة غالبًا ما  غير مقبولة من قِبل الآخرين. فتصبح مسألة صحة أساس النظرية القانونية الكانطية أكثر صعوبة لأن  نظريته القانونية مستمدة من المبادئ الأخلاقية. تقول موسوعة الفلسفة أن النظرية هي تطبيق لنتائج الفلسفة الأخلاقية على ظروف الناس بوصفهم مجرد  ناس.[iii] يوضح هابرماس أن كانط  وضع مبدأ الحق العالمي من خلال تطبيق المبدأ الأخلاقي على العلاقات الخارجية وبدأ نظريته القانونية بهذا الحق المستحق لكل إنسان بحكم إنسانيته، أي الحق في المساواة في الحريات المدعومة من الحق في الإكراه. (بين الوقائع والمعايير، 100). ويسمكن فهم هذا بشكل أفضل بعد النظر والتبصر في المحتوى المعياري لنظام الحقوق.

 إن نظام الحقوق هذا (الحقوق الشخصية)، الذي ينتمي إلىه كل كائن بشري غير قابل للتصرف، ولايمكن التخلي عن هذه الحقوق  حتى لو اراد  المرء، ويتم إضفاء الشرعية عليها قبل تسن  في شكل قوانين، على أساس المبادئ الأخلاقية، و بشكل منفصل عن أن الاستقلال السياسي للمواطنين الذي يشكل  في البداية مع العقود الاجتماعية فقط. (بين الوقائع والمعايير، 101). وهذا يعني، أن شرعية نظام الحقوق الكانطية يتم قبل استيعاب أو تشريع هذه الحقوق على شكل قوانين. وتستند شرعيتها إلى مبادئ أخلاقية مستقلة عن الاستقلال السياسي. وعليه ليست شرعيتها سوى جزء من الكل. إنها شرعية خاصة فقط ولا يمكنها التأثير على الاستقلال العام أو السياسي للمواطنين. الحق المدني فقط  هو المؤهل لهذا الاستقلال السياسي. لذلك، تؤكد فلسفة العدالة الكانطية على الاستقلالية الأخلاقية على حساب الاستقلال السياسي.

تسبق حرية الذات عند كانط إرادة المشرع السيادي، وفقا لهابرماس. وبالتالي، فإن سيادة الإرادة المتزامنة والموحدة للمواطنين مقيدة بحقوق الإنسان ذات الأساس الأخلاقي. هذا الحق يحمي الأفراد من التدخل الخارجي. وغالبا ما يطلق عليه حق سلبي أو حرية سلبية. يمكن للأفراد من خلال الحقوق السلبية، الانسحاب من الأماكن العامة ومن الالتزامات الخاطئة المتبادلة إلى موقف المراقبة المتبادلة.

ومع ذلك، فإن استنباط النظرية القانونية من الحرية الذاتية يضع قيودًا مهمة وجدية على هذه النظرية القانونية. غالبًا ما تُترجم الكلمة الألمانية Freiheit باللغة الإنجليزية باسم الحرية والحرية والحق والاستقلال والامتياز والحكم الذاتي. ومن هنا يمكن قراءة مصطلح حرية الذات وفهمها كحق شخصي أو حرية ذاتية وما إلى ذلك. تكشف نظرية الخطاب في القانون أيضًا أنه وفقًا للحق الشخصي الذي يحمي خصوصية كل فرد، يتمتع كل مواطن (كل شخص) أيضًا بالحق المدني أو بالحق السياسي. فبينما الحق الشخصي خاص، تكون الحقوق المدنية عامة. ويمكن للشخص مع الحقوق المدنية الانخراط في التواصل البيذاتي والأنشطة العامة، السياسة مثلاً.  إن الحق الذاتي وحده لا يمكن أن يؤهل الشخص للأنشطة السياسية. كذلك، لا يمكن أن ينبثق القانون الحديث من وراء الترتيب السياسي. لذلك، فإن النظرية القانونية الكانطية، التي تنبثق من الحقوق الشخصية، تحرز درجات أقل في النسق أو مجال الحقوق اليوم، وبالتالي لم تعد مؤهلة لمجابهة  التحديدات ووتعزيزي التفضيلات الحالية. لا يدمر هذا نبل الشرعية الكانطية، لكنه لا يدخل في السياق القانوني الحالي.   وحتى اذا  مازال يستخدمها بعض المحامين والقضاة  فأن هذا لا يبرر صلاحيتها في تقييمنا الحالي.

في الدولة الديمقراطية التي تدار فيها الحكومة بموجب القانون، القانون الوحيد هو القانون الذي يتمتع بالحماية التشريعية. مثل هذه الحماية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال ترخيص من الحقوق المدنية. ويمكن أن يأتي هذا من خلال سلطة الهيئة التشريعية أو في بعض الأحيان، السلطة القضائية  النظام. (من حيث التشريع القانوني). وحتى  المدخل الأساسي للمنصب التشريعي يتطلب هذا الحق المدني أو السياسي. ولا بد من إضافة مؤهلات أخرى إلى هذا الحق. وبالاسلوب نفسه، تتمتع شرعية القانون بدعم الحقوق المدنية من قبل  المواطنين الذين يقبلون مثل هذا القانون كحق خاص بهم.

 وعلى اساس هذا الفهم، سيكون هناك تشويش خطير إذا كانت السلطة التشريعية تعتمد على الحقوق الشخصية. هذا يعني أن أي شخص في أي مكان له الحق في المشاركة السياسية في كل موقع، فيما طالما يتعلق بحرية الشخص. يجب أن نتذكر أن الحرية الذاتية هي حق خاص - شخصي يبقى مع الفرد في كل مرة بقدر ما هو / هي شخص بشري. أحد الأسئلة الحاسمة هو كيف يمكننا إذن أن نوفر للقانون الحديث، البعد الأخلاقي المهم الذي يتمتع به القانون في النظرية الكانطية؟  فصل الأخلاق عن القانون بطريقة مشددة قد يعطي وجها غير إنساني للشرعية.  ثم أن الشخص نفسه  الذسي يعتبر كائن قانوني هو أيضا كائن أخلاقي. ومن المفترض  أن يأتي  وجود كل من القواعد القانونية والأخلاقية من أجل رفاهية الإنسان. لتناول  هذه القضية، سنستشير هابرماس في  مسألة التمييز بين القانون والأخلاق. ايً سنتناول  في الحلقة القادمة العلاقة بين القانون والأخلاق.

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

  ......................

[i] Kant; Metaphysical Element of Justice, trans. J. Ladd, New York, 1965 p78.

[ii] S.E. Stumpf; Philosophy History and Problems. McGraw-Hill, Inc. 1994 p.316.

[iii] Encyclopedia of philosophy, vol. 6. p.260.

 

في المثقف اليوم