أقلام فكرية

نسيج العقل النقدي.. أدرنو وفوكو

علي رسول الربيعيالمقدمة: أن المقصد الأسنى والدافع الأساس للبحث في سياقات نصوص أدورنو وفوكو و وقضاياها ومناهجهم النقدية وأواتها، إضافة الى خلفياتهما الفلسفية وابعادها. وماذا كانت متشابهة رؤاهم أم لا، والنظر في في أراء المفكرين الذين تعاملوا هم معها، وتناول بعض موضوعاتهم البارزة تاريخياً ضمن التقاليد الفلسفية، ومناقشة مقارباتهم النقدية، هو في المطاف الأخير الأمساك في العقل النقدي الغربي وهو يمارس نقد الذات المنعكسة على ذاتها، أيً ننظر في مسـالك نقده ذاته حتى ما يمكننا هذا من التدرب على التفكر النقدي والتعلم من نقدهم في كسر الدوغمائيات التي تطوق العقل الجمعي لمجتمعاتنا وكيفية أستعمال الأدوات المنهجية والمفاهيم الأجرائية والمنجزات المعرفية لفتح أنغلاقات الروح الفردية والجمعية للمجتمعات في السياق العربي- الإسلامي.

بروفايل

زار أدورنو باريس عدة مرات خلال الخمسينيات والستينيات، حيث ألقى محاضرات في كلية فرنسا (الكولج دي فرانس) والسوربون.[1] ومع ذلك، لم يشر (في الأعمال المنشورة على الأقل) إلى ما يمكن أن يُعرف باسم ما بعد البنيوية أو بشكل أكثر تحديداً الى فوكو.[2] ومع ذلك، أشار فوكو إلى مدرسة فرانكفورت - أو النظرية النقدية - في عدد من المناسبات. قال فوكو لدوشيو ترومبادوري في مقابلة أجريت معه في عام 1978، أنه ما أن تعرف على النظرية النقدية حتى أدرك أن منظريها قالوا بالفعل أشياء كان "يحاول أن يقولها لسنوات عديدة: ولو كان قد علم بعملهم في وقت سابق، لكان هناك اشياء عديدة "لم يكن في حاجة إلى أن يقولها"، وكان سيتجنب بعض الأخطاء: وقال أنه افتتن بالمنظرين النقديين لدرجة أنه لكان "لم يفعل شيئًا آخر سوى التعليق عليهم":[3]

على الرغم من أن هذه الملاحظات تكشف أن فوكو كان على دراية بالنظرية النقدية، إلا أنه ليس من الواضح على الإطلاق ماهيً الأعمال التي قرأها. ذكر فوكو في حديثه مع ترومبادوري، كتابًا كتبها أوتو كيرشهايمر ومنظرين أقل شهرة، مثل جورج روش مؤلف كتاب " العقاب والبنية الاجتماعية"، والذي استشهد به في كتابه المراقبة والمعاقبة.[4] وقد أشار فوكو إلى أن هذا الكتاب أثار اهتمامه بالنظرية النقدية، وأضاف، أنه قد قرأ "بعض نصوص ماكس هوركهايمر" لكن دون أن يذكرها.[5] و لم يشر مطلقًا، في هذه المقابلة أو في أي أعمال منشورة أخرى – في حدود معرفتي-، إلى أي من أعمال أدورنو. هذا الأمر أكثر إثارة للدهشة لأن فوكو أخبر مارتن جاي ذات مرة في محادثة خاصة في عام 1980 أنه رأى موازاة مذهلة بين تحليله الخاص للمجتمع التأديبي والقسري وأراء أدورنو في هذا السياق.[6] يبدو أن ذكره الوحيد للنص الذي كتبه أدورنو قد تم في سياق محادثة أخرى غير منشورة حيث قيل له أن هابرماس معجب بجديلية التنوير - وهو كتاب شارك أدورنو في تأليفه مع هوركهايمر.[7]

حاول بعض المعلقين استكشاف أوجه التشابه بين عمل أدورنو وفوكو طبقاً لما ذكر فوكو في محادثته مع جاي. كذلك نجد هناك محاولتين مبكرتين، شارك بهما كل من أكسل هونيث في مقارن موجز، عن أدورنو وفوكو، و كذلك حاول ديفيد هوي استكشاف بعض الصلات بينهما في سياق دفاعه عن فوكو ضد هابرماس.[8] إن تقييماتهم جديرة بالملاحظة، ليس فقط لأنها نادرة نسبياً كمصادر ثانوية عن أدورنو وفوكو، ولكن لأنها تقدم رؤى مهمة عملهما. لم تكن منشورة محاضرات أدورنو وفوكو في الوقت الذي كتب فيه هونيث وهوي كما هو واضح من تاريخ أصدارتهما. فقراءة هكذا مقالات ومقابلات تعطي أمكانية تقديم شكلاً أكثر دقة لفكر أدورنو وفوكو، مما يجعل من الممكن إجراء تقييم أكثر ثراءً لأفكارهم. الآن بعد نشر العديد من النصوص لأدورنو وفوكو، اصبحت متاحة ويمكن الوصول اليها بسهولة.

على الرغم من الاختلافات الكثيرة بين أدورنو وفوكو والتي تجعل من المستحيل اختزال أحدها بالآخر، فإن نظرياتهم تتقارب عندما يدرسان التشكيل الدقيق لهوياتنا الخاصة وتقييم احتمالات صمودها.

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

...............................

[1] Miiller-Doohm, Stefan. Adorno: A Biography. Translated by Rodney Livingstone.Cambridge: Polity Press, 2005.pp. 403,407 and 448.

[2] توفي أدورنو بنوبة قلبية بعد بضعة أشهر من صدور كتاب فوكو أركولوجيا المعرفة في مايو 1969. على الرغم من أنه لم يذكر أبداً ما بعد البنيوية، إلا أنه كان على دراية بالتيارات الفكرية في فرنسا فقد ذكر أعمال ليفي شتراوس وجاك لاكان في محاضراته عام 1968 في علم الاجتماع. انظر:

'Sociology and Psychology'. Translated by Irving N. Wohlfarth. New Left Review 47 (1968), pp. 79-97.

[3] Foucault, 'Interview with Michel Foucault'. Essential Works:Power ,p. 274.

[4] Foucault, Discipline and Punish, p. 24. وأنظر ايضا Rusche and Kirchheimer, Punishment and Social Structure.

oucault, 'Interview with Michel Foucault', Essential Works: Power, p. 273.

[5] Jay, Martin.Adorno. London: Fontana, 1984.22.

[6]Martin Jay, Adorno, p. 22.

[7] تحدث جيمس ميلر عن هذه المحادثة في The Passion of Michel Foucault، pp. 456-7 n. 52.

[8] أ،ظر:

Axel Honneth, Honneth, Axel. The Critique of Power: Reflective Stages in a Critical Social Theory.Translated by Kenneth Barnes.Cambridge MA: The MlT Press, 1991.

Hoy, David Couzens and McCarthy, Thomas. Critical Theory. Oxford: Blackwell, 1994. Jameson, Fredric. Late Marxism: Adorno, or, the Persistence of the Dialectic. New York:

Verso, 1990.

 

في المثقف اليوم