أقلام فكرية

الحدث والنظر الفلسفي

علي رسول الربيعيتتميز قضايا الفلسفة بخصيصة  وقوفها خارج الصيرورة التاريخية الحدثية المستمرة. وتأخذ القيمة الحقيقية للحدث الزمني رغم أنه مؤقت مكانة كلية وشمولية ومجردة عندما يوضع في أطارفلسفي. فلا تتغير القيمة الحقيقة للقضية الشهيرة (والتي اصبحت مضرب الأمثال في  مختلف الدراسات الأدبية)، والقائلة بأن قيصر قد قُتل في عام 44 قبل الميلاد مع مرور الوقت، على الرغم من أن مضمون الحقيقة الأخيرة هو حالة زمنية مؤقتة. لا تتعامل الفلسفة، في تخصصاتها الأساسية، مع الحالات الزمنية. لن يتحول الحدث الزمني وقضيته الى حجة فلسفية إلا إذا كان يعتمد على مبادئ عامة لا تخضع لقيود تاريخية. فمثلا هناك بعض المواقف الأخلاقية تتعلق بظروف تاريخية محددة ولكي تعبر عن حجة فلسفية ينبغي أن تُصاغ  بطريقة تكون قابلة للتطبيق على حالات أخرى من حيث المبدأ حتى لو  كان الموقف الذي على المحك هو الحالة المعروفة الوحيدة. فقد يحاول الأخلاقي أو الفيلسوف السياسي أن يقول إن مشاركة بروتوس في المؤامرة ضد قيصر كانت صحيحة أو خاطئة أخلاقياً. لكن حجته لن تكون حجة فلسفية إلا إذا كانت تعتمد على مبادئ عامة لا تخضع لقيود تاريخية، أو مثلا أن لا يقتل المرء أبدًا المحسنين؛ أو ويجب ألا يشارك المرء في سلوك يؤدي إلى الحرب الأهلية، إلخ.  أوقد يكون المبدأ هو أن يتصرف المرء وفقًا لأفكار الشرعية السياسية التي يتقاسمها معاصروه وأقرانه، وفي هذه الحالة، على المرء أن ينظر إلى أفكار المعاصرين من أجل الحكم على ما إذا كان الفعل صحيحًا أو خطأً من الناحية الأخلاقية، وهذه الأفكار مؤقته وظرفية بالتأكيد. لكن المبدأ القائل بأن هذه الأفكار تحدد الخاصية الأخلاقية لفعل الفرد ليس مؤقتًا.

من ناحية أخرى، إن اكتشاف الحقائق الفلسفية هو بالفعل زمني، أنه أمر مؤقت بالفعل، ولا يوجد أدنى شك في أن هناك عوامل تاريخية تسهل هذا الاكتشاف أو تجعله صعباً. فعلى سبيل المثال، يتمثل الفرق الأساسي بين الأخلاق اليونانية الكلاسيكية والأخلاق الهلينيستية (Hellenistic) والفلسفة السياسية في توسيع الأفق الذي يشعر الناس من خلاله بالمسؤولية الأخلاقية تجاه البشر الآخرين. كانت دولة المدينة (polis) في العالم الكلاسيكي هي التي تحدد هذا الأفق بشكل أساس. قامت الهلينيستية لاحقاً على توسيع مجال  العالمية وتحرك في اتجاه الشمولية، اي أنه أصبح من الخصائص الأساسية للقاعدة الأخلاقية أنها صالحة لجميع الكائنات العقلانية. عززت الأديان العالمية هذه الفكرة، وخاصة المسيحية والإسلام، ولاحقا من خلال فلسفات عصر التنوير. من الواضح تمامًا أن التغيير الذي تمثله الهلينيستية تم تحديده عن طريق انهيار العالم السياسي القائم على المدن وظهور الدول الإقليمية، وفتح الشرق من قبل الإسكندر الأكبر، وتشكيل الإمبراطورية الرومانية. وغني عن القول أن أولئك الذين يعتبرون العالمية جوهر أي نظرية أخلاقية عقلانية لن يدعون أنه مع انهيار المدينة، تطورت مبادئ جديدة للتقييم الأخلاقي؛ لأن مبادئ التقييم الأخلاقي ليست مؤقتة أو عرضة للتغيير مع الزمن. سوف يزعمون أن بعض المبادئ الأخلاقية قد تم فهمها منذ أول مرة فقط.

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

 

 

 

في المثقف اليوم