تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

تهيؤوا لفقد أحبائكم

العبارة التي نطق بها رئيس الوزراء البريطاني بما حملته من الفظاظة المبطّنة بالألم هيّجت الرعب حين جاءت مترافقة مع القلق الشديد الذي يصيب الناس في الكون بجمعه في هذه الفترة العصيبة.

الوباء المشترك " كورونا" يخيّم عليهم معيدا إلى الذاكرة أكثر من فاجعة نهشت البشرية في طول عهدها مع الأوبئة والأمراض في الحربين العالميتين، سفر برلك، وكوارث لا تحصى حصدت الملايين، وكشف النّقاب عن بعض من مقابر جماعية ضمتهم، وما تزال الاكتشافات تأتي بالجديد المريع.

ماذا، ونحن نستعدّ لكورونا في عقر ديارنا، يهاجمنا وتعرّيه الشاشات العالمية تساعدها التكنولوجيا العصرية التي غزتنا في حياتنا، فنعيش حالة عزاء مسبق؟!

هنا حقيقة تكمن الطامة الكبرى.

ما نطق به رئيس الوزراء البريطاني صادم وهو يعرضه بأسلوب جليدي وعملي جدا. هذا ما اعتدناه من الغرب الذين يحولون البشر إلى فئران تجارب، فيحقنونهم بالفايروسات، ويخرّشون معيشتهم، ثم يدّعون حضور الأمصال، واللقاحات الشافية. كلّ ذلك يجري عبر تزاحم متلاحق مسترعٍ للانتباه، منه ما نشر أخيرا عن ثلاثة متبرعين تجاهلوا حياتهم الشخصية، وعائلاتهم وقبلوا بلا تردّد حقنهم بالمصل الابتدائي، أتى في رأس القائمة سيدة أمّ مستقلّة تبرعت بأن تكون فأرا أبيض تاركة طفليها القاصرين لرحمة القدر!

الأحداث تستثير بمشهديتها. الذّعر الذي ألقي بين البشر فشملهم بمختلف قومياتهم، ومكاناتهم الاجتماعية، وطوائفهم الدينية، فلم يَستثن حتى ذوي المناصب، والذين يُنزّهون أنفسهم في العادة عما يصيب رعاياهم، سَرَيان المرض كالنار في الهشيم، التركيز على عزل البشر عبر سَوقهم كالماشية بعصا الراعي الأكبر الذي تتّفق التّكهنات حوله مهما غالطنا تنبّؤاتنا، تكالب الخلق على المتاجر التي غدت عارية إلا من هياكلها، وكأننا مقبلون على مجاعة رغم أن الحجر لن يتجاوز منتصف شهر كما تتبناه حكومات الدول عامة، الخرافات الدينية التي انبرت في هذه الفترة، فقدّمت من الدواء الشافيَ المبهرَ، شرب بول الأبقار لدى طائفة من الهنود يقدّسونها، وبول البعير عند طائفة من جهّال المسلمين، قابلها استهتار برز عند من يُنتظر منهم الوعي من مثقفين، وحملة مصابيح العلم، فسخروا من الوباء، وقلّلوا من شأنه، فغدا حيالهم الملتزمون بالتعليمات الطبية حمقى، وصار البعض يتباهون بالمخالفة في تدليلٍ على أنهم العقلاء أمام الحريصين الخائفين، وغدا المتواكلون يفسرون قول الله تعالى "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون" بسلبية مفرطة، غاضّين البصر عن تحذيره تعالى لنا بصون الأجساد، وعدم الإلقاء بأنفسنا إلى التهلكة، وغابت في السياق كثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحضّ على العقل، ثم التوكّل، والاتكال، وعلى الحجر أيضا حين يحلّ البلاء بأرض ما.

مع ذلك لا يخفى أنه رغم الاتّفاق الواضح على بلبلة الكيان البشري عبر ما تُشيعه ساحات الإخبار، والتّواصل، والاتّصال إلا أن الناس يبدون أكثر تيقّظا وانتباها إلى أنهم المعنيّون بأحابيل الكبار، وبحرب مختلفة غايتها انتقائية في الدرجة الأولى، فصاروا أكثر تصافيا وقربا من بعضهم في بلاء تفوّق على ما تأتي به المعارك، والسياسة من تفريق للبشر، وبثّ للأحقاد تحت راية وراية، ومسمّى، وآخر، وما لم تقدر عليه الحروب بمآسيها وويلاتها من تدمير وإنهاك للإنسان، أيقظه كورونا الذي اعتلى عروش الدّواهي، والدّهماء.

لعل تحذير رئيس الوزراء البريطانيّ، ووباء كورنا يشدّاننا إلى النّقيض، فنتهيأ لنحتفظ بأحبائنا في الإنسانية، ونتشارك معا في نبش كل ما يحاك لنا، فنستبدل التّشرذم بالتّصافي والتّسالم، ومعا نتعاضد لقهر شياطين الإنس ومردتها.

 

أمان السيد

كاتبة مقيمة في سيدني

 

في المثقف اليوم