تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

صادق السامرائي: شخصيات الخلفاء العباسيين (3)

ثالثا: شخصية المهدي!!

أبو عبدالله محمد بن المنصور (127 - 169) هجرية، عاش (42 أو 43) سنة، وتولى الخلافة في عمر (31 أو 32)، ولمدة (11) سنة، (158 - 169) هجرية.

"كان جوادا ممدحا مليح الشكل محببا إلى الرعية، حسن الإعتقاد، تتبع الزنادقة وأفنى منهم خلقا كثيرا"

"أول من أمر بتصنيف كتب الجدل للرد على الزنادقة والملحدين"

قبل الخلافة، كان أميرا على طربستان وما والاها، وتأدب، وجالس العلماء وتميز.

ومن خطبته عندما بويع بالخلافة : "... ولقد فارقتُ عظيما، وقُلِدْتُ جسيما، وعند الله أحتسب أمير المؤمنين، وبه أستعين على خلافة المسلمين..."

وفي سنة (159) هجرية، أوصى بولاية العهد، لإبنيه موسى الهادي ومن بعده هارون الرشيد.

وفي سنة (166) هجرية، وفيما بعدها جدّ المهدي في تتبع الزنادقة وإبادتهم والبحث عنهم في الآفاق والقتل على التهمة.

توفى سنة (169) هجرية، ساق خلف صيد، فاقتحم الصيد خربة، فتبعه الفرس فدق ظهره في بابها، فمات لوقته، وقيل أنه مات مسموما.

يبدو أنه كان متعلقا بوالده ومعجبا ومتأثرا به ولا يستطيع مقارنة نفسه به، مما دفع به إلى أن يحتذي خطاه بما يستطيع إليه سبيلا، وكأنه لم ينل قسطا كافيا من التدريب والتثقيف على إدارة الحكم، فلديه بعض التردد وعدم الثقة بالنفس.

وهذه الميزات وما يتصل بها، دفعت به إلى تسويغ سفك الدماء بقميص (الزندقة)، الذي إتخذه منهجا لحكمه، ومضى عليه إلى آخر أيامه، فأصبحت تهمتها سهلة وتفضي إلى قتل المتهم بها فورا.

ومن أخطائه التي حتمها عليه الخوف من الموت، أن دعى بولاية العهد من بعده لولديه في أول سنة من حكمه، مما تسبب بتفاعلات خفية بين الإبنين، وبينه وبينهما.

ومن الواضح أن لزوجته الخيزران دورها الكبير في مسيرة حكمه، وقصتها معه معروفة، فهي الجارية التي تمكنت منه، وأنجبت  ولديه اللذين عهد لهما بالخلافة من بعده.

فهو برغم فتوحاته وإنجازاته وإزدهار بغداد بعصره، يتميز بخصال إعتمادية، وبمخاوف جاثمة على وعيه، وحتى في قصة موته المزعومة ما يشير إلى أنه كان يطارد صيده، فوقع صيدا لما كان يعتمل فيه من الأحاسيس والمشاعر التي أذهبت بصيرته، وأفقدته السيطرة على جواده الغائر نحو موته!!

ولا يمكن مقارنته بوالده لقلة ثقافته ومحدودية علومه، رغم محاولاته التشبه به، وربما كانت زوجته تدير شؤون الخلافة بإسمه، فالدارس لمسيرته يرى سمة الطيش وعدم النضج واضحة في سلوكه، وإتخاذه للقرارات الإنفعالية الغير مدروسة، كقتله لبشار بن برد، ويُقال أنه ندم عليه، بعد أن "سبق السيف العذل".

وهذه السلوكيات في الحكم لا تزال فاعلة في مجتمعاتنا، لغياب المنطلقات الراسخة الصالحة لآليات تبادل السلطات، والتي تلخصت على مر العصور بالسلوك الوراثي المعبر عنه بولاية العهد.

وتجدنا اليوم كالتائهين في غياهب الأيام، لا نعرف صيغة ثابتة لحكم مستقر رشيد.

فكم من طائش أزرى بأحوالنا، وأصاب الأجيال بمقتل!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم