أقلام حرة

والشمس وضحاها..بدائع الاعجاز

"والشمس وضحاها، والقمر، اذا تلاها..."...الشمس1..2

لنتامل معا بدائع الاعجاز في هذه السورة المباركة، ونقف عند بديع خلق الله، وهذه النعم العظيمة التي خصنا بها تكريما لوجودنا على هذه الارض.

لنبدا ببداية الاية الكريمة"والشمس وضحاها"، ان الله جل وعلا يبدا الاية بقسم، فهو يقسم بالشمس وضحاها، "وانه لقسم لوتعلمون عظيم" ..الواقعة76

لعظمة الشمس عند الله سبحانه وتعالى، فالشمس هي النجم الذي تتعلق به كل الكواكب بما فيها الارض، وتستمد منها الطاقة، ولذا يطلق العلماء على الشمس ومجموعة الكواكب تسمية"المجموعة الشمسية" التي تحتل الشمس فيها كتلة تعادل اكثر من تسع وتسعون بالمئة من كتلة المجموعة الشمسية برمتها، فيما تحتل الارض وبقية الكواكب ماتبقى من الواحد بالمئة، لهذا ياتي القسم في بداية السورة الكريمة بها، هذه العظمة في خلق الشمس تعطيها المركز الاول بامتياز لبداية الخلق، اي ان خلق الشمس جاء قبل خلق كل الكواكب بما فيهم الارض والقمر، ولذا فالشمس هي الام الاولى لكل هذه الكواكب ومنها جاء خلقهم، وهذا مااثبته العلماء، وحتى النظريات التي جاؤا بها على مر العصور تثبت ان الشمس هي الاصل، فالشمس هي الحاضنة والجميع يدور في كنفها، كما اثبت العلماء ان هذه الطاقة المنبعثة من الشمس نتيجة تفاعلات نووية تجري داخلها بصورة دائمة ومستمرة نتيجة دمج نواتي ذرتين من هيدروجين لتكوين ذرة من غاز الهليوم الاقل وزنا من ذرتي الهيدروجين ..ويتحول فرق هذه الكتلة الى طاقة حرارية تصدرها الشمس، فتبعث الدفئ والقدرة على الحركة، وفي كل ثانية تتحول ملايين الاطنان من كتلتها الى طاقة باستقرار وثبات وادامة الى جميع الى الكواكب ومنهم الارض"والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز الحكيم".... يس 38(سبحان الله)

هذا الاعجاز العظيم الذي يقره العلماء ضمنيا لا ظاهريا وحتى الملحدين والمشككين منهم والذين جاؤوا بنظريات عديدة، انما يقرون بان البداية كانت من الشمس، وهذا ماذكره القران الكريم منذ 1400 سنة فكيف عرف النبي الامي هذه المعلومات الاعجازية المتناهية الدقة التي كلفت العالم الاف السنين للتوصل الى شئ منها لولا انها كلام الله المنزل على رسوله.

ثم ناتي الى كلمة"ضحاها"والتي يعرفها علماء اللغة بانها ارتفاع الشمس وامتدادها، والضح كذلك هو البذل والعطاء، فالشمس تضحي بعمرها عند كل شروق، اي انها تنقص من عمرها وكتلتها وماتحويه من اجل مد الحياة بالدفئ والطاقة-كما الام- لكي تنعم الارض بجميع مخلوقاتها بهذه النعمة التي هي اساس الحياة، ويستمد منها الانسان والحيوان والنبات طاقته لكي يعيش، فبالاضافة الى فوائدها الجمة للانسان وصحته، فعليها تعتمد معرفة الانسان للزمان، والليل والنهار، واوقات الصلاة المرتبطة بها ارتباطا وثيقا، وعليها تعتمد مواسم الزراعة من حيث تغيير الفصول، ونوعية المحاصيل المعتمدة على ذلك التغيير، فهل يستطيع النبات صنع غذاءه بدونها –وهو الحلقة الاولى بالسلسلة الغذائية- ولولا هذه العملية "التركيب الضوئي"لما استهلك ثاني اوكسيد الكربون وتحرر الاوكسجين، وعليها يعتمد معاش الانسان ونومه، ومايرتبط بها من نعمة الظل، الذي يعتمد عليه في تنظيف و تنظيم حرارة الجو ومايرتبط بها من عمليات كالرياح والسحب والامطار وغيرها من العوامل الطبيعية"الم تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا"..الفرقان 45، وكلما تقدم الزمن ازداد الانسان علما وتدبرا بايات الله لاستخلاص منافعها، فشهد العالم تطورا بتحويل طاقة الشمس الى طاقة كهربائية نظيفة-صديقة للبيئة- استغلها الانسان في مجالات شتى عوضا عن الطاقة التقليدية، فهي اذن عماد الارض وبدونها تمحى الحياة"يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى"..فاطر13

هذه العظمة وهذا الاعجاز العظيم انما يدل على وجود خالق عظيم يدير ويدبر الامور بحساب دقيق تعجز عنه اقوى الحاسبات وادق المحطات الفلكية مهما وصلت من علم فانها لاتستطيع ان تقوم بهذا الاعجاز الذي قدمه الله لنا مجانا وهبة من عنده بلا وقود او مال، فلينظر الانسان كم يكلفه عمل قمر صناعي مثلامن مال وجهد وعلم!"والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره"الاعراف54

ثم ناتي الى الاية الثانية"والقمر اذاتلاها"، وهذا قسم اخر وبما ان العلم اثبت ان صخور القمر اقدم من صخور الارض فمن المنطقي ان تاتي اية القمر بعد اية الشمس، ولان القمر بطبيعته عبارة عن صخور معتمة غير قادرة على ان تشع نورا من تلقاء نفسها، ولكنه يستمد النور من الشمس، ولهذا يعد هذا الكوكب تابعا اوتاليا للشمس في نوره وحركته واستقراره، وهذا الوجود والنور والظهور للقمر مشروط بتبعيته للشمس في كل تحركاته ونوره واستقراره، وهو اتباعا كاملا للشمس نصت عليه الاية الكريمة بايجاز مبهر باللفظ المشروط"اذا تلاها"-سبحان الله-"لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولاالليل سابق النهار"..يس40

وهذا يعطي الاولوية بامتياز للشمس ونهارها ثم للقمر وليله.

فالقمر في ترتيب افلاكه وتحوله من المحاق الى الهلال ثم البدر ثم رجوعه الى دوراته في كل شهر يعتمد على تداخل حركته حول الارض والشمس"والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم"..يس39

لذا فان تبعيته للشمس كاملة تامةـفهو مطيع للشمس في كل شئ، بنوره، وحركته، واستقراره، ومن المعروف ان القمر يمتص الاشعة الفوق بنفسجية من الشمس ولكنه يعكسها بطريقة مريحة صحية للانسان، ناهيك عن دوره بحماية الارض من اصطدام بعض النيازك بها لانها تصطدم بالقمر قبل وصولها الى الارض.

وبالحديث عن القمر من باب العلم، وقد يغفل الكثير عن فوائد القمر الغير مرئية فناهيك عن نوره الساطع الجميل والذي ينير الليل للكائنات، فللقمرتاثير كبير على صحة الانسان، فقد اثبت العلم دوره باسترخاء اعصاب الانسان ومساعدته على النوم، ولهذا السبب عندما كان الناس ينامون على سطح الدار، يستيقضون بمنتهى النشاط والحيوية، عكس انسان اليوم الذي يعتمد على التكييف ليلا، فيستيقظ متململا، ناهيك عن الامراض التي تصيب الانسان من جراء التكييف، اضافة الى ان ضوء القمر له تاثيرايجابي كبير على الغدد الصماء وخلايا الدم، حيث يقلل مستوى الاجهاد ويقلل من ضغط الدم، ويقلل من التوتر والقلق، كما ان ضوء القمر مسؤول عن اطلاق مادة "الميلانتونين" التي تعزز الاسترخاء والعواطف والطاقة والنمو الروحي بما يوفره من اجواء مريحة عالية من الطاقة عن طريق التامل وهذه احدى دروس علم الطاقة والتامل، ناهيك عن فوائد القمر بمعرفة الشهور التي يعتمد عليها المسلمون في تقويمهم الهجري، وكذلك ظاهرتي المد والجزر وماتوفره ظاهرة المد من ارتفاع  منسوب المياه في البحار والمحيطات بشكل مؤقت للاستفادة منها في نقل الطاقة الحرارية من خط الاستواء الى القطبين، مما ساعد على تعاقب العصور الجليدية وتراجعها مما سبب هجرة الكائنات الحية وساعد بالتالي على تنوع الحياة، وكذلك ظاهرة"بركنجي" التي تقول ان العين البشرية تميل الى رؤية الاشياء باثر من لون ازرق عند عدم توفر اضاءة كافية.

هذه الايات الاعجازية لظاهرتين كونيتين عظيمتين تدلان على عظمة الخالق والمدبر لهذا الكون العظيم والمسخر لاياته خدمة للانسان الذي خلقه ليكون باحسن تقويم، ليتدبر في ايات هذا الكون العظيم وليدين بالولاء لله جل وعلا خالق السماوات والارض ومابينهما مقرا بوحدانيته شاكرا لانعامه، هذه الايات المبهرة التي وقف العلم عاجزا عن الاتيان بمثلها او التحكم فيها ولم يصل الى تفسيرها الا قريبا جاء بها القران قبل1400 سنة على لسان نبيه الكريم الذي لم يكن يقرا الا مايوحى اليه عن طريق الوحي"اقرا باسم ربك الذي خلق"..سورة العلق، فسبحان الله والحمد لله على نعمه التي لاتعد ولاتحصى.

 

مريم لطفي الالوسي

 

 

في المثقف اليوم