أقلام حرة

ما هـذا القدر السيء؟

شاكر الساعديأعتقد أن الشخصيات والقيادات التي حكمت العراق منذ عام 1958 حتى اليوم، لا تؤمن بنظريات الحكم الحديثة،ولا بالتداول السلمي للسلطة، وحریة الأحزاب، وحریة وتقبل الرأي الأخر، ولا بفلسفات ألإدارة المعاصرة، ولا تحمل أفكار (مونتيسكو وجان جاك روسو) ولا تعترف بمفاهيم (بن خلدون) الإنسانية ۔۔۔ ولا بمبادئ (نيلسون مانديلا) السياسية ولا بأسس الحكم الرشيد وقواعد العدل ولا الفصل بين السلطات، ولا تؤمن بحريات المواطنين ولا حرمة حقوقهم ولا حصانة لممتلكاتهم كل شيء مستباح، وهذا ما نره من وجود أجنحة مسلحة لديها، تظهر أوقات الاحتجاجات الشعبية والانتفاضات الجماهيرية الكبرى .

الحرب الأولى:

واحده من اكبر ويلات القرن العشرين التي مرت بها منطقتنا العربية والإسلامية هي الحرب العراقية  - الإيرانية، التي شنها نظام البعث على إيران تحت مسمى (قادسية صدام) تلبية لرغبات دولية وخليجية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران والإطاحة بنظام شاه إيران (محمد رضا بهلوي) في 12شباط عام1979، كانت حربا بالنيابة شنها صدام وحزبه الفاشي وجند لها الملايين من أبناء العراق المقهورين كما سخر لها كل إمكانيات العراق الاقتصادية طيلة ثمان سنوات (1980–1988)، لم يجن منها العراق سوى الخراب والدمار، بعد أن خلفت ورائها بلدا خربا اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا، وأكثر من مليوني ضحية بين قتيل ومعوق ومفقود .. استمرت ويلاتها إلى يومنا هذا الذي نرى فيه بلدنا محتلا من نفس القوى التي أمدت صدام بالعون من اجل إشباع نزعاته المتطرفة، ونفس الدول العربية التي مولت صدام بالمال والعتاد اليوم تمول المنظمات الإرهابية بالسلاح والمال لقتل الشعب العراقي مرة أخرى.

في حينها وتحديداً في 16/10/ 1980التحقت في خدمة الاحتياط بالفوج الأول لواء المشاة الآلي  27 التابع للفرقة الإلية الأولى - الفيلق الرابع الذي مقره محافظة ميسان / جنوب شرق العراق ..حملت بندقيتي لمدة ثمان سنوات متتالية على خط النار بل وأحياناً بالأرض الحرام في مناطق الشوش – دزفول ومندلي  وشرق البصرة، نعم لم يكن خياري المشاركة بهذا الاقتتال وإنا موظف في وزارة النفط آنذاك، ولكني كنت أشارك مئات الآلاف من الجنود الاحتياط مواليد الخمسينيات شباب العراق المتواجدين في جبهات القتال الممتدة على الحدود الإيرانية - العراقية لأكثر من 1200 كم طول ، جميعنا لم يكن يريد للحرب بالاستمرار ولكن  الإعدامات الجماعية للهاربين من الخدمة العسكرية واعتقال ذويهم وزجهم بالسجون وقطع رواتبهم، احد أهم أسباب استمرارنا بالخدمة العسكرية  إضافة إلى غطرسة القائد الضرورة وعقوباته الجماعية أدت إلى إن ندفع بأعز أيام شبابنا بين القصف والقصف المتبادل ونحن نرى قوافل القتلى ملفوفة بالعلم العراقي تتجه صوب المدن ولا نعرف متى يكون دورنا نحن لكي نلتف بقماش العلم العراقي لندفن في مقبرة  وادي السلام في مدينة النجف الاشرف. ولا أنسى أبدا يوم أعلن وقف إطلاق النار في 8/8/1988 كيف خرج العراقيون إلى الشوارع يحتفلون ويرقصون ويتبادلون التهاني لانتهاء الحرب التي لا يريدون لها الاستمرار.

الحرب الثانية:

وما تنتهي حرب حتى تبدأ حرب جديدة ولكنها حرب من نوع خاص ليست ضد إيران هذه المرة وإنما حرب احتلال - دولة الكويت – وضمها إلى العراق كمحافظة عراقية (المحافظة التاسعة عشر).. حينما أطًلق القائد المهزوم على معركته الجديدة تسمية (أم المعارك) التي جاءت نتيجة اختلاف صدام مع دولة الكويت حول تسديد ديون تمويل الحرب مع إيران، واستمرت منذ عام 1990 وانتهت بدخول قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا وبريطانيا العراق عام 2003 .. وكالعادة حملنا السلاح ضمن تنظيمات الحزب القائد المفروض علينا أيدلوجيا بالقوة، ونحن نقاتل العروبة دفاعاً عن الإسلام بعد أن قاتلنا الإسلام ثمان سنوات دفاعاً عن العروبة.

بعد احتلال العراق في نيسان عام 2003 من قبل قوات التحالف الدولي، عاش العراق والعراقيون تحت جرعات أفيون الإسلام السياسي المخدر لعقول الناس وخطب المرجعية الدينية المحذرة لهؤلاء الصبية السياسيين القادمين من إيران وسوريا ودول أوربية، وكل عام يوعدون العراق بالخير الوفير والزرع الكثير ولكن دون جدوى بعد أن فاح دخان فسادهم في كل مكان وأخذوا يسرقون مئات الملايين من الدولارات بمشاريع وهمية وعمولات وصفقات تجارية كبيرة، إذ بلغت إيرادات بيع النفط الخام لشهر كانون الأول من عام 2019 (6مليارات و 700 مليون دولار) فقط .مما جعل الشعب يتساءل أين تذهب تلك الأموال؟ وما هي أبواب صرفها تحت ظل حكم طائفي محاصصاتي .

الحرب الثالثة:

توسعت التظاهرات، التي انطلقت في العراق في تشرين الأول / 2019، إلى مدن عدة في الجنوب العراقي لتشمل 9 محافظات مع العاصمة، التي شهدت انتشار الاحتجاجات إلى 5 أحياء في بغداد نفسها، منها حي الزعفرانية جنوب العاصمة، حيث أقدم المتظاهرون على حرق الإطارات والتحرك بمجاميع منظمة في مناطق عدة لمحاولة الوصول إلى ساحة التحرير وسط بغداد، إلا أن القوات الأمنية حاولت منعهم من الوصول بتفريقهم بالقوة المفرطة.

هذه التظاهرات غير المسبوقة هي الأولى في العراق التي تخرج من دون الدعوة لها من قبل الأحزاب والكتل السياسية، كما في دعوات التيار الصدري، في التظاهرات المليونية. وقد جمعت الشباب الغاضبين المحتجين على غياب الخدمات العامة والبطالة وزيادة النفوذ الأجنبي في العراق، والصراع الأمريكي الإيراني على أرض العراق بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي في العراق قرب مطار بغداد الدولي وما أعقب ذلك من قصف القواعد الأمريكية في العراق والسفارة الأمريكية في بغداد والارتال الأمريكية المنسحبة من العراق ورد أمريكا عليها.

الحرب الرابعة:

تعرض أجدادنا الأوائل لكثير من الأمراض والأوبئة على مر السنين، كالسل، والطاعون، والجدري، و حصدت أرواح الآلاف منهم، لكن مع التطورات التي شهدها عالم الطب استطاعت البشرية التوصل إلى علاجات ولقاحات لكل هذه الأوبئة، إلا أننا لاحظنا خلال السنوات السابقة انتشار الكثير من الأمراض والفيروسات التي لم نكن نسمع بها من قبل؛ مثل: أنفلونزا الطيور، أو أنفلونزا الخنازير، أو الايدز وسارس و الايبولا، ومن الأمراض التي سمعنا بها مطلع عام 2020 مرض الكورونا.

يقصد بمرض الكورونا العدوى الناتجة عن فيروس الكورونا باللغة الإنجليزية:   Corona virus  وهو: عبارة عن سلسلة كبيرة من الفيروسات التي تسبب العديد من الأمراض التي تتراوح بين نزلات البرد الشائعة والأمراض التنفسية الحادة مثل السارس، وقد اكتشف المرض لأول مرة سنة 2012 في المملكة العربية السعودية، ويعتبر الأطفال وكبار السن ومن يعانون من أمراض المناعة وأمراض القلب الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس.

 الكورونا كارثة وبائية:

ففي أقل من سنة واحدة، أثار كائن مجهري الهلع في العالم كله، وتطورت المواجهة معه إلى حالة تحد بين ما تمتلكه الدول المتقدمة من إمكانات طبية وتكنولوجية هائلة وما يمتلكه هذا الكائن العجيب من قدرة على التحايل والتطور بما يربك حتى الإجراءات الاحترازية التي تحول دون انتشاره. فتطور الخوف منه إلى هلع البشرية على كامل الكرة الأرضية .. المدارس والجامعات والنوادي والمطاعم والفنادق والمسابح تعطلت، والخطوط الجوية العالمية توقفت ... وتعرض قطاع السياحة العالمي لخسائر فادحة  قدرت بـ  840 مليار دولار، (لوفت هانزا الألمانية خسرت لوحدها 50 بالمائة).. حتى الشوارع صارت موحشة بعد إن كانت مكتظة بالناس، فتحول منظرها من الشعور بالفرح وحب الحياة الذي كان إلى توقع الشر والخوف من موت بشع سوف يحصل!.

خسائر بشرية واقتصادية:

واليوم تتحدث خريطة الوباء أن هناك الآلاف الإصابات تحدث يومياً ومئات الوفيات على الأقل في أغلب بلدان العالم! وأن إجمالي الإصابات العالمية وصل إلى (36) مليون إصابة، والوفيات أكثر من مليون وفاة حول العالم، طبقاً لآخر التقارير العالمية، حتى الرئيس الأمريكي ترامب وزوجته سيدة البيت الأبيض لم يسلما منه .

وبسب هذا الوباء تراجع النمو الاقتصادي العالمي خلال مطلع عام / 2020 بأكثر من 10 بالمائة من الناتج المحلي، وانهارت أسعار النفط لأكثر من 30بالمائة، مما دفع البنوك العالمية لتخفيض أسعار الفائدة على القروض الممنوحة، كسياسة تحفيزية لمواجهة الكساد وقلة السيولة المالية، كما قامت السعودية بضخ ما يقرب من 13 مليون برميل يومياً بدلاً من 10 مليون برميل يومياً، فأغرقت أوربا بالنفط، حتى وصل سعر البرميل إلى ما دون الـ 30 دولار نتيجة الفائض النفطي الحاصل في السوق العالمي البالغ 3،5مليون برميل يومياً، على الرغم من أن السوق العالمية تستهلك 100 مليون برميل يومياً، فيما فقد أكثر من 25 مليون عامل أعمالهم حول العالم، ونصف الطلاب توقفوا عن الدراسة.

وأخيراً نقول ... ما هذا القدر السيئ الذي دفعه الأجداد والإباء .. واليوم يتحمل وزره الأبناء ؟، وكأننا نعيش أجواء الأعوام  1980 و 1991 و 2003 ... وهل التاريخ يعيد نفسه في العراق فقط؟.

 

شاكر عبد موسى / العراق / ميسان

 

في المثقف اليوم