أقلام حرة

الدولار.. جائحة العراق الجديدة

شاكر الساعديالمقدمة: تسبب انخفاض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار في اضطراب الأسواق المحلية وارتفاع كبير في الأسعار، حيث إن معظم البضائع مستوردة ومرتبطة بالعملة الأميركية. 

هذا الأمر أعاد ملف الصناعة العراقية وتفعيلها إلى الواجهة مجدداً، بعد عقود من الاندثار والدمار الذي طال القطاع الصناعي، وسط مطالبات بالعمل على تخفيف الضرر الناتج عن تدهور الدينار العراقي، من خلال اعتماد الصناعة الوطنية التي يفتقر إليها البلد.

تدهور الدينار:

أن قرار تخفيض قيمة الدينار جاء كضربة قاصمة للشعب العراقي المثقل بالحروب والبطالة وتسلط الفاسدين على زمام الحكم فيه، لعدم وجود سيطرة على الأسواق، التي بدأت تتلاعب بحال المواطن البسيط وتفاقم معيشته، كما أن خفض رواتب الموظفين وارتفاع قيمة الدولار مقابل الدينار العراقي (1دولار يعادل 1450 دينار) أثار امتعاضاً كبيراً في البلاد، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ولحق الضرر كله بالمواطن العراقي البسيط، بسبب الفساد وسوء الإدارة. 

أن تغيير سعر الصرف لن يكون أداة سحرية لتطوير الصناعة وإعطائها الفرصة، ولكن المستلزمات الحقيقية لنهضة الصناعة تتطلب وفرة رأس المال، وعودة الصناعات الراحلة في الخارج، وتحقيق الأمن والاستقرار، وجعل السلاح بيد الدولة. 

إن المواد المستوردة ستكون غالية الثمن، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار وكذلك الرسوم الجمركية، بينما المنتج الوطني معفى من التعريفة الجمركية والضرائب، وهذا الفارق سيكون حافزاً لتشغيل المعامل العراقية، سواء كانت في القطاع العام أو القطاع الخاص. 

ركود اقتصادي:

 أن الركود سوف يزداد في السوق العراقية، بسبب تراجع القوة الشرائية لشريحتي الموظفين والمتقاعدين بعد انخفاض قيمة رواتبهم إلى الربع تقريباً،كما أن القوة الشرائية سوف تتراجع بنسبة 20بالمائة نتيجة لارتفاع الأسعار، وبالتالي ستنعكس على القطاع الخاص، وسيؤدي ذلك إلى ازدياد التراجع في الناتج المحلي الإجمالي. 

أن أنشطة القطاع الحقيقي، مثل الزراعة والصناعة، لا تعتمد على سعر الصرف إلا بشكل بسيط جداً، وهذا يعني أن تخفيض سعر صرف الدينار العراقي يمنح المنتج المحلي فرصة لمنافسة المنتجات المستوردة، بمعنى أن السلع المستوردة في الأسواق العراقية، ستصبح أغلى من السابق.

لكن السلع التركية والإيرانية ستبقى أسعارها أقل من المحلي، بسبب انخفاض قيمة الليرة التركية والريال الإيراني إلى مستويات متدنية جداً، وبهذا تبقى تنافسيتها أعلى من تنافسية السلع العراقية.

لكن المنتج المحلي لا يمكن له إنتاج كل أنواع السلع التي تتطلبها السوق العراقية، فقد يكون هنالك إنتاج زراعي للخضروات وبعض الفواكه، ولكن لا يسد حاجة السوق بشكل كامل لذلك تبقى هنالك حاجة للاستيراد من الخارج. 

مصانع معطّلة:

أن عدد المصانع والمعامل التابعة للشركات العامة المملوكة للدولة، يبلغ حوالي 285 معملاً، منها 83 معملاً متوقفاً، مع جود 54 ألف مشروع مسجل، كذلك 21 ألف مشروعاً لدى مديرية التنمية الصناعية، مع توقف نحو 90 بالمائة من هذه المشاريع الحيوية، بسبب عدم المقدرة على المنافسة، وعدم وجود بيئة أعمال آمنة وبنا تحتية مثالية كالمدن الصناعية ومصادر الطاقة،  مع قِدَم هذه المعدات التي شيدت منذ عام 1960، والتي تعرضت خلال تسعينيات القرن العشرين للاستهلاك والاندثار المتراكم، بسبب العمل المستمر ونقص معدات الصيانة آنذاك، وكذلك الحروب المستمرة التي مر بها العراق منذ عام 1980، وما تعرضت له على يد مسلحي القاعدة وداعش. 

إضافة إلى ذلك عدم وجود دعم حكومي حقيقي للصناعة المحلية، بينما المواد المستوردة مدعومة في بلدانها بصناديق دعم الصادرات، كما أن الرسوم التي يدفعها المصنّع العراقي إلى دوائر الدولة تبلغ أكثر من 30 رسماً، و كلفة الوقود والكهرباء عالية وغير مدعومة، وأكثر المنتجات الوطنية غير محمية بقانون حماية المنتجات، بالإضافة إلى أن هناك إغراقاً سلعياً مقصوداً وشبهات غسيل للأموال .

ويقدر إجمالي المشاريع الاقتصادية المتوقفة، بأكثر من 50  ألف مشروع صناعي صغير ومتوسط، وقد تصل إلى 100  ألف مشروع معطل، بعد أن كان الإنتاج الصناعي يشكل 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، لكنه أصبح أقل من 1 بالمائة في الوقت الحاضر. 

مع جود بعض الشخصيات المتنفذة ممن لديهم صناعات خارج البلد، لا يسمحون بقيام صناعة جديدة داخل العراق، لأنهم يريدون أن يبقى العراق سوقاً استهلاكية لمنتجاتهم، وما يعانيه العراق من حروب مستمرة،وسوء إدارة وفساد، وصراع إقليمي ودولي،، إذ تعمل بعض الدول على إغراق العراق بالبضائع الاستهلاكية لاستنزاف ميزانياته منذ عام 2003 حتى ألان .

النهوض بالصناعة الوطنية:

وضعت وزارة الصناعة والمعادن خطة للنهوض بالصناعة العراقية، وإعادة سمعة "صُنع في العراق" من جديد، وقسمت الخطة إلى ثلاثة أقسام، قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى.. ويجري العمل حالياً على الخطة الأولى قصيرة المدى، والتي من ضمنها تشغيل المعامل والمصانع التي نسبة التوقف فيها أقل من 30  بالمائة، حيث تم افتتاح 12 معملاً ومصنعاً من شركات وزارة الصناعة والمعادن ضمن الخطة قصيرة المدى..أن هذه المصانع والمعامل، منتشرة في بغداد وجميع المحافظات، وتنوعت بين معامل الأكسجين الطبي والأدوية والمعامل الإسفلتية، والأنابيب التي تخدم البنى التحتية، ومعامل الطابوق، ومعمل إنتاج المحولات الكهربائية.  أن الصناعة بحاجة إلى الأمن والخدمات وخصوصا الكهرباء، فضلا عن تفعيل القوانين الخاصة بها، مثل (قانون حماية المستهلك) المشرّع في البرلمان وغير المفعل، وأيضاً قانون احتكار السلع. 

 أن إعادة الثقة بالمنتج المحلي تحتاج فترة طويلة جدا، لأن الصناعة المحلية لم تحظ بفرصة لكي تنجح، إذ فتحت الحكومات العراقية بعد عام 2003 الباب على مصراعيه للبضائع المستوردة من إيران وتركيا والهند والإمارات وغيرها .

الفقر الدائم:

لا يخفى على الجميع إن الظروف التي مرت بالعراق أسهمت بارتفاع نسبة الفقر، إذ كانت نسبة الفقر في نهاية العام  2019 هي 20 بالمائة، إلا أنه مع دخول العراق في نفق الأزمة المزدوجة، جائحة كورونا وما رافقها من أزمة مالية، بسبب تراجع أسعار النفط، أثرت بشكل كبير على ارتفاع نسبة الفقر في البلاد.

 لقد أعُدت دراسة في النصف الثاني من سنة 2020  بالتعاون مع البنك الدولي ومنظمة اليونيسيف، ووفق سيناريو توقعات ارتفاع الأسعار نتيجة كبر الأزمة، فقد توقعت الدراسة في محورها الأول أنه إذا ارتفعت الأسعار بنسبة 50 بالمائة، عما كانت عليه قبل الأزمة، سيسهم بارتفاع نسبة الفقر إلى 31،7 بالمائة،  أي حوالي 32 بالمائة، ويصبح عدد الفقراء 11مليوناً و400 ألف يعيشون تحت خط الفقر. 

أما المحور الثاني من الدراسة التي تم استكمالها فيما بعد، وبعد مراقبة الأسعار، اتضح أن الأسعار لم ترتفع بالنسبة المتوقعة، إذ ارتفعت بنسبة 6 بالمائة فقط، وهذا ارتفاع طفيف مقارنةً ما حدث في دول العالم، وبموجب هذه الزيادة، يكون الفقراء الذين يدخلون تحت خط الفقر هم مليونان و700 ألف فقير، يضافون إلى العدد المؤشر، ليصبح العدد الكلي هو 9 ملايين و600 ألف، قد يشكلون ما يقرب من 25 بالمائة، وبناء على هذه المعطيات  فأن ربع  سكان العراق هم تحت خط الفقر أو اقل بذلك بقليل، إذا كان عدد سكان العراق اليوم هم 40 مليوناً.

ومن الإجراءات التي ستطبق في موازنة عام 2021 هي زيادة تخصيصات شبكة الحماية الاجتماعية بحوالي ترليوني دينار، بهدف زيادة قاعدة شمول للفقراء بها، أي شمول أسر جديدة، هذا المسار الأول وهو يمثل أحد المسارات المهمة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في معالجة الفقر، وهو أيضا وارد ضمن إستراتجية تخفيض خط الفقر.

أما المسار الثاني الذي تعمل عليه الوزارة هو (الصندوق الاجتماعي للتنمية)، هذا الصندوق يمثل تجربة جديدة بآلية جديدة، وتم إطلاقه في وقت سابق، في مرحلة أولى شملت ثلاث محافظات هي المثنى وصلاح الدين ودهوك، بواقع عشر قرى في كل محافظة، وتم تنفيذ حوالي 62 مشروعاً خلال السنتين الماضيتين.

 

شاكر عبد موسى/ كاتب وأعلامي

 

 

في المثقف اليوم