أقلام حرة

لماذا كل هذا التحامل على الموتى من الفنانين؟

مما عُرف عن إنسان المجتمعات المتقدمة أنه يفكّر أكثر مما يتكلم، ويعمل أكثر مما يتحدث، وينصت أكثر مما يهذر، ويقتصد في ما هو مطلوب من الكلام، ويقتصر فيه على الاختصاص، ويعود إلى الخبراء فيما لا خبرة له به فيه، بينما ينهمك بشر المجتمعات المتخلفة، في تعويض الفعل بالثرثرة، واستبدال التفكير بالهذيان، الذي يذهب فيه بعيدا عن عمق المفاهيم، ويغرق في بحور الحذلقات اللغوية والرطانات اللفظية والمصطلحات الشعبوية والشعارات المفرَغة من أي مضمون ذوقي أو روحي أو أخلاقي وأي منجز حقيقي ملموس على الأرض، الذي يعوضونه بشغف الكلام في كلِّ شيء وعن أي شيء، حتى الذي لا يعرفون عنه في الغالب أي شيء، أو الذي لا يعرفون منه غير الاسم أو العنوان، والذي غالبًا ما يخطئون في التلفظ به، وخاصة حين يتعلق الأمر بالكلام عن الدين والفقه والتفسير، الذي ساد الشغف به مجتمعنا المغربي وباقي المجتمعاتِ العربية والإسلامية، إلى أن وصل عند بعض المتعالمين المتفيقهين بها حد الهذيان الذي يصور لهم أن الله سبحانه وتعالى فوّض لهم وحدهم التحدث باسمه لمختلف الناس، وكأنهم أهل العلم والخبراء.

ربما يتعجب البعض من هذا الكلام الطبيعي والمسلم به، لكن تعجبهم سرعان ما يزول بعد الإطلاع على ما تعرفه الساحة الإعلامية من تحامل وتهجم غير مقيد بضوابط الشرع أو الأخلاق ولا حتى الموضوعية على موتى الفنانين، وبعد الوقوف على سيل التعريض والتعرية الدافق الذي أطلقت فيه العديد لألسنة والأقلام المزيّفة للعديد من الحقائقة الدينية المتعلقة بالترحم على الفنانين والدعاء لهم بالرحمة والغفرة، والتي يحرمها المصابون بداء الثرثرة في الدين، الذين قست قلوبهم وانهارت أرواحهم وفسدت أذواقهم وخرفت عقولهم ممن يسمون أنفسهم رجال دين أو إعلاميين ومثقفين، بدعوى "أن عامة أهل الفن والتمثيل، من أهل الفسق المغلظ، والفجور في المعاصي" الحكم المتعارض مع السنة النبوية، لما فيه من غيبة محرمة ومستفز لمشاعر الناس عامة، وكشف وتشهير يلحق الأذية بأرحام من غيبه الموت من الفنانين، والمنافي لما زخر به ديننا الحنيف من دعوات احترام الموتى، والحث على الدعاء لهم ولكافة موتى المسلمين بالرحمة والمغفرة بدليل قوله تعالى :" واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات " وقول نبيه صلى الله عنه وسلم: "اذكروا محاسن موتاكم، وكفُّوا عن مساويهم ".

وعليه فنحن مطالبون بالتبصر والواقعية وتحكيم العقل الاحتراز قبل إطلاق الأحكام الغير المضبوطة لا شرعا ولا أخلاقا، والتي تعتدي على ثوابت المجتمع وتزيّف حياة الناس وتقطع الأواصر بينهم وتشعل فيهم الفتن التي تقود إلى النفور من الدين، وإننا مدعوون جميعا إلى حماية الأجيال الجديدة من الضجيج والهذيان والهذر باسم حرية دينية نارية، بلا حياة روحية نضجة، ولا ضمير أخلاقي يقظ، ولا مواقف صادقة .

وفي الختام أرجو الله العلي القدير -وضدا في المثرثرين فيما ليس لهم فيه من الدين-أن يشمل الفنان الأصيل صاحب القلب الطيب والصدر الرحب الفقيد العزيز محمد الغاوي بالرحمة والمغفرة والرضوان، و أن يفسح له سبحانه وتعالى جنة الفردوس، كما نسأله تعالى أن يلهم أسرته وذويه وأحبائه الصبر الجميل والسلوان المتواصل وإنا لله وإنا إليه راجعون.

***

حميد طولست

في المثقف اليوم