أقلام حرة

عبد الخالق الفلاح: روسيا.. بوتين وتجربة فاغنر

شكلت عملية التمرد التي قامت بها مجموعة “فاغنر” الروسية منعطفًا كاد ان يكون الأصعب في مشهد الحرب الروسية الأوكرانية في منتصف عامها الثاني؛ فبينما تواجه روسيا تحدي شن أوكرانيا لعملية الهجوم المضاد، وواجهة تمردًا مسلحًا من مجموعة “فاغنر” على الجبهة الداخلية الروسية. وفي هذا السياق، واتجهت الأنظار نحو كيفية تعامل القيادة الروسية مع التمرد، والطريقة التي سيتم احتواؤه بها، لاسيما وأن محاولات التفاوض لإنهاء التمرد بشكل سلمي يبدو أنها باءت بالفشل، وبالتالي لجأت موسكو إلى إصدار قرارات  لاستخدام القوة ضد التمرد. 

وهو تمرد سيفرض على موسكو  حسابات وتحركات دقيقة للتعامل مع قائمة طويلة من التحديات، منها ما يتعلق بكيفية المواجهة في داخل أراضيها، والكلفة التي تتعلق بتقليل الخسائر على المدنيين والبنية التحتية، والمدى الزمني المطلوب للحسم؛ فكلما طال أمد المعركة ستكون هناك فرصة لتمدد نطاق المعركة وتغذية القوى الخارجية لها بوصفها فرصة لإضعاف روسيا في الجبهة الأوكرانية، إضافة إلى تحدي استدارة “فاغنر” لقتال القوات الروسية في الجبهة الأوكرانية من الخطوط الخلفية، فضلًا عن توظيف خصوم موسكو لهذه التطورات. وعلى مجموعة من الملاحظات في إطار تقدير هذا الموقف،على كل حال يمكن القول أن تمرد “فاغنر” تمثل مغامرة غير محسوبة من جانب قائد المجموعة يجفيني بروجوجين، الذي خسر الرهان بعد أن انحياز الرئيس فلاديمير بوتين له في معركته ضد قيادة الجيش في البداية ؛ فقد حسم “بوتين” الموقف على نحو ما كان متصورًا بالانتصار للدولة والجيش ضد عصيان “فاجنر” ووصم العملية الإجرامية ضد الدولة وجيشها ودستورها وشعبها، والتأكيد على التعامل الحاسم معها لإنهاء هذا التمرد بوصفه طعنة من الظهر.

وتكاتف مؤسسات الدولة مع هذا التوجه، حيث تمت عملية مداهمة مقر “فاغنر” في سان بطرسبرج، ونُشرت قوات مكافحة الإرهاب في العاصمة، وأصدر مجلس الدوما الروسي بيانًا يدين الموقف ويشدد على التعامل الحاسم معه، فيما بدأ الجيش التحرك لإحباط العملية عبر تقويض دوائر الحركة في دائرة التمرد حول “روستوف”.إلا أن القرار الذي اتخذه بخروجِ بريغوجين قائد" فاغنر" من روستوف ادى الى اصدار الكرملين بيان لم يتمَ فيه اتخاذُ قرار بحقه والمقاتلين معه و في منع التعقيب بحقهم ومن أنّ روسيا وافقتْ على خروجِ بريغوجين إلى بيلاروسيا بعدَ جهودِ وساطةِ الرئيسِ البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو لإنهاءِ التمرد. بدورِها، قالتْ بيلاروسيا إنّ بريغوجين وافقَ على مقترحِ الرئيس لوكاشينكو بشأنِ تهدئةِ الوضع ووقفِ تقدّمِ قواتِه نحوَ موسكو بعدَ أنْ منحَ الرئيسُ الروسي فلاديمير بوتين ضماناتٍ أمنية لمقاتلي فاغنر. وفي وقتٍ سابق، قالَ بريغوجين إنّه قرَّرَ إعادةَ مقاتليهِ إلى قواعدِهم حقناً للدماء ووقفَ تقدُّمَهُ نحوَ العاصمةِ الروسية موسكو بعدَ أنْ أصبحتْ قواتُه على بُعْدِ مئتي كيلومتر... ولكن كل التوقعات تشير بأن نهاية بريغوجين سوف تكون قريبة كما كان مصير المعارضين السابقين حيث لن يقف بوتين كما عرف عنه مكتوف الايدي تجاه معارضية ولن يمر التمرد بشكل سهل دون حسابات اخرى يخطط لها

***

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

في المثقف اليوم