أقلام حرة

مزهر جبر الساعدي: امريكا- الهند.. تكتيكات استراتيجية متقابلة

ألقى ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند خلال زيارته الى امريكا في 22 من يونيو لعام 2023 خطابا امام الكونجرس الامريكي، اشاد فيه بتطور العلاقة بين بلاده وامريكا.. وقد اسُتقبِلَ مودي بحفاوة من قبل الادارة الامريكية والرئيس الامريكي بايدن واعضاء مجلس النواب الامريكي. وكان هدف الزيارة كما يبدو من الطريقة التي تم بها استقبال رئيس الوزراء الهندي؛ تعميق التحالف بين امريكا والهند واستراليا واليابان، وايضا نقل الانشطة الصناعية (سلاسل الانتاج..) للشركات الامريكية من الصين الى الهند. والاهم هنا هي الاتفاقيات حول المتعلقة بمحركات الطائرات المقاتلة، برنامج مشترك امريكي هندي في صناعة محركات الطائرات الامريكية المقاتلة، وهو مشروح طموح ومغري في ذات الوقت للهند، وايضا اشباه الموصلات، واتفاقية لشراء الهند لمسيرات امريكية عالية الدقة. المسؤولون الامريكيون قالوا عن هذا التحالف هو انه او الغرض منه هو السلام والاستقرار في المحيطين الهندي والهاديء. لكن الحقيقة هو محاصرة الصين هذا اولا وثانيا هو سحب الهند الى جانبها في مواجهة ليس الصين فقط بل روسيا ايضا. الهند تلعب على هذه التناقضات والتقاطعات بين امريكا والثنائي الروسي والصيني في استثمار نتائجها بأكبر قدر ممكن لها. الهند ليس  من مصلحتها الاستراتيجية الاصطفاف مع امريكا في مواجهة الثنائي الروسي والصيني وبالذات الروسي. لكنها في الجانب الثاني لا تلعب في هذا الميدان باستخدام كرة واحدة، بل انها تستخدم عدة كرات في وقت واحد؛ تنزل الى الساحة المعنية بذاتها بالكرة الملائمة لهذه الساحة؛ لكي تجني الفوائد الجمة من ممارسة هذه اللعبة. إنما تأخذ في حساباتها هذه ان لا تبتعد كثيرا او بمساحة كبيرة عن الثنائي الروسي والصيني وبالذات او بالتحديد الحصري، روسيا. هنا من المهم ان ندرك ان الهند تعتمد على روسيا في تقوية وتحديث جيشها بالسلاح الروسي المتطور وفي توطين صناعة هذا السلاح في علاقة استمرت لعقود طويلة الى الوقت الحاضر؛ الذي انتج قاعدة بشرية علمية وهندسة وعسكرية تعاملت لعقود مع السلاح الروسي، وكذلك مشاريع عديدة في توطين صناعة البعض منه على الارض الهندية. كما ان كلا من الهند والصين عضوان فاعلان في منظمة البريكس التي تفرض على الاعضاء فيها التزامات في حقلي التجارة والمال والاعمال، والهند ليس من مصلحتها  التقليل من قوة وجودها وشراكاتها من الدول الاعضاء في هذه المنظمة التي تعلب الصين دورا محورا واساسيا في هذه المنظمة. كما ان هناك حوار وتفاوض مستمر في تصفية الخلاف الحدودي بين الصين والهند؛ والذي هو من مصلحة الصين والهند معا في تصفيته؛ كلا الدولتين تدركان هذا وتعملان عليه. هناك صفحة اخرى في التفكير الهندي؛ ان الهند بالإضافة الى انها تتبع مصالحها وليس اي شيء اخر غير المصالح، لا تريد او لا تخطط ان تتبع اي دولة مهما كانت قوتها؛ تريد ان تكون ولو مستقبلا قطبا قائما بذاته في عالم متعدد الاقطاب المرتقب. كما انها تريد او انها تطمح ان تكون مستقبلا عضوا دائما في مجلس الامن الدولي. في هذا الاتجاه او في هذا الطموح الهندي، واثناء استقبال الرئيس الامريكي بايدن لنظيره الهندي، صرح الاول؛ ان امريكا تدعم ان تكون الهند عضوا دائما في مجلس الامن الدولي، وهو جزء من المحاولة الامريكية لسحب الهند من الشراكات مع الثنائي الصيني الروسي. إنما كل هذا لا اعتقد انه سوف يغير من مواقف الهند التي تأخذ تماما مصالحها الاستراتيجية على محامل الجد والانتاج على طريق استقلال القرار السياسي والاقتصادي وما إليهما؛ للاتجاهات التي تريد ها و انها أي امريكا تسعى لها في محاولتها المستميتة؛ لأبعاد الهند عن الثنائي الروسي والصيني. ان هذا لا يلغي او يقلل من استمرار الدولتين على هذا الطريق في تكتيكات استراتيجية متقابلة؛ لأن فيهما  مصالح متقابلة في مواصلة هذه الشراكة وتنميتها..

***

مزهر جبر الساعدي

في المثقف اليوم