أقلام حرة

صادق السامرائي: البحتري الثري!!

يقول إبن الرومي (221 - 283) هجرية:

 "الحظ أعمى ولولا ذلك لم نرهُ.. للبحتري بلا عقلٍ ولا نسبِ" .

البحتري (204 - 284) هجرية من قرية منبج في سوريا تقرّب إلى شعراء عصره ومنهم إبن بلده أبو تمام (188 - 231) هجرية الذي أجازه وصار معلمه وبعدما تنامت قدرته قدمه إلى بلاط العباسيين فانطلق مع الخلفاء بدءا بالواثق (227 - 232) هجرية وتواصل حتى المعتضد(279 - 289) هجرية وكان آخرهم في سامراء.

وقد بلغ من الثراء درجة لا يضاهيه فيها أي شاعر في تأريخ العرب.

قد لا يُعجب الكثيرين المقال لما لسطوة البحتري على الوعي الثقافي الجمعي وديوانه بجزأيه يرافقني وأقرأه كثيرا ومع قراءاتي المتكررة أكتشف أدلة تشير إلى شخصيته ومتاجرته بشعره فلابد له أن يقبض شيئا على كلامه فمدائحه لمن يدفع أكثر واضحة وطمعه بالتملك يصل إلى درجة الجشع.

وقد أنصفه الحظ بموت أبي تمام - وربما لوشاية منه تم إرساله إلى الموصل ليتولى بريدها ومات فيها بعد أقل من سنتين - في عهد الواثق فتعبّدت الطريق أمامه ليكون سيد الشعراء في قصور بني العباس.

وقد عاصر الخلفاء العباسيين منذ المأمون وحتى إنتقال العاصمة من سامراء إلى بغداد سنة (279) هجرية في زمن المعتضد وأكال لهم المدائح وكان لا يتوانى فهو بلا مبدأ ولا موقف ويميل حيثما الريح تميل فبعد مقتل المتوكل (247) هجرية ببضعة أسابيع مدح قاتله ومن بعده مدح المستعين وحينما قتلوه هجاه ومدح المعتز وإبنه ومن ثم المهتدي إبن الواثق وتواصل في مديح من يجد عنده المال والقدرة على بذل العطاء له.

وفي هذه الهيمنة الإفتراسية صار يعادي أي منافس له وإستضرى بعد موت أبو تمام ومن الواضح أنه أوقع بين المتوكل وعلي بن الجهم (188 - 249) هجرية الذي عانى من عدوانيته الكثير وما ترك شاعرا في سامراء سواه فهو المدّاح المتكسب بشعره ومعظم هجائياته ضد الشعراء والأدباء الذين عاصروه إلا فيما ندر وكان يخشى منافستهم له على الثريد!!

وديوانه يقدم صورة جلية على التسول بالشعر وعدم الثبات على موقف فهو تاجر بضاعته الشعر!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم