أقلام حرة

الدولة المدنية في العراق.. كيف تكون؟

الدولة الوطنية في العراق، اذا ما اريد لها ان تكون مستقرة وموحدة ذات مؤسسات قوية تقوم على تحقيق العدالة والتنمية والعيش الكريم للمواطنين وتحمي الوطن واستقلاله وتنشد السلام، تعتمد على التعاون المتكافئ مع الدول الاقليمية والعالم والقوى السياسيّة في الداخل، عليها ان تضع برنامجا ينال ثقة الحراك الشعبيّ ويؤطِّر أهدافه بالعمل لا بالشعارات ويطرح سبيلا عمليّا لتحقيق الطموحات المنشودة، ولكن بالتوازى مع صون الدولة والمجتمع وقوتهما ومع وعى الترابط الوثيق بين ما هو داخليّ وخارجيّ، كى لا تسقط عبر انهيار الدولة فى الانشغال في الحروب الداخلية أو بالوكالة وفى الاحتلالات الأجنبيّة. إنّ جوهر الصراع دوما وأبدا ذو طبيعة سياسيّة ويبقى رهانه حول الدولة كمؤسّسة بعيدة عن السياسة.

الدولة المدنية تتيح الفرصة للمواطنين من أجل التعبير عن مخاوف ابناء الشعب حيال القضايا التي تؤثر في حياتهم اليومية∙ وتتيح الفرصة للمسؤولين ان يكون قريباً من المجتمع كي يعرف الحقائق من خلال إشراك المواطنين في ايجاد الحلول الملائمة لتلك القضايا يدا بيد؛ وحتى لا تتسم بالعنف من الناحية السياسية، فهي تمارس العطف والمحبة بدرجة اكبر ضد القوة في كبح حريتهم، 'ان الدولة الوطنية الحديثة لا تتحقق بمجرد اكتمال مدوَّنتها الدستورية، حتى وإن حازت تلك المدوّنة كشرطٍ أساس على موافقة الشعب أو أغلبية الشعب فحسب، وإنما تتحقق بحركية وآلية عمل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني التي تعطي لهذه المدوّنة روحاً ومعنى، وتجعلها قابلة للتطوير والتحديث مع كل مكتسب تحقِّقه هذه الحركية في مجال منظومة حقوق الإنسان او في اي مادة منه حسب تطور الزمن حتى لا يكون جامدا وتخلق وسعة في بناء الثقة بين المؤسسات والجماهي'.

لبناء العلاقة والتودد مع حفظ المطالب وهناك خطوات مهمة يجب العمل عليها هي، الأولى بناء الثقة بين النخب السياسية والعاملين في الحقل السياسي والأحزاب والقيادات السياسية لان الثقة بينهم تبنى بمرحلتين : الأولى بين النخب السياسية والعاملين في الحقل السياسي والأحزاب والقيادات السياسية، والجانب الآخر على مستوى المواطنين،  الحوار يدور بين النخب وممثلي التيارات السياسية والمثقفين والباحثين والقادة، وبناء الثقة لا يأتي بالكلام والوعظ والإرشاد، وإنما بالإجراءات وتمثل ذلك في عدم الإقصاء.

أما الثاني: بناء الثقة على المستوى الجماهيري والشعبي، والأحزاب والقوى السياسية والمنظمات لعقد اجتماعات جماهيرية وشعبية لمناقشة القضايا بكل صفاء كل فيما يخصه، وإرسال وجهة نظره مكتوبة وتشرف عليها هيئة قيادية محايدة ومقبولة مشكلة لتقريب وجهات النظر وأن يكون الهدف من الحوار هو تحريك حالة الحوار الجامدة في المجتمع، وأن يشعر المواطنون بحقهم المشروع في التعبير عن رأيهم الذي يحميه القانون وتحميه الدولة التي من واجبها أن تستفيد من كل الآراء سواء فيما يتعلق بتشريعات أو اقتراحات أو سياسات جديدة إذا ما كانت تستعد للعمل بمنظور البناء الجدي.

وإذا كانت الدول قد نجحت نسبياً في رسم الخطوة الأولى في بناء الدولة الوطنية الحديثة، وتحقيق المشاركة السياسية الديمقراطية، وصياغة دساتير متقدِّم بمشاركة التيارات والاحزاب المتواجد بفعل الخصوصيات لها بالتمثيل النسبي و في استقلال المؤسسات التابعة لها وخاصة المؤسسة العسكرية، للحاجة المهمة لسلطة الامن ومن ثم، توفُّر أرضية لعمل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات المدنية من اتحادات ونقابات ومنظَّمات  خارج هيمنة السلطة المطلقة وتحويلها الى مشرفة من اجل دعمها والتي قد تكون قد اصطدمت بواقعٍ معاندٍ للتغيير بفعل ثقل إرث الاستبداد الطويل، وضمور الثقافة السياسية الديمقراطية في مجتمعات مهشّمة ومهمّشة، ومتعددة الطوائف والمذاهب والإثنيات من جهة، وهيمنة السلطة المستبِدَّة، وتغوّل أجهزتها الأمنية على كافّة مؤسسات الدولة والمجتمع وثرواتها، وخاصة المؤسسة العسكرية من جهة ثانية، وساحة سياسية فارغة إلا من أحزاب السلط وتنظيمات وحركات هامشية معينة و استثمرتها هذه الانظمة في مواجهة جميع القوى السياسية الوطنية و دون الاعتراف الرسمي بها أو بشرعيتها السياسية من جهة ثالثة، وبالعامل الخارجي الإقليمي والدولي المتوجّس من التغيّر وسرعة امتداده في الدولة للخوف من خروجه عن السيطرة بغضّ النظر عن مدى قبوله أو رفضه من قبل الاطراف كمؤسسات او قواعد شعبية.

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

في المثقف اليوم