أقلام حرة

نهاد الحديثي: فوضى المقاهي

في ظل التحسن الذي تشهده المعادلة الاقتصادية في بلادنا، نجد أنماطاً جديدة من مشروعات ريادة الأعمال، التي تحظى بقبول جماهيري، الانتشار غير المعهود للمقاهي بأنواعها الفارهة، أو الشعبية، وما يقدم بداخل النوعين من خدمات، هي انشطة استهلاكية في المقام الاول، لقد أضحت مشاريع المقاهي من المشاريع الجديدة التي بدأ الكثير من المستثمرين، لهوامش الربح العالية، والإقبال من الشباب على ارتيادها في جميع الأوقات، بالمقابل انتشرت محال بيع الاراكيل والمعسلات بانواعها، كذلك انتشرت محلات بيع التبغ والسكائر الالكترونية، بشكل غير مسبوق في الشارع فتحت أفاقا جديدة للعمل ونوعا جديدا من الوظائف، وتبقى النقطة الأهم من مانحي التراخيص وهي التنسيق بين أماكن المقاهي، لأن الملفت في حال افتتاح مقهى في شارع، نجد عشرات المقاهي في نفس الشارع، مع احتلال الأرصفة، وأجهزة التلفزيون العملاقة أيضاً على الأرصفة، تلك مشاهد تحتاج وقفة ناقدة

إننا أمام حالة فوضى حقيقية، ففي الوقت الذي تعمل الدولة جاهدة على معالجة آثار التدخين وأضراره، نجد انفتاحاً هائلاً على هذه النوعية من الأنشطة في كل الأحياء والشوارع دون استثناء، فكما كان النمط السائد فيما مضى كثرة محلات أدوات السباكة والكهرباء، والمغاسل، والحلاقين، تغيرت الأنماط لتشمل المقاهي ومحلات بيع التبغ والشيش وغير ذلك من اكسسوارات التدخين العصرية

مقاهي بغداد تستمر باستقبال زبائنها الذين يقصدونها لقضاء أمسيات سمر تمتد حتى ساعات الصباح الأولى أحيانا،، شباب وشيوخ يتجمعون للعب الورق والدومينو والطاولة، تدور فوق رؤوسهم أقداح الشاي ويتطاير حولهم دخان الأراجيل، في أجواء تبدو معزولة تماما عن الأزمات التي تحيط بهم.، يقصدون هذه المقاهي، لقضاء ساعات طويلة بعيدا عن صخب الحياة أو هربا من عجزهم عن إيجاد وظائف تناسبهم،،اتجاه الشباب بهذه الأعداد الكبيرة إلى المقاهي يمثل حالة من اليأس والهرب من الواقع، بسبب حجم الإحباط الذي يتعرضون له باستمرار، هذه الطاقات المهدرة لساعات طويلة كان يمكن أن توظف في مشاريع ناجحة يستفيد منها العراقيون جميعا، إلا أن تحكم الفساد في مفاصل الدولة والمحاصصة الحزبية يحولان دون نجاحها، ومن المؤسف حقا ان تجد المقاهي التي يرتادها الأدباء والمثقفون، حيث كانوا يلتقون فيها يومياً أو أسبوعياً ويناقشون مختلف القضايا الأدبية والثقافية، يتحدثون عن آخر الإصدارات وعن القصائد والقصص والمقالات،،إلا أن الكثير من هذه المقاهي أغلق أبوابه اليوم وتحول إلى محال تجارية،

مقاهي الأدباء جزء من تاريخ العراق، وهي إحدى العلامات البارزة في بغداد وفيها كانت تقام ندوات ثقافية وأدبية وفكرية، ومن بين جدرانها خرج الكثير من القصائد والقصص والروايات لأن العديد من الأدباء كانوا يتخذون المقهى مكاناً لكتابة نصوصهم الإبداعية، وهنا نطالب أمانة بغداد بضرورة العمل على إعادة بناء المقاهي الخاصة بالأدباء والمثقفين، وفتح أبوابها من جديد أمام روادها من حملة الأقلام وأصحاب الفكر

دعوني أتساءل عن فلسفة التخطيط لدى المسؤولين المعنيين بمنح التراخيص لتلك الأنشطة، هل توافرت الاشتراطات اللازمة للحصول على التراخيص؟ هل تكاثر تلك الأنشطة في أحياء وشوارع لن يساهم في تغيير التركيبة السكانية في تلك المناطق، نتيجة الإقبال من المستهلكين، إضافة لانحسار مفهوم الخصوصية للبشر السائرين في تلك الشوارع ليلاً أو نهاراً، أظن أن الأمر يحتاج إعادة النظر في منح التراخيص، مع التدقيق، وعدم حرمان المشاة من حقوقهم المشروعة بحرية المشي على الأرصفة التي لم تعد موجودة.

***

نهاد الحديثي

 

في المثقف اليوم