كتب واصدارات

ثامر الحاج امين: سيرة "عبدالله حلواص" ترى النور

مسيرة ابداعية حافلة بالعطاء أثمرت أربعين كتابا وما زال يواصل رسالتها بجد الباحث المثابر نبيل عبد الامير الربيعي حيث أصدر مؤخرا كتابه (عبدالله حلواص ــ سيرة ومحطات) الذي يمثل شهادة صادقة بحق شخصية نضالية مهمة من شخصيات الحركة والوطنية ومسيرة اليسار العراقي ذلك هو المناضل عبدالله حلواص الذي وصفه الباحث بـ (الشيوعي الحامل هموم ووجع العراق) وايضا يعد حالة فريدة في سفر النضال العراقي ، فهذا المناضل عاش يحسن القراءة دون الكتابة والتي تعلمها في رحلته الطويلة بين سجون العراق منذ اربعينيات القرن الماضي حيث واكب خلالها حياة الرعيل الأول من القادة الشيوعيين وعلى رأسهم مؤسس الحزب (فهد) الذي شاركه حلواص خلال نشاطه الحزبي السجون والاجتماعات المتعددة .

وعلى الرغم من تنوع الموضوعات في كتب الباحث الربيعي الا انها تشترك في هدف انساني نبيل هو تسليط الضوء على حياة الفئات المضطهدة وانصافها ، فقد تناولت كتبه مواضيع وطنية وتاريخية متعددة كما رصدت ظواهر اجتماعية مختلفة مثل الفرهود والشقاوات وبحثت ايضا في شؤون الاقليات في العراق ، اليهود ، المسيحية ، الصابئة ، البابية والبهائية ، ويأتي كتابه  الصادر حديثاً عن دار الفرات للثقافة والاعلام ليعزز مسيرته في الكشف عن ملحمة وطنية وانسانية فريدة ، فحياة المناضل (عبدالله حلواص ــ 1920 ــ 1978) نموذج للانتماء الصادق والايمان اليقين بالمبادئ ، فهو رجل كاسب فقير الحال وزاهد في الملذات ولا يملك من حطام الدنيا سوى ما يرتديه من ملابس لا تزيد على دشداشه ثقبتها شرارات سكائره، وعقال ويشماغ قديم وسترة أكل عليها الدهر وشرب أما البيت الذي عاش فيه فيصفه في حديث الى الباحث (كان بيتنا عبارة عن خربة لا تقفل بابه وغرفة بائسة موحشة وبلا شبابيك وفراشنا لا يقي من البرد وكان البيت يفتقر لأبسط مستلزمات بيوت فقراء المدينة ص 149) وقد آمن حلواص بالنظرية الماركسية واستوعب تفاصيلها عن وعي وقناعة حيث درس في السجن الاقتصاد السياسي والفلسفة المادية الديالكتيكية وهضم كتاب رأس المال فصار بعدها متحدثا لبقا ومحللا ثاقبا لطبيعة الاحداث وحركة التاريخ وفق هذه النظرية كما صار مرجعا يعود اليه الدارسون للماركسية في أمور يصعب عليهم تفسيرها حتى انه صار يوصف بـ (عبدالله ديالكتيك)، وجاء الكتاب ليزيح الستار عن نشأة هذا المناضل في ظروف معيشية صعبة اتسمت بالفقر والحرمان والأمراض وصولا الى مشاركته في بناء الخلية الأولى للحزب الشيوعي في مدينة الديوانية عام 1939 ثم انغماسه في العمل السياسي الذي دار به في سجون العراق وتعلم القراءة خلال وجوده الدائم في سجون العهد الملكي والجمهوري ومنها سجن الشرطة الخيالة في الديوانية، سجن الحلة، سجن الكوت، سجن نگرة السلمان، سجن بعقوبة، معتقل الفضيلية ، سجن بغداد المركزي، حيث ذاق فيها مرارة التعذيب والحرمان من ابسط حقوق السجين السياسي وكذلك مشاركاته في انتفاضات الشعب العراقي للأعوام 1954 ، 1956 ، 1957 وقبلها وثبة كانون 1948 ، وقد اعتمد الباحث الربيعي في سرد معلومات كتابه على عدد من اللقاءات والمقابلات كان قد اجراها مع المناضل عبدالله حلواص في المقاهي خلال منتصف السبعينيات اضافة الى استعانته بأحاديث الذين واكبوا مسيرته من الشخصيات الوطنية خصوصا رفيق دربه المناضل " هادي ابو ديه " كما استعان كذلك بكتابات كل من القاضي زهير كاظم عبود والروائي سلام ابراهيم والكاتب ثامر امين الذين شهدوا جانبا من حياة وشخصية هذا المناضل الصلب وتصدرت الكتاب مقدمة كتبها الروائي العراقي سلام ابراهيم تضمنت ذكريات جمعته بعبدالله حلواص في مقهى عبد طامي . واللافت للنظر في هذا الكتاب هو ذاكرة المناضل عبدالله حلواص التي تحتفظ بوقائع وتواريخ دقيقة للأحداث وشخصياتها التي مر بها تاريخ العراق حيث ذكر اسماء عدد كبير من المناضلين الذين تصدوا بشجاعة لانقلاب شباط 1963 وكذلك اسماء من تم تصفيتهم على ايدي قطعان الحرس القومي .

لقد خلد الشعراء سيرة هذا المناضل حيث ذكره الشاعر سعد جاسم في واحدة من قصائده التي يستحضر فيها واقع مدينته ــ الديوانية ــ واهلها الطيبين:

يحضرُني (عبد الله حلواص)

وهوَ ينتهلُ " الفكرةَ " الباسلةَ

ويُقطّرُها عسلاً أحمرَ

ويشعلُها ضوءاً في أرواحِ الحالمينَ

بـ (الوطن الحر والشعب السعيد)

كما رثاه الشاعر كزار حنتوش في قصيدة قصيرة جسدت صدمة رحيله:

عبد الله

ذو السترة

والوجه المائل للأرض قليلا

والعين الغافلة اليسرى

الجائع في كوخ قصبي

عبدالله الحاضر في العسر

الغائب في اليسر

مات .

كتاب (عبد الله حلواص) يزيح الستار عن خفايا شخصية فريدة في نضالها وتاريخها ،عاشت بيننا لكنها لم تثير انتباه الكثير بسبب زهدها وتواضعها وقد أنصفها الباحث المثابر نبيل عبد الامير الربيعي بجهده الرائع وذلك في الكم الكبير من المعلومات واللقاءات التي ظل محتفظا بها طيلة نصف قرن وجاء الوقت ليكشف عنها ويقدمها نموذجا لصدق وايمان وعفة ونزاهة وصلابة المناضلين الحقيقيين .  

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم