كتب واصدارات

صدور العدد 21 من مجلة "السينمائي" العراقية

دراسة السينما بين النظرية والتطبيق العملي

صدر ببغداد العدد 21 من مجلة "السينمائي" المستقلة التي تُعنى بشؤون السينما محليًا وعربيًا وعالميًا. وقد تضمّن العدد الجديد 26 مقالًا توزعت على الأبواب الثابتة من بينها الافتتاحية، وحوار العدد، وملف العدد، وسينمائيون عراقيون، ودراسات، وإضاءات، ونقد، وقراءة في كتاب، ومهرجانات، وملتقيات، ومتابعات سينمائية وخاتمة العدد.

كتب رئيس التحرير عبدالعليم البنّاء مقالًا بعنوان "نهضة سينمائية حافلة" ركّز فيه على ثلاثة مَحاور مهمة وهي مبادرة دعم السينما العراقية من لدُن رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني. كما أشار إلى افتتاح جناح العراق الرسمي في الدورة 78 لمهرجان "كان" السينمائي الدولي، ثم عرّج على إطلاق النسخة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي للمدة من 15- 21- 2025 بعد النجاح اللافت الذي حققته الدورة الأولى وفتحت آفاقًا سينمائية جديدة للمخرجين العراقيين في الداخل والخارج على حدٍ سواء.

أمّا مقال "إعلان القائمة القصيرة لمبادرة دعم السينما العراقية" المُوقّع باسم "السينمائي- خاص" الذي يكتبه في العادة أحد أعضاء هيأة التحرير فقد تضمّن أسماء الأفلام الفائزة وهي الأفلام القصيرة، والأفلام الروائية الطويلة، والأفلام الوثائقية الطويلة، إضافة إلى أفلام مرحلة ما بعد الإنتاج. ومن بين الأفلام الروائية الطويلة الفائزة فيلم "الممسوس" لعلي شميل، و"السقوط في مدار التنيم" و"أمير نفسه" لمحمد هذال، و"كعكة الرئيس" لحسن هادي الذي مثّل العراق رسميًا في الدورة 78 لمهرجان "كان" السينمائي الدولي وحاز على جائزتيّ "الكاميرا الذهبية" و"اختيار الجمهور". أمّا في باب الأفلام الوثائقية الطويلة فقد وصلت إلى القائمة القصيرة ثلاثة أفلام وهي على التوالي:"الموت عند الشعوب" لصباح سامي، و"نغم العراق" لحسن جعفر، و"حضارة الماء" لصلاح أبو زيد. وفي مرحلة ما بعد الإنتاج وقع الاختيار على خمسة أفلام وهي:"البحث عن الفيلسوف" لمنير صلاح، و"لم تكن وحيدة" لحسين الأسدي، و"أنا وأمي" لدلپاك مجيد، و"أم السكتة" لزهراء غندور، و"مدينة تحت الصفر" لميرو علي. جدير ذكره أنّ المبلغ الذي رُصد لمبادرة دعم السينما العراقية قد بلغ 5 مليارات و170 مليون دينار عراقي. وقد قدّم السينمائيون العراقيون 374 مشروعًا سينمائيًا وصل منها إلى القائمة القصيرة 86 مشروعًا بينها أفلام روائية ووثائقية وقصيرة تمثِّل كل الأطياف والرؤى العراقية المتنوعة. وفي السياق ذاته تجري الاستعدادات لإطلاق مُلتقى بغداد للأفلام والعمل على تحقيق حلم طال انتظاره وهو تأسيس هيأة الأفلام العراقية؛ وهي مؤسسة رسمية تحمي صنّاع السينما وتضمن استمرارية هذه الصناعة وتطوّرها.1606 cenama

حوار مُفعم بالأمل

حسنًا فعل الصحفي المخضرم والدؤوب عبدالعليم البنّاء حينما حاور في هذا العدد الدكتور جبار جودي نقيب الفنانين العراقيين ومدير عام دائرة السينما والمسرح الذي أكدّ "بأنّ عام 2025 سيكون عام السينما بامتياز". وقد ركّز في متن حواره الجميل والمفعم بالأمل على تصريح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي قال في إشارة غير مسبوقة من قِبل المسؤولين العراقيين:"إنّ الفن يُعدّ ضرورة مُلحّة وينبغي دعمه كما ندعم قطّاع الصحة". وأشار الدكتور جودي إلى أنه قدّم مقترحًا بإقامة أربعة مهرجانات سنوية وهي مهرجان السينما، والمسرح، وپينالي بغداد للفنون التشكيلية، ومهرجان الموسيقى والفنون الشعبية. وذكر في معرض إجاباته الشائقة على إنتاج فيلم روائي طويل، وآخر وثائقي طويل، إضافة إلى فيلم تحريك. كما أشار إلى ترميم فيلم "سعيد أفندي" للمخرج كاميران حسني الذي تمّ عرضه في "كان كلاسيك" 2025. وتوقف جودي عند دعم رئيس الوزراء لإنجاز أربعة أفلام روائية طويلة بمبلغ 800 مليون دينار عراقي. كما يتهيأ القائمون على مهرجان بغداد السينمائي لتنظيم ماستر كلاس لعدة اختصاصات وهي التصوير، والإخراج، والمونتاج، والصوت والخدع البصرية.

يتلهّف القرّاء ومحبّو الفن السابع مواد "ملف العدد" سواء أكانت مخصصة لمخرجين أم فنانين أم عاملين في التخصصات التقنية الأخرى. وملف هذا العدد مُكرّس لـ "دراسة السينما" وجدواها ومعرفة الفروق الجوهرية بين الجانبين التنظيري والعملي. وقد ضمّ هذا العدد ثماني دراسات تختلف في مضمونها ومقارباتها الفنية والفكرية. وسنقدّم في هذه التغطية قراءة موسعة لأبرز ما جاء في هذه المقالات التي استهلها رئيس التحرير بمقالة تحمل عنوان "آفاق تدريس السينما في كليات ومعاهد الفنون الجميلة" التي ركزّ فيها على "ابتكار أساليب تعليمية جديدة تُسهم في رفع مستوى التعليم وسرعة استجابة الطالب للمحتوى التعليمي وبطرق سهلة وسريعة".

الدراسة النظرية والتطبيق العملي

أمّا الدكتور صالح الصحن فقد أشار إلى ضرورة دراسة السينما بمستويات متدرجة منهجيًا "الدبلوم والبكالوريوس والماجستير والدكتوراه وما بعدها". فيما تساءل الدكتور ماهر مجيد ابراهيم قائلًا:"هل أنّ العمل في الفن السينمائي والدرامي التلفزيوني بحاجة إلى دراسة نظرية أكاديمية أم أنّ الدراسات النظرية في واد والتطبيق والاشتغال بتخصصات  صناعة الصورة المرئية في وادٍ آخر؟" وأضاف بأننا في العراق لا نمتلك تقاليد راسخة في صناعة الصورة أو أي بنىً تحتية حقيقية تمكّن الصانع من امتلاك أدواته وصناعة نص سردي صوري. وخلص إلى القول بأنّ "الدراسة تختلف نسبة معينة عن التطبيق".

رصد الدكتور سالم شدهان في مقاله الموسوم "السينما ما بين الكتاب والتدريس والذكاء الاصطناعي" أوضحَ فيه "أنّ السينما هي من أكثر الفنون التزامًا بالتطورات التكنولوجية وهي غذاء روحي لا يتخلى عنه أحد" ونصح دارسي هذا الفن بعدم التقولب في نظام معرفي ثابت قوامه كتب مارسيل مارتن". ونبّه إلى "أنّ الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يكتب نصوصًا ويصوِّرها ويمثِّلها بتقنيات مذهلة" وأشار إلى أنّ أفلام ماتريكس أو "المصفوفة" الذي أنجزته المخرجتان الأمريكيتان الشقيقتان لانا ولِيلي وتشاوسكي سنة 1999بأجزائه الثلاثة"استطاع أن يرتقي بموضوعة الذكاء الاصطناعي وينظّم العلاقة ما بين الإنسان والآلة". وثمة إشارة مهمة إلى فيلم "العصر الحديث" التنبؤي الذي "كشف من خلاله سيطرة الآلة على العقل البشري".

انتقى الناقد السينمائي علاء المفرجي في مقاله "الدراسة الأكاديمية للسينما" أربعة مخرجين مهمين وركّز على مشاريع تخرجهم وأولهم سكورسيزي الذي أنجز "مَن يطرقُ بابي؟" وتبعه دامين شازيل الذي وضع اللمسات الأخيرة على مشروع تخرجه "إصابة في الرقبة" عام 2013 ثم واصل عمله حيث أخرج "لا لا لاند" الذي رسّخه كواحدٍ من أهمّ مخرجي جيله. كما قدّم تاركوفسكي مشروع تخرّجه "المدحلة البخارية والكمان" عام 1961 "وهو الفيلم الذي ميّزه باستعماله الفريد للصورة والرمز الذي عُرِف به". ولم ينس المفرجي الإشارة إلى "أمبيلين: بوصفه مشروعًا للتخرّج أيضًا.

لا تعتمد مناهج السينما، كما يذهب المخرج علي حنون، في مقالة "الفن كصنعة" على المناهج النظرية وإنما تعوّل على الجوانب العملية كثيرًا. فالسينما فن زمكاني. ويُورد مثالًا على مدرسة لودز Lodz التي تعتمد على الدمج المتوازن في التدريس بين ما هو عملي وما هو نظري وبأسلوب أكاديمي صارم.

ومن ضمن مواد الملف تحاور علياء المالكي الدكتورة شذى العاملي التي تشغل منصب رئيس قسم الفنون السينمائية والتلفزيونية في كلية الفنون الجميلة. وترى العاملي بأنّ التعليم في هذا القسم يعتمد على التكامل بين الجانبين النظري والتطبيقي. وتعتقد المالكي بأنّ هناك في دورات المعايشة مع الجامعات العالمية أو حتى شركات الإنتاج لتعزيز هذين الجانبين. وترى بأنّ السينما العراقية مقبلة على مرحلة نضج فني.

أطروحة التخرّج ثمرة فجّة

يتناول الناقد رضا المحمداوي في مقاله "دراسة السينما أكاديميًا . . أحجار في المياه الراكدة" الواقع الذي تعيشه دراسة الفن السينمائي الذي لا يبدو مشجعًا لفكرة التحديث أو التطوير في المناهج الدراسية المخصصة لتدريس هذا الفن الصعب. ويُوصف "أطروحة التخرّج التي يمسك بها الطالب المتخرج بكلتا يديه بالثمرة الفجة وغير مكتملة النضوج ولا تفصح عن الطاقات والمواهب والقدرات السينمائية المحترفة التي يمكن الاعتماد عليها في صناعة سينما عراقية". فليس هناك اختصاص كاتب سيناريو أو  "الإدارة الفنية" والتصوير، والتصميم، وتنفيذ الإضاءة والمونتاج وما إلى ذلك، فالجميع يتخرجون وهم يحملون صفة المخرج السينمائي. وينتقد بعض الكليات التي دمجت بين فنون واختصاصات "السينما والتلفزيون" ليصبحا قسمًا فنيًا واحدًا من حيث الإدارة والتنظيم والدراسة وبذلك ضاعت الحدود الفاصلة وألغيت المسافات بينهما على الرغم من أهمية الفروقات القائمة بين هذه الأنواع الفنية.

وفي باب "إضاءة" يرصد الناقد والمؤرخ مهدي عبّاس في مقاله "حراك سينمائي لافت للنظر" أربعة أفلام عراقية سجّلت حضورًا في صالات السينما ببغداد والمحافظات العراقية وهذه الأفلام هي: "باب رقم 7" لأنس منفي، "أناشيد آدم" لعدي رشيد، "ندم" لريغا البرزنجي و"الوكيل" لكرار الميساني. وقد حقق فيلم "ندم" إيرادات كبيرة بلغت 300 مليون دينار عراقي وهو مبلغ لم يحققه أي فيلم عراقي من قبل. وقد تمكن المخرج  من إدارة ممثليه إدارة جيدة في هذا الفيلم الذي ينتمي إلى الخيال العلمي.

يواصل السينارست والمخرج سعد نعمة تسليط الضوء على السينمائيين العراقيين من مختلف النِحل والقوميات العراقية في باب "سينمائيون عراقيون". وفي هذا العدد قدّم لنا الممثل والسينارست والمخرج الكوردي طارق عقراوي الذي عرفناه في العديد من المسلسلات والأعمال المسرحية الكوردية. كما أخرج فيلم "رقصة التمثال" وينهمك حاليًا في كتابة سيناريو طويل بعنوان "قرن الماعز"، ويضع في الوقت ذاته اللمسات الأخيرة على فيلم وثائقي تدور قصته عن شخص مصاب بالتوحّد.

الفلكلور بعيون طلابية

احتفى العدد 21 بعدة تغطيات لمهرجانات محلية وعالمية أبرزها الدورة الـ 78 لمهرجان "كان" السينمائي الدولي الذي حصل فيه جعفر بناهي على جائزة السعفة الذهبية عن فيلمه المعنون "لم يكن سوى حادث". كما فاز المخرج البرازيلي  كليبر مندونسا فيليو بجائزة أفضل مخرج عن فيلم "العميل السرّي" الذي حاز أيضًا على جائزة أفضل ممثل. فيما كُرِّم الفنان روبرت دي نيرو بجائزة السعفة الذهبية الفخرية تكريمًا لإرثه الفني الكبير. وعطفًا على مهرجان "كان" الذي عُرضت فيه النسخة المرممة لفيلم "سعيد أفندي" للمخرج كاميران حسني. كما احتضن سوق الأفلام مشروع فيلم "إيڤيلين" للمخرج العراقي نوزاد شيخاني. أمّا المهرجان المحلي الطلابي الأول الذي انضوى تحت عنوان "الفلكلور بعيون طلابية" فقد اشتمل على عدة أفلام عراقية من بينها "الحزاوي النول" لمرتضى أبو المعالي الذي يتمحور على صناعة البُسط والحياكة في معمل النسيج اليدوي بمدينة "الحمزة الغربي" وفيلم "سوق الصفافير" لعلي حسين قادر وفيلم "الأسرّة" لعلي غني.

كتبت الدكتورة ورود ناجي العارضي مقالًا جميلًا بعنوان "صناعة السينما بين الذكاء الاصطناعي والبشر: مَن يتفوق؟" وتساءلت في بداية المقال قائلة:"هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلّ محل المخرج أو الكاتب أو حتى الممثل؟ ومَن المتفوق في هذه الصناعة المعقدة: الإنسان أم الآلة؟ "فـالذكاء الاصطناعي من وجهة نظر الدكتورة ورود يتفوّق على الإنسان في الكفاءة والسرعة والتحليل، ويقلل من التكاليف بشكل كبير" لكن الصناعة البشرية تتفوق بالإبداع العميق والقيم الفنية العالية. "وأنّ الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن ينتج فيلمًا خالدًا بمفرده وهو ليس بديلًا عن الإنسان، بل هو شريك يمكنه تعزيز قدرته الإبداعية".

وفي باب "ملتقيات" نقرأ خبرًا مطولًا عن تكريم هيأة تحرير مجلة السينمائي وهم سعد نعمة، عبدالعليم البناء، مهدي عباس، محمد عبدالحميد وحيدر حبة لمناسبة إصدار العدد 20.

ثمة دراسات أخرى عميقة احتفت بها المجلة وهي "السينما السياسية: أفلام كوستا غافراس أنموذجًا" للناقد رضا الأعرجي تناول فيها عددًا من الأفلام من بينها "زد"، "حنّا ك"، "مفقود" و"البالغون في الغرفة" إضافة إلى ثلاثة أفلام سابقة جسّدت معركته مع المؤسسة الأوروپية العريقة وهي "مدينة مجنونة"، "الفأس" و"رأس المال".

وخصّ المخرج والناقد السينمائي استناد حدّاد المجلة بدراسة شائقة انضوت تحت سؤال مفاده"كيف استطاعت أستراليا أن تخترق هوليوود بفن الرسوم المتحركة؟ تابع فيها عددً غير قليل من أفلام الأنيميشن من بينها "الدودة ويلي" و"الأرنب الصليبي" و"ليجر"، "فتى الجَمل"، "علي بابا" المستوحى من "ألف ليلة وليلة" وفيلم "أقدام سعيدة" الذي حاز على جائزتي الأوسكار والبافتا.

مرض الحنين إلى الأوطان

تضمّن العدد الجديد دراستين نقديتين: الأولى، "بانزو . . مرض الحنين للأوطان" للناقد سمير حنّا خمورو الذي اختار أن يكتب عن أحد الأفلام الپرتغالية ويُدين الاستعمار الپرتغالي. وقد وصف هذا الفيلم بقوته البصرية المُدهشة رغم أنه يتحدث عن استغلال الأفارقة العبيد الذين يعملون في المزارع الواسعة  للپرتغاليين ويتبعون طرقًا بشعة ولا إنسانية في التعامل معهم.

أمّا  كاتب  هذه السطور فقد تناول فيلم "صفر" للمخرجة إيمان خضيّر؛ هذا الرقم الإشكالي الذي يتعالق مع الفكرة الفلسفية التي تتمحور حول ثنائية الوجود والعدم.

تناول أحد أعضاء هيأة التحرير كتاب "تصوير الهامش وشعرية الخطاب في السينما الإيرانية" لحميد عقبي الذي أكد فيه على أنّ السينما الإيرانية لا تقلّد الأنموذج الغربي، بل تكرّس هوية سردية وبصرية مستقلة.

نقرأ في "متابعات سينمائية" خمسة أخبار عن عادل إمام، وعرفان رشيد، ويسرا، وياسمين عبدالعزيز وسلاف فواخرجي. أمّا مسك الختام فقد جاء كالعادة بقلم الدكتور جبار جودي الذي كتب مقالًا بعنوان "نحو دورة جديدة من مهرجان بغداد السينمائي" الذي كشف فيه عن إنتاج فيلم روائي طويل وثلاثة أفلام قصيرة. وسوف تكون تونس "ضيف الشرف" أمّا فيلم الافتتاح فهو "سعيد أفندي" الذي رُمم في الدورة الـ 78 لمهرجان "كان" السينمائي لسنة 2025.

***

عدنان حسين أحمد - لندن

في المثقف اليوم