حوارات عامة

الاعلامية نيفين الهوني تحاور الشاعرة والروائية هيام قبلان

hyam_qabalan- الأديب في فلسطين كالبائع المتجوّل لنشر فكره وابداعه ..!

اللغة العربية بمفرداتها تنام في سريري وتختبئ تحت وسادتي هكذا قالت الأديبة التي رافقتها

طيلة حياتها المحبرة والأوراق وسحبتها أجنحة جبران وانتشت بترتّيل الملائكة بصوت "فيروز" فى قريتها الصغيرة فأنتجت مجموعاتها الشعرية السبع ابتداء من (آمال على الدروب)، انتهاء بـ (لا أرى غير ظلّي)، مرورا بـ (همسات صارخة)، و (وجوه وسفر)، (طفل خارج من معطفه)، (بين أصابع البحر)، (انزع قيدك واتبعني).

عرفها القارئ العربى شاعرة وناقدة عبر العديد من المقالات والدراسات النقدية لا بل وإعلامية وصحافية أيضا واليوم. ها هي تبدع لنا رواية بعنوان (رائحة الزمن العاري) التي صدرت في القاهرة عن دار التلاقي للكتاب، واحتفى بها فى ندوة رئيسية من ندوات معرض القاهرة للكتاب لهذا العام.

الروائية هيام قبلان التي بصدد إصدار ديوانها الثامن تحت عنوان على شفة الورد خصتنا بهذا الحوار الذي تحدثت فيه قائلة:

* القارئ الليبي قارئ متعطش للتعرف عليك فهل لك باختصار هيام قبلان في سطور؟

- ولدت في قرية عسفيا والتي تقع على قمة جبل الكرمل وتطل على مدينة حيفا، ترعرعت وأنا أركض تحت ظلال أشجار الصنوبر في الحرج الممتد عند أطراف القرية، كانت الشمس تفرد ثوبها الذهبيّ لتستريح فوق بلد النور تعانق بحر حيفا وتغفو على رمله الساخن، كانت (الأجنحة المتكسّرة) لجبران خليل جبران ترفرف فوق وجه الأفق بالرغم من الأسى وانكسار الضوء على هدب الماء، هي طفولتي التي التحفت بالموسيقى والشعر وأحلام أمّي وهي تفتح النافذة المطلّة على قمم جبل الشيخ البعيد وعلى سهل مرج بن عامر الممتد عبر الساحل فتتساقط حبات الندى على خدّيها وتنادي "آه يا لبنان" مسقط الرأس، أما أبي فقد رحل وغادر الحياة وسافر حلمه المؤجّل إلى وطنه سوريا، واراه تراب فلسطين وهو يعلم كم من الوقت احتاج كي يشحذ الفرح فلم يكن فرحه ألا (يابسا تحت اللسان) في غربته، غربة المكان وغربة الذات، كانت تينتنا القديمة شاهدة على نهر الدموع وعلى تمسّكي بالحلم كي لا يفرّ من بين يديّ، محبرتي وأوراقي رافقتني في كرمنا المليء بالمشمش والعنب واللوز وأجنحة جبران سحبتني من رمشي حتى آخر نجمة، هناك كانت ترتّل الملائكة بصوت فيروز فأنتشي.

أكملت دراستي الابتدائية في القرية والثانوية في مدرسة راهبات الفرنسيسكان الطليان في مدينة الناصرة مدينة البشارة، هناك كتبت ومزّقت من الورق كثيرا،، عدت إلى القرية وبي شوق أن ألملم قصاصاتي داخل كتاب وهكذا كان، أبى والدي الاّ أن أطبع مجموعتي الشعرية الأولى "آمال على الدروب".

دخلت جامعة حيفا القريبة من قريتي أنهيت موضوع التاريخ العام، التحقت بالتدريس، كانت اللغة العربية بمفرداتها تنام في سريري وتختبئ تحت وسادتي، مع كل الوقت الضيق أنهيت اللغة العربية والتربية الخاصة والعامة في الكلية العربية في حيفا لأنجح في طباعة مجموعتي "همسات صارخة" و "وجوه وسفر". لم أتوقف وسار بي المركب حتى مجموعتي السابعة "لا أرى غير ظلّي" بالإضافة إلى (طفل خارج من معطفه / بين أصابع البحر / انزع قيدك واتبعني / والآن على أبواب العام 2010 صدرت روايتي الأولى في القاهرة عن دار التلاقي للكتاب بعنوان "رائحة الزمن العاري".

أعمل مع نخبة من الشعراء والمفكرين من العالم العربي في (منتديات قناديل الفكر والأدب)، من أكبر التجمّعات الأدبية في شبكة الانترنت برئيسها د. جمال مرسي من مصر ومجموعة من الأدباء والنقاد والمبدعين من جميع الوطن العربي ومن فلسطين، كذلك أعمل كنائب مدير وكالة أنباء عرار للثقافة في الأردن ومشرفة على القسم الثقافي الفلسطيني.

* ما هي أهم المكونات الفكرية والثقافية التي شكلت فكرك منذ البداية؟ وهل للغربة دور فيه؟ وهل ترين أن هناك علاقة وثيقة بين القصيدة والوطن؟

- خروجي من القرية ومن بيئة محافظة إلى مدينة الناصرة بأضوائها وساحاتها، بجوامعها وكنائسها، بمتاحفها وحضارتها التاريخية، بنواديها وأديرتها، شكّلت بي فكرا حرّا لا يفرّق بين الإنسان وأخيه الإنسان، بين الدين واللون والطائفة وهذا تابعني حتى اليوم وأثرى من تطلّعاتي إلى الغد بشكل آخر دون حدود ولا حواجز، لكنني في ذات الوقت بقيت البنت الأصيلة، بنت القرية المتواضعة، حرّة النفس، الصامدة في وجه الرياح والثرثرة، والحصار الفكري للفتاة في مجتمع ذكوري لا ترحم فيه الألسنة ولا المجتمع!

غربتي عن بلدتي خلقت مني انسانة عصامية، مسؤولة، ناهضة بفكر جديد يتحدّى، يتحدّى كل ما يحاصر الابداع، لأن جميع الفنون على الاطلاق لا تعيش داخل حصار ولا سجن، تحتاج للتنفّس ولمساحات أكبر، الشعر كما الرسم وكما الموسيقى لا يمكنه العيش في الأماكن الضيقة، الشعر ليس له حدود، ومن هنا أصبحت القصيدة عندي رفيقة الوطن، والوطن رفيق القصيدة، ذات الجرح والمعاناة، ونفس فصيلة الدّم، القصيدة الألم والوطن الألم وبالقصيدة ربما استطعت أن أمنح الوطن القليل من مساحات الفرح وان كنت مقصّرة فليعذرني.

كان أبي يقول لي "أنا السيف وأنت القلم يا ابنتي" وعندما فارق الحياة ترك سيفه جانب السرير كي أحمله في الأوقات الصعبة ضد كل من تسوّل له نفسه أن يفرغ قلمي من حبره. انه صليبي الذي أسير به والحكمة التي أعترف أمامها كلّما انتابني الشوق للقاء ربّ السماء!

* بدأت شاعرة وناقدة فكيف أتيت إلى الرواية؟ وماذا وجدت فيها؟ وكيف تصفين علاقتك بها الآن وخاصة بعد صدور روايتك الأولى؟

- بدأت شاعرة لكنني كنت قارئة جيدة للرواية وبعد أن تعلّمت أدب فن الرواية وقدّمت وظيفتي النهائية عن رواية "الثلج يأتي من النافذة" للروائي الأديب السوري حنا مينة علمت أنّ بداخلي حكايات وقصص، بقدر معاناة ونزف الوطن، بقدر غربة الروح، وغربة المكان وفقدان الذات، كتبت القصص القصيرة ولم أنشر تكدّست قصصي في درج مكتبي، عشقت اللغة، وجرّبت أنواع الشعر وفنونه حتى رسيت على (قصيدة النثر) التي حاولت العقلية العربية القديمة أن تقضي عليها وتسكتها كما أسكتت صراخ المرأة وحوّلت كل أحلامها الى ممنوعات، فمنذ "ليلى والذئب" وأنا أصارع الموت البطيء داخل مجتمع يقبع تحت أردية الخيام حتى في الشعر، ولأتفه الأسباب أرادوا اعتقال اللغة وكنت أحرّرها، يميتونها وأنا أحييها، يرشونها بالرماد وأنا أخرجها لتتحوّل كطائر الفينيق خارج المكان والزمان، وعندما لم أجد من يعرف كيف يقرأ القصيدة وينقدها من جميع جوانبها تعلّمت النقد لكنني اكتشفت أنني قارئة جيدة أعرف كيف أقف أمام نص وأشرّحه وهكذا قيل عني،، لا أعتبر نفسي ناقدة لأن النقد يحتاج الى مدرسة ذاتية لا تتعلّق بكل ما تعلّمناه عن مدارس النقد، لأن مدارس النقد فقط تطبيق، أما أنا فلي مدرستي الخاصة الى ما وراء اللغة وما وراء المكان وما قبل ووراء الزمان. أما الرواية فأنا لم أخطّط لها بل هطلت عليّ لأتلقفها، كنت بحاجة لمساحة أوسع من الشعر لأتحدّى العالم، هذا العالم الذي يعيش داخل معمعة من الزحام والتشرّد والكآبة والحزن، من دمار وحروب، من حصار وموت يوميّ، من نزف وجراح، من قسوة وألم، من ترهّل حتى تبدو المدن كمقبرة جماعية حارسها حفّار القبور حامل الفأس بعد أن تخلّى عن زرع السنابل في زمن يتعرّى من كل شيء، من اللون، والرائحة والملامح، بعد صدور روايتي عانقتها وكأنها مولودي الأول، مولودي الجديد الخارج من تحت الركام ومن رحم المأساة، قلت ما أردت لكن أبقيت الكثير من الذي لم أقله لا في الشعر ولا في الرواية، فقط ما أتمناه أن يمنحني الله مزيدا من العمر لأحقّق ما أريد.

* أين تجدين نفسك ناقدة أم شاعرة أم روائية؟ أين يجدك الآخرون؟

- ثلاثة مركبات لا أفرق بينها لغتي الشعرية واضحة في سرد أحداث الرواية أكتب الرواية والنثر كما أكتب بلغة الشعر، أعتقد أن النص النثري الأدبي يجب أن يرقى بلغته الى الأعلى، أن يسمو، أن يتحول النص الى بعد آخر ومنظور آخر متعدّد الدلالات دون أن يفقد معناه ونقطته الرئيسية، في الشعر أو النثر يستطيع المبدع أن يحوّل قصيدته أو روايته أو نصّه النثري الى حياة، الى لغة تنبض، يخرج من "لغة الركام" التي اعتلاها الغبار، اللغة ليست شيئا، ليست جمادا، اللغة كائن يتحرك ويتنفس ويتمدد، اللغة لا تموت الا ان توقفنا عن ريّها (بالتجديد)، مهمة المبدع أن لا يقف عند حدود المفردة بل باستطاعته تحويل المفردات القاتمة الجافة الى مفردات تنبض بالحياة، بالربيع، بالنموّ، اللغة ليست ملك أحد، انها الطبيعة، البحر والسماء، التراب، والأنهار، الروح الشاردة المتشرّدة المتعثّرة تحت مقاصل الزمن وهرولة الانسان وراء رغيف الخبز ووراء الأسوار والحواجز والمعابر التي باتت من صنع الانسان وحده، الظروف لا تصنع اللغة بل كما الانسان استطاع أن يصنع الرصاص والبارود والأسلحة لتدمير العالم، يستطيع أن يجمّل العالم بروح اللغة المعطاءة المحبة، تحويل كلّ ما يتوقف عن حدود الفكر كي تستطيع أن تتجدّد، الويل ثم الويل لهؤلاء الذين يقبعون تحت سيطرة القاموس اللغوي الذي أكل عليه الدهر وشرب، القاموس متجدّد، الدنيا تركض حافية دون وعي، ونحن لا يمكننا أن نعود الى الخلف، بل علينا أن نصنع حضارة ورقيّ وتاريخ ليس بالدخان والبندقية بل بالكلمة، الكلمة النبع، الكلمة الحرّة، الكلمة التي تخرج من رحم الحياة وتحلّق، وهنا أنا لا يمكنني أن أتناسى لغة القرآن الكريم الصحيحة لكن الابداع يخرج من اطار المعتقدات ومن حصار الذات بمفردات لا تخضع لجفاف الزمن ولا للموت ولا للسقوط، وهكذا النقد فالعلاقة بين الناقد والنص تتعدّى النص أحيانا لأن على الناقد أن لا يتقيّد بمدرسة نقدية واحدة ليطبّق ما تعلّمه حينها سيفقد ذاته أن يكون مبدعا حقيقيا، القراءة العميقة للناقد والاطّلاع على حضارات الشعوب وعلى أنواع الفنون، اطّلاعه على الفكر المغاير يخلق منه انسانا ناقدا قبل كل شيء، وليس جزارا كما نشاهد عند البعض، وهنا يلتقي القارئ والناقد، كاتب النص والناقد وهذا مهم في كلّ الحالات.

* كيف تقيمين الوسط الثقافي والأدبي بشكل عام في فلسطين؟ وخاصة قريتك؟

- أعتقد أن الوضع السياسي والصراع الاسرائيلي الفلسطيني خلق العديد من المواهب وأثّث أرضيّة لا بأس بها لمبدعين من شعراء وكتاب، من رسامين وموسيقيين، لكن ظهور بعض الأسماء التي أثبتت نفسها في بداية الستينيات، بشعر المقاومة فسح المجال أمام هذا النوع من الشعر أن يصل الى العالم بعد أن كان خفيا تحت حصار النزف والصراع القائم،، لا أنكر أسماء شعراء اخترقوا العالمية وليس فقط لأن شعر المقاومة كان هدفهم بل لأن الشعب العربي خارج حدود الخط الأخضر كان متشوقا لمثل هذا النوع من الشعر والشاعر بطبيعته هو وليد المكان وهو مرآة الوطن وابن الحياة قبل أن يكون مرآة لنفسه، لكن مع انطلاق أقلام جديدة واختراق التجديد على القصيدة والتي تحولت من قصيدة منابر الى لغة الناس والذات والتعبير عن الهم الذاتي وأيضا الجماعي نتج أدب آخر يحاكي الهم الانساني وليس فقط الفلسطيني، اليوم ومع دخول الانترنت الى كل بيت لم يعد من الصعب على الصوت أن يصل، مع أنني لست بجانب كل ما يصل من ثقافتنا الى العالم، هناك من الغثّ كما السمين، ولا يخفى على القارىء الذكي والمثقف أن يفرّق بين المادة الجيدة والمهترئة، فلسطين أنتجت محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، أنتجت اميل حبيبي، وغسان كنفاني وغيرهم من الأسماء العلم، الحركة الثقافية في فلسطين لم تتوقف برحيل محمود درويش ولا بمن رحل من هؤلاء انما كل الأدوار التي أتت بعدهم ترك مبدعوها بصماتهم على المسارح والتاريخ والثقافة مع كل الظروف التي كان من الممكن أن تقف حائلة بين اختراق هذه الأصوات الى العالم العربي والأوروبي.

يبقى أن أقول ان مساحة المبدع داخل فلسطين هي مساحة ضيقة وأتحدث عن الوسط الأدبي داخل الخط الأخضر لعرب ال48، فكلّ أديب يسوّق نفسه بنفسه، لا يتكئ على هيئة أو مؤسسة أو دار نشر ترعى كتاباته، بل يتحول كالبائع المتجول لنشر فكره وابداعه، المؤسسة ليست عربية، ولغة الدولة هي العبرية وكان بالامكان فقدان لغتنا كما الهوية والانتماء لكن الشعب الفلسطيني مكابر ومغامر يردم وينهض، يموت ويولد من جديد، والتمسّك بلغة الضاد كالتمسّك بالأرض والعرض، هذا ما بقي له وعليه أن يواجه، المعركة ليست معركة مع المؤسسة فقط بل مع اثبات هذا الانتاج الأدبي والثقافي أمام الشعوب العربية خارج الوطن، ومواجهة النقد بتقبّل ما يكتبه المبدع بين الأوساط الأدبية.

بالنسبة لقريتي لم تعد البنت الصغيرة تأوي الى سريرها حين يسدل الليل ستائره، بل عملية التحدّي لزعماء القبيلة، وكمّ الأفواه، الخروج من الدائرة الضيقة الى النطاق الأوسع، العلاقات الثقافية والتعرّف على الآخر ولغته وحضارته، كلها عوامل أدت لتغيير الفكر القابع تحت نير الجهل، انّ التطوّر المدني والحضاري كان له بالطبع التأثير الكبير بعملية التغيير، فقريتي (عسفيا) معروفة الآن سياحيا، وثقافيا، وتاريخيا، فيها المسرح، والنوادي، والمؤسسات الرسمية التي تخدم المواطن العربي، لكن نحن كمبدعين بحاجة لاطار يجمعنا يوحّدنا ويخرجنا الى الفضاء الأوسع، كلّ بمجهوده وأدواته وابداعه،، أنا على أمل دائما أن الصوت القوي سيصل، النص المدهش لا بدّ وأن يستقطب المتلقي، المادة القيّمة ستبقى، نحن بحاجة لعملية غربلة ليس فقط داخل المستوى القروي، والفلسطيني انما في الحركة الثقافية والأدبية في العالم العربي.

* استرعت انتباهي جملة ذكرت في احد حورارتك تقولين فيها (بعد عدة دواوين شعرية و مجموعة قصصية قررت إصدار رواية أولى بعنوان رائحة الزمن العاري) متى يكون الإبداع قرارا؟

- الابداع ليس له وقت ولا مكان ولكن حين يهبط على الكاتب نجم من السماء ساعة التوحّد، كما لحظة الاشراقة المجنّحة للقصيدة، لا تستطيع الذات المبدعة الرفض، أو التخلّي، بل تقف أمام جبروت اللحظة لتدنو من الحقيقة، والرواية بحد ذاتها كلّ ما لم يراه الكاتب من حوله ولا يراه غيره من أحداث ومشاهد، من أصوات، من ألم، ومعاناة، من حزن وفرح، خيط رفيع يفصل ما بين الرواية والشعر هو أنّ الرواية تبنى، ويخطّط لها فهي كالثوب بحاجة الى خيّاط ماهر ان ترك ثقبا عليه أن يعود لترتيقه، وترتيق ثوب الرواية ليس سهلا، فقدان الأشياء الفسيفسائية في الرواية يؤدي لعمل غير مترابط، لعمل فاشل لم يؤد مهمته، لذا حين قلت (قررت اصدار رواية) كنت قد انتهيت من خياطة الثوب وتطريزه وتلوينه وما بقي سوى القليل من الرتوش بما فيها مراجعتها قبل ادخالها الى المطبعة، ليس المهم فقط الغلاف الجميل، انما (الحشوة) وأنا أصفها بالرغيف المحشو اذا فقد نكهة الطعام يوضع على سور حديقة حتى تأتي طيور جائعة وتلتقطه. من هذا المنطلق الرواية عندما تكتب وكي تبدو متكاملة تدخل بداخلها عدة عوامل، من لغة متميزة، الأسلوب، السرد، العملية الابداعية الفنية، تسلسل الأحداث، الترابط بين الأحداث، عملية خلق الشخصيات ونموها في الرواية، وطبعا بداية الرواية وشكل النهاية، وهل هذا ليس وجبة كاملة، غذاء للروح والجسد؟

* روايتك الأولى تتحدث عن قضيتين مهمتين الأولى وضع المرأة الأرملة أو المطلقة في المجتمعات الذكورية و القضية الثانية معاناة عرب 48 في ظل الاحتلال هل هناك صعوبات يواجهها الأديب الفلسطيني داخل الخط الأخضر للوصول إلى المنابر الثقافية في الخارج؟ وهل للدولة الإسرائيلية دور في توطين المعوقات إمام الأدباء العرب؟

- للأسف الشديد ومن خلال سفري وتجولي بالدول العربية التي أستطيع زيارتها ومسموح لي كأديبة وشاعرة تسكن داخل الخط الأخضر بدخولها أدركت كم المواطن العربي يجهل حقيقة وجودنا ولا يعلم عنا وعن حياتنا ومعاناتنا، يجهل أسماء أدباء وشعراء هم من خيرة المبدعين ويضاهون ما يكتب في العالم العربي، وهناك عدم تفهّم للكاتب والشاعر الفلسطيني الذي يسكن في دولة اسرائيل اذ ينقلب الى (متعاون) مع الدولة وأحيانا بتعبير بعضهم خائن، يحمل جواز سفر اسرائيلي وهوية اسرائيلية، وأنا أقول أعطوني جوازا آخر وهوية أخرى، امنحوني وطنا آخر أعيش فيه، هل يمكنكم التخلّي عن أرضكم ووطنكم، أعطوني حلا،، أريد حلا مقنعا، أريد بقعة من الأرض أنتمي اليها، وهل لي غير أرضي، هل أتركها للغرباء؟ هل أمرّ على الحواجز وفي المطارات دون تفتيش وأنا حاملة الجواز الاسرائيلي؟ من يعتقد ذلك مخطىء فنحن نعتبر أقليات في دولة غير عربية نعايش الوضع، ونسير، نلتحف بالضوء والحلم والغد، أنا أرفض أن أكون مقنّعة وبمئة لون، أنا واضحة كعين الشمس، من يعرفني يعلم أنني من هنا من هذا الوطن الجريح، كفانا مهزلة، ومن يريد معرفتنا عن قرب فليبحث عنا، وعن وضعنا، وعن الصعوبات التي نواجهها في وصولنا الى المنابر الثقافية في الخارج، من جهة أخرى الأديب العبري له دولته ولغته ومؤسساته، يرعاه اتحاد الكتاب العبريين ومؤسسات ثقافية وحكومية أخرى وينشط خارج الدولة من خلال الترجمة الى لغات أخرى أما نحن نصل بمجهودنا الشخصي وبصعوبة فليس من مصلحة الدولة ايصال فكر المثقف العربي الى الخارج لذا نجد أن الدوائر الثقافية مفصولة عن الدوائر العربية وحتى المجالس المحلية التي ترعى طلبات المواطنين في القرى والمدن العربية، الموضوع ليس فقط الثقافة، الموضوع متشعّب، ملاحق بالتمييز، وقمع الذاكرة الجماعية والفكر، نحن لا نواجه ردود فعل سلبية ممّ نكتبه من الداخل فقط وانما من الخارج، تحدّنا الحدود التي خطّط لها الزعماء ونحاول اختراق الحدود عن طريق الشبكة العنكبوتية وتواصلنا بالعالم العربي والأوروبي حتى نسمع صوتنا، هي مشكلة ستبقى ما دامت القضية الفلسطينية دون حل،، عدم التطبيع مع اسرائيل محفّز للدول العربية بعدم مشاركتنا بمهرجانات ولقاءات في الخارج والسؤال،، الى متى، والى أين سنصل؟

* هل أثرت على كتاباتك في نظرة العالم العربي لعرب ال48 وهل تشعرين بأن بلادك خذلتك يوما؟

- بلادي وطني فلسطين الذي أحب، أرضي التي أحافظ عليها وأرعاها، لكن هذا المكان كدولة نعم خذلني،، وفي اجابتي السابقة ربما اضافة أخرى لما كنت سأقول، أما نظرة العالم العربي لعرب ال48 لم تؤثر بتحويل كتابتي الى وطنية وقومية أكثر، بل أنا كما أنا ولا أحب الزيف ولا المراوغة، وقد أعلنت عن هذا العام الماضي في معرض الكتاب في القاهرة عن نظرة الشعوب العربية لنا كفلسطينيين داخل الخط الأخضر وكأننا لسنا الجزء الأكبر من القضية وكأننا لسنا الذين بقينا في أرضنا ودافعنا عن حقوقنا حتى الرمق الأخير وفقدنا من أبنائنا، شعور صعب أن يتواجد في داخلي وطني الصغير ولا أستطيع الخروج به الى مكان آخر أحبّه وأنتمي اليه روحا وجسدا.

* في ظل الحياة التي تعيشينها داخل فلسطين هل بإمكانك تحديد خطواتكم العملية والإبداعية وإيصال رؤاك إلى لمبتغاها ومن وجهتك نظرك هل سيكون لصوتك الابداعى أصدائه المؤثرة؟

- خطواتنا العملية ليست ببعيدة عن كتاباتنا اذ أنّ التصدّي والدفاع عن الحق والعدالة المفقودة على أرض الواقع يظهر في ابداع الكاتب العربي داخل الخط الأخضر، ليس هناك من يكتب ولا يتطرّق الى فقدان الهوية والعدالة والبحث عن الذات، عن الصراع وعن القضية الفلسطينية، بالنسبة لي شخصيا أعترف أنني وصلت لنسبة كبيرة من القراء في الوطن العربي لكن طموحي بلا حدود، لأنني لم أشعر يوما أنني وصلت القمة وأنّ من يظن أنه وصل اذا ما نشرت له صحيفة ألكترونية أو تقبّل ردودا من القراء من خلال موقع يكون مخطئا لأن عملية الابداع ليس لها قمة ولا نهاية، ومن يشعر بأنه وصل يكون قد أفرغ كلّ ما لديه وفقد ابداعه،، أتمنى أن يكون لصوتي أصداء تؤثّر بتغيير نظرة المثقف العربي لنا كمبدعين من الداخل، أنتهز الفرصة لأقول أن الكتابة اذا ما وصلت الى مكان اليوم، غدا ستصل الى مكان آخر، لا الحدود ولا الأنظمة تستطيع اخماد النار المشتعلة في فكر المثقف والمبدع.

* كيف صغت تجربتك العملية مع المعاقين في تجربتك الأدبية؟

بعد عملي في مؤسسة للأولاد المعاقين خلال 10 سنوات نتج عمل ابداعي صنّف كقصة قصيرة كتاب (طفل خارج من معطفه) عن معاناة ومشاكل الانسان المختلف داخل مجتمع ينظر اليه نظرة مختلفة وكأنه سقط سهوا من الفضاء الخارجي، الكتاب لاقى استحسانا لدى العائلات التي تعاني من تواجد فرد من أفراد العائلة كمختلف، أنا لا أحبّذ أن أنادي مثل هؤلاء الأولاد بالمتخلفين بل بالمختلفين، انهم الوجه الآخر في هذا العالم، الوجه الذي ضاعت ملامحه فمجتمعنا الشرقي لا يحمل الوعي الكافي لمعاملة وتقبّل هؤلاء الأولاد بشتى اختلافاتهم لذلك كانت تجربتي باصدار كتاب رسالة الى هذا المجتمع وصرخة علّه يصحو من سباته العميق.

* لا يمكن لكل أديب أن يكون إعلاميا فكيف استطعت الموائمة بين إبداعك الادبى وعملك الصحافي في صحيفة الصنارة والاعلامى في إعدادك وتقديمك للبرنامج الأدبي في "راديو المحبة"؟

- الله وهبني صوتا اذاعيا وفراسة وتقنيات اللفظ الصحيح، والاعلام بحاجة لصوت ملائم وأيضا ضليع باللغة، وحضور، ومواجهة وأيضا جرأة، أحمد الله أنه وهبني كلّ هذا ففي صحيفة (الصنارة) عملت لمدة سبع سنوات من خلال زاوية أسبوعية خاصة بعنوان " على أجنحة الفراش"، لم يكن عملي أدبي فقط بل تطرقت لعدة مواضيع اجتماعية وفلسفية وفكرية ووطنية والحمد لله استقطبت عددا كبيرا من القراء، أما عملي كمذيعة ومعدّة لبرنامج أدبي في "راديو المحبة" ببرنامج (طلّ القمر) فقد كان حلمي الذي حققت من خلاله الكثير من أهدافي وأهداف غيري بلقاءات مع الشعراء والأدباء من فلسطين الداخل وعبر الخط الهاتفي ببث حيّ ومباشر مع نخبة من الاعلاميين والكتاب من دول عربية.محطة الاذاعة أقفلت من قبل الدولة لأسباب عديدة. الموائمة بين الأعمال كانت تحتاج للكثير من الصبر والتأني وتنظيم الوقت وحبّ العمل وأنا امرأة بطبعي متنقّلة من مكان الى آخر، بين الثقافات والحضارات وهذا أيضا يحتاج الى اطّلاع وثقافة ذاتية.

* ولجت عالم شبكة المعلومات وكانت لك كتاباتك التي بالتأكيد احتفى بها الآخرون في الوطن العربي كيف كان شعورك عند نشرك أول نص وكيف تتعاملين مع هذه الشبكة وهل ترين إن الاحتفاء بك في الخارج أفضل من احتفائهم بك في الداخل؟

- مدة طويلة لم أكن أتعامل بها مع الشبكة العنكبوتية وفجأة وجدتني انزلق الى هذه الهوّة حيث لا قرار، أنسلخ عن العالم من حولي وبقربي وأتعامل مع العالم البعيد من خلال النت والمنتديات والمواقع، عالم النت رهيب، مخيف لمن لا يحسن التعامل، اغراء، وانجذاب، وادمان، لكنني في كلّ خطوة كنت أضع أهدافي وأقلّب بين يديّ صفحات هذا الموقع وذاك، هذه الصحيفة الألكترونية وتلك هذا المنتدى الأدبي وآخر، لا تحضرني الآن الذاكرة كيف دخلت وما كان شعوري فأنا جرّبت الصحافة الورقية ولم أكن أنتظر شهرة أو اسما لكن الاحساس أنك تكتب من مكان وفي نفس الوقت يصل الى مساحات واسعة من هذا العالم هو شعور بالاشباع والاعتزاز وأحيانا بغذاء فكري وروحي، لا أنكر أن العالم العربي احتفى بابداعي وبكتاباتي ولاقت نصوصي وقصائدي صدى عند العديد من القراء والمبدعين وأيضا النقاد لكنني لا أنكر أنّ لي قرائي والمحبين لشعري داخل الوطن مع أننا نفتقد الى حركة نقدية وكم نحن بحاجة لذلك، نفتقد لوسائل اعلام مرئية ومسموعة، اذ تخصص للبرامج الأدبية عبر الاذاعة الناطقة باللغة العربية مساحة ضيقة ووقت محدّد لا تكفي للتعبير والانطلاق ولا التأثير وهذا مؤلم، حتى انّ الاذاعات التي تبث بشكل غير قانوني تلاحق وتقفل كما حصل معي في (راديو المحبة) لا تصل أصواتنا من خلال الاعلام الى الخارج لذا نضطر التواجد في الساحة الأدبية العربيةةوالعالمية عن طريق الشبكة العنكبوتية نتعرف على فكر آخر، نلتقي بهمّ واحد، ونتبادل الحوار المثمر، والأدب النظيف.

* ما هو النص الذي ترين بأنه عرف الآخرين بك عبر الانترنت وهل لنا إن نقرأه؟

- في الحقيقة لا أذكر، لكن مجموعتي الشعرية (لا أرى غير ظلّي) والتي نشرت في بيت الشعر الفلسطيني برام الله أخذت حقها في عالم النت والشبكة الألكترونية، ووصلت القصائد بنقلها من مكان الى آخر لأكبر عدد من القراء، أنا أعتز بذلك وليس لنا طريقة أخرى للتواصل مع أخواننا وأخواتنا بالعالم العربي البعيد القريب الاّ عن طريق الشبكة.

* ما مدى استفادة الأديب العربي من هذه الثورة الرقمية وانفتاحه على عالم النشر الافتراضي؟ وكيف كانت تجربتك الالكترونية؟

- لا ننكر أن الأديب استفاد من هذه الثورة الرقمية والانفتاح على الغير لكن لهذا الانفتاح سلبياته أيضا، اذ وللأسف عالم النشر الافتراضي يفتح أبوابه لكلّ من هبّ ودبّ من الكتاب، هناك كتابات دون المستوى وتنشر، هناك تفاهات وتنشر وهناك أدب جاد لا ينشر، وهناك أدب بمستوى رفيع وينشر، هو عالم مخيف كما قلت ويجب أن نكون حذرين كأصحاب مواقع وادارة صحف ألكترونية بعدم قبول المادة الرخيصة ودون المستوى فهذا ممّ يثير القلق بسيطرة بعض الأقلام المتهوّرة على الشبكة وذلك من أجل الشهرة فقط.في نهاية الأمر لا بدّ وأن يسقط القلم السهل، الرخيص وتبقى المادة السامقة الراقية والكتابة التي تلاقي قبولا عند النقاد والمثقفين.تجربتي الألكترونية فريدة بنوعها اذ أنني لا أتنقّل بين المنتديات الأدبية كثيرا ولا أنتمي اليها ليس استهزاء أبدا هناك من المنتديات الأدبية بمستوى عال لكن أعتقد أن الأدب يفقد رونقه ونكهته وقيمته حين نعرّضه للظهور في كل مكان، نفس المادة في كل موقع، أنا حاليا وللعام الثاني على التوالي أعمل كمدير عام بادارة منتدى كبير يعنى بالكلمة الجادة الحرة الصادقة والراقية بعيدا عن المحسوبيات والشللية (منتديات قناديل الفكر والأدب) مع نخبة من الشعراء والمبدعين والمفكرين والنقاد والكتاب من العالم العربي وفلسطين بجهتيها وأؤكّد ان كيفية التعامل مع النصوص واحترام الأدباء والمواد القيّمة أدى لبقائي في هذا المنتدى والذي يضمّ أكبر عدد من شعراء القصيدة الفصيحة، وقصيدة النثر، والقصة، والنقد، والمسرح، والأدب الساخر، أفخر بالمنتدى وبرئيسه الشاعر د. جمال مرسي ابن مصر المغترب حاليا في السعودية.. في الفترة الأخيرة طلب مني أن أتناول مهمة الاشراف على القسم الفلسطيني في بوابة عرار للثقافة والأدب في الأردن، لبيت النداء وأتمنى أن يهبني الله القدرة على التوفيق بين العملين،، ما عدا ذلك أنا ناشطة بتواجدي بفترات متباعدة بعدة مواقع وصحف الكترونية وهذا أيضا مهم للمبدع كتواجد على الساحة الأدبية وعدم تغييب اسمه وفكره وكيانه كمبدع.

انتهى حوارنا الذي كتبته بنبض مشاعرها النبيلة في خافقها الحزين الذي يهمس ستظل عروس المدائن في الوجدان وفي القلب وعلى اللسان أمل يتردد.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1344 الاحد 14/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم