مدارات حوارية

الفكر العربي المعاصر والتفلسف بالمطرقة.. ماجد الغرباوي أنموذجا.. حوار علجية عيش مع الدكتور قادة جليد

- د. قادة جليد من جامعة وهران: المشروع التنويري مشروع نهضوي لم يكتمل بعد

- سيصدر له قريبا كتابا عن الظاهرة الغرباوية.

- قادة جليد: ما زال المجتمع العربي يشجع العقول المستقيلة ويحارب العقول المستنيرة.

***

الدكتور قادة جليد: أكاديمي وباحث من الجزائر استاذ الفلسفة بجامعة وهران. وعضو مخبر الأبعاد القيمية للتحولات الفكرية والسياسية بالجزائر ومدير وحدة بحث تحليل الأزمات، له العديد من المؤلفات بالإضافة إلى دراسات ومقالات في مجلات متخصصة (محكمة) وأعمال جماعية، كانت له مشاركات في الكثير من الملتقيات الوطنية والدولية

***

يرى الدكتور قادة جليد أنه لا يمكننا أن ندعو إلى الحداثة والتحديث والتغيير والتنوير دون دفع الأثمان، لأن هناك قوى تقليدية ومحافظة ومستفيدة من الوضع القائم تريد أن يبقى الواقع كما هو بدون تغيير، لأن ذلك يهدد مصالحها ومواقعها الإجتماعية والسلطوية. وهو يحضر كتابه عن شخصية فكرية عربية يرى الدكتور قادة جليد أن المفكر العراقي ماجد الغرباوي ظاهرة فكرية وثقافية في العالم العربي الإسلامي، ويقارن الدكتور قادة جليد بين المفكر ماجد الغرباوي والمفكر مالك بن نبي فيجد أنهما يتفقان في نقطة أساسية مهمة وهو أن رؤيتهما للدين باعتباره طاقة روحية معبأة وأساس القيم الأخلاقية والعلاقات الإجتماعية.

 كان لنا لقاء مع الدكتور قادة جليد بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية فجاء هذه الحوار الشيق والذي حدد فيه المفاهيم والرؤى لما يحدث في الساحة الفكرية والثقافية وكيف يبنى العقل الإنساني بناءً صحيحا. فأهلا به:

س1: علجية عيش: نبدأ بسؤال اين وصل المشروع التنويري في البلاد العربية؟

ج1: د. قادة جليد: المشروع التنويري هو في جوهره مشروع نهضوي منذ القرن التاسع عشر، وهو مشروع لم يكتمل بعد، فلقد ساهم المفكرون التنويريون العرب بتقديم مشاريع فكرية متنوعة ومتعددة ولكنها لم تتحقق على أرض الواقع، ولذلك فإن هذه المشاريع  لا زالت بحاجة إلى مراجعة، وهنا تعود الأسباب لقضايا إبستمولوجية معرفية وأيضا وهذا هو المهم كما يرى أركون لم تظهر طبقة اجتماعية قوية تتبنّى هذه المشاريع التنويرية وبالتالي حسب محمد أركون فإننا بحاجة إلى علم يسميه أركون " سوسيولوجيا النجاح والإخفاق في البلدان العربية الإسلامية .

س2: علجية عيش: تعملون على كتاب حول التفلسف بالمطرقة وقدمتم ماجد الغرباوي كأنموذج لماذا الغرباوي بالذات؟

ج2: د. قادة جليد: العراقي ماجد الغرباوي من المفكرين العرب المعاصرين الذين اهتموا بدراسة التراث على غيره، والتراث قضية مركزية في فكر الغرباوي، ولأنه غير معروف في الأوساط الثقافية والأكاديمية في الجزائر بل في دول المغرب العربي، على عكس نظرائه مثل الجابري ومحمد أركون وحسن حنفي والطيب تيزيني، الأستاذ ماجد الغرباوي يدافع عن العقل العربي ولنزعة التاريخية والإنسانية في قراءة التراث وواقعنا المعاصر من خلال تبني قيم الحداثة كقيم إنسانية كونية مثل التسامح والإختلاف ومكانة المرأة وضرورة إعادة تأسيس الأخلاق على قيم جديدة ورؤى جديدة، بالنسبة للغرباوي التراث ليس كاملا وليس مطلقا، وإنما هو نتاج بشري قابل للنقد والفحص والتعديل.3455 قادة جليد وعلجية عيش

س3: علجية عيش: كيف نقارن بين الفكر الديني عند مالك بن نبي والغرباوي؟

ج3: د. قادة جليد: أولا يجب أن نوضح أن فهم الناس للدّين، هو تاريخي، الذي انتج مدونات رسمية معلقة بلغة أركون فهو ذو طابع بشري وتاريخي وإنساني يعني نسبي، وهناك التفلسف بالمطرقة بمفهوم نيتشا، هو تفكيك كل المنظومات الثقافية والدينية التي اثبت التاريخ أنها نسبية وأنها من إنتاج الإنسان، وبالتالي كانت تصبح كمرحلة تاريخية لكن لا تصلح لمرحلة تاريخية أخرى، فالغرباوي شخصية علمية عصامية، ملتزم بما يؤمن به وملتزم بقضايا المجتمع وطموحه إلى التغيير دفعه لذلك، والالتزام عند المثقف العربي هو أن يكون مثقفا عضويا بلغة غرامشي، بمعنى يكون منخرطا في القضايا العامة التي تواجه المجتمع كتحديات، وهذا ما يقوم به ماجد الغرباوي، خاصة من مؤسسته " المثقف" من أجل التنوير والتغيير، ومن هنا جاء التفلسف أو التفكير بالمطرقة، فقليل جدا من المفكرين والكتاب من يكون مستعدا لدفع الثمن، ولكن أغلبهم يطرحون الأسئلة الفاخرة، أما المثقف الحقيقي والصادق يطرح اسئلة الناقوس والغرباوي من الذين يطرحون أسئلة الناقوس أي اسئلة الخطر ويجيب عليها وأسئلة الناقوس لها ثمن.

أما الفكر الديني عند بن نبي والغرباوي، فكلاهما له نظرة إلى الدين ويتفقان في نقطة أساسية مهمة (حسب قراءتي) وهو أن رؤيتهما للدين باعتباره طاقة روحية معبأة واساس القيم الأخلاقية والعلاقات الإجتماعية باعتباره الرابط القوي لهذه العلاقات، أمّا الدين كظاهرة تاريخية انتقده مالك بن نبي كما انتقده الغرباوي ولو أن مالك بن نبي أسيئ فهمه في كتابه شروط النهضة فهو يرى أن الحضارة تقوم على ثلاثة مبادئ هي (الإنسان، الزمن والتراب) تضاف غليها الفكرة الدينية كفكرة تركيبية جامعة بين هذه العناصر، يعني كثقافة روحية تجعل الإنسان يرتقي من عالم الغريزة إلى عالم العقل ومن اللاحضارة إلى الحضارة، فالدين عند مالك بن نبي هو ذلك التراث الإسلامي المكتوب او المروي الذي كتبه الأسلاف أو ما نسميه بالنص الثاني في مقابل النص الأول الذي هو القرآن والسنة، ونفس الشيء بالمسبة للغرباوي، الدين عنده ليس التراث الذي هو إنتاج بشري وإنساني، فالدين عند الغرباوي هو المتعالي (النص الإلهي) ويبقى النص الثاني هو ما يفهمه المسلمون عن النص الأول (تفاسير، روايات سيرة نبوية) إلا أن الغرباوي في أطروحاته نجده يفرق بين الدين والتديّن.

س4: علجية عيش: من كلامكم، هل يمكن القول أن ماجد الغرباوي ظاهرة؟

ج4: د. قادة جليد: الغرباوي ظاهرة فكرية وثقافية في العالم العربي الإسلامي لأنه مثقف نقدي يبحث في المعنى وعن فهم جديد للقضايا الفكرية التراثية والإنسانية، ومثقف عضوي لأنه منخرط في عملية التغيير الإجتماعي وهذا ما يجعله مختلفا عن المفكرين الآخرين، فالغرباوي يعتقد أن الفهم الذي نعنيه اليوم بالتراث غير مطابق لحقيقة التراث وبالتالي هذا الفهم الخاطئ وتقديسه هو عائق امام التطور، حتى أن بعض المتدينين في بناء أحكامهم يقدمون صحيح البخاري على القرآن الكريم وهذا غير مقبول، والتاريخ الإسلامي يذكر قصصا مثلما حدث مع ابن رشد حينما أحرقت كتبه وتم نفيه، للأسف لا زلنا نعيش هذه الإشكالية إلى اليوم، لأن الحضور الفلسفي حضورا ضروريا، مارسه علماء أجلاء في فكرنا مثل العلامة ان خلدون، لأن الفلسفة تعني التفكير النقدي وطرح الأسئلة ومراجعة الأجوبة والانفتاح على الآخر والتفكير في إطار كوني وإنساني وهذا هو المهم.

س5: علجية عيش: الحصار على "المثقف" كمثقف عضوي أو كمؤسسة في كل محطات الكتابة يعيد طرح ظاهرة هجرة العقول العربية الى الخارج ماذا تقولون في هذا؟

ج5: د. قادة جليد: المشكلة في البنية الإجتماعية في المجتمعات العربية والمنظومات الثقافية هي انها مازالت تحارب العقل والإبداع والدليل على ذلك هو ماجد الغرباوي وما يعيشه من حصار ومحاولات لإلغائه فكريا وثقافيا، ما زال المجتمع العربي يشجع العقول المستقيلة ويحارب العقول المستنيرة .

س6: علجية عيش: هل يمكن طرح الفكر الغرباوي كمقرر في الجامعة الجزائرية؟ وهل يمكن القول ان الغرباوي له فكر مواطناتي؟

ج6: د. قادة جليد: هناك بداية اهتمامات الأكاديمية في الجامعات بفكر ماجد الغرباوي مثل جامعة معسكر، فماجد الغرباوي لا يشخص فقط أزمات الثقافة العربية ولكنه ايضا يعطي البدائل التاريخية، وهذا شيئ مهم، فالرؤية الفكرية الغرباوية هي ضرورية لكل المجتمعات العربية بدون استثناء، ونحن في الجزائر يمكننا ان نستلهم من فكر الغرباوي وثقافته الإختلاف والتنوع والتسامح والمواطنة ونخرج من ثقافة الرعيّة وتلك هي الثقافة التي تُحَاوِلُ وتُنَمِّطُ وتُحَنِّطُ الإنسان في صور متوارثة منذ العصور الوسطى، أما "المواطنة"، فهي أيضا مشروع حضاري وقبل تجسيدها سياسيا واجتماعيا لابد من بنائها فكريا وثقافيا، لأن لهذا المجتمع أو غيره ما يتخلق على وجه الأرض هو في الصل افكار تم زرعها داخل البنية الإجتماعية لهذا المجتمع او غيره، فالفكر أداة دافعة نحو التقدم.

س7: علجية عيش: رسالتكم الى القارئ وبالخصوص المثقف؟.

ج7: د. قادة جليد: رسالتنا إليهما معا هي ان ينزع الحصار عن نفسه أولا، لأنه أحيانا المثقف عندنا هو من يحاصر نفسه، وأن ينخرط في قضايا التغيير الإجتماعية والشأن العام بصدق وأن يكون مستعدا لدفع الأثمان والتكاليف، فنحن لا يمكننا أن ندعو إلى الحداثة والتحديث والتغيير والتنوير دون دفع الأثمان، لأن هناك قوى تقليدية ومحافظة ومستفيدة من الوضع القائم تريد أن يبقى الواقع كما هو بدون تغيير لأن ذلك يهدد مصالحها ومواقعها الإجتماعية والسلطوية.

***

حاورته علجية عيش من مدينة معسكر

كاتبة وصحفية جزائرية

 

في المثقف اليوم