مدارات حوارية

مدارات: فنجان قهوة في ديوان راضية الشهايبي

hamodi alkenaniradya-alshihaybiكأنني ارى فيها تونس الخضراء البلد الذي كثيرا ما تبهر العين خضرتُه وتسر القلبَ دماثةُ خلق انسانه

.. ومدينتها التي تُعرف بجوهرة الساحل الممتد على طول 170 كم، سوسة، التي تبعد عن العاصمة تونس بحوالي 140 كم، والامطار النازلة فيها تتراوح بين 250 و400 ملم .. جوها معتدل وارضها صالحة لزراعة الزيتون، معلومات تعلمناها في الابتدائي عن جغرافية الوطن العربي الكبير، وسوسة مركز ثقافي انجب الكثير من المبدعين تركوا بصمتهم في سفر الثقافة. والحديث مع راضية الشهايبي يعني الحديث مع عنقاء تفرش جناحيها محلقةً في فضاءاتِ هذا الوطن الممتد من المحيط الى الخليج لترسم اوجاعه التي تكاد تكون متشابهة برشاقة .. ولِمَ لا فالشعور هو نفسه اينما تنزل في ديار العرب

وراضية الشهايبي مشروع ابداعي كبير ما زال يتوسع عموديا وأفقـــــــيا، فالتوسع العمودي في عديد الجوانب التي قامت بها وكل جانب منها يتوسع افقيا على امتداد مساحة كبيرة من الانشطة ويظهر ذلك جليا فيما يلي:

1- أسست الصالون الثقافي بسوسة حيث يحتفى الصالون بعدة وجوه فنية إبداعية تونسية ومغاربية وعربية من المغرب ومصر وليبيا وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق.... ومن الوجوه العراقية الفنية التي تشرّف الصالون الثقافي بالاحتفاء بها الفنانون التشكيليون أحمد هاشم / مهند الشاوي / د جواد الزيدي

 2- في سنة 2008 فازت في مسابقة القصيد الفرانكوفوني التي أقيمت في كندا بمناسبة مرور 400 سنة على تأسيس الكيباك ونُشر نصُّها ضمن مجموعة شعرية  ضم النصوص الفائزة مترجمة إلى اللغة الفرنسيّة

3-  تُرجمت قصائدها الى عدّة لغات أهمها: الفرنسية حيث ترجم المترجم التونسي عبد المجيد يوسف كل نصوص مجموعتها الثانية "ما تسرب من صمتي" .

الإيطالية"  حيث ترجم الشاعر والمترجم دجوزابي نابوليتانو مختارات من مجموعتها الثالثة "تراتيل الترحال" وصدرت في إيطاليا

الإنجليزية حيث ترجم الشاعر والمترجم الفلسطيني المقيم برومانيا منير مزيد كامل نصوص مجموعتها التي هي قيد الطباعة الآن بعنوان - ديوان القهوة - والتي أخرج غلافها الرسامان العراقيان أحمد هاشم ومهند الشاوي - قيد الطباعة إلى جانب "ديوان القهوة" كتاب " الوميض " ويحتوي قصائد الومضة......وغير ذلك الكثير !

 

ومع رنة فناجين القهوة ابتدأنا، فاهلا وسهلا بها في صحيفة المثقف – مدارات حوارية:

س1: حمودي الكناني: شاعرتي الجميلة لنفترض راضية الشهايبي واحدة ثانية وطلبتُ منها أن تتحدث عن راضية الشهايبي فكيف تتحدثين عن هذه الراضية الانسانة وليس راضية المنكبة على صياغة الحروف بحرفية الصائغ الماهر؟

ج1: وراضية الشهايبي: .. راضية الشهايبي إمرأة أتعبتها رهافة حسها والتي لا تعرف تحديدا أسباب كل هذه الرهافة التي تجعلها تعيش معاناتها الخاصة ومعاناة الآخرين وحتى معاناة الحيوان والنبات فهي تتألم لكل وجع تحسّه أصاب موجودات الله على الأرض

 تؤمن بالله بالحياة وبالإنسان حيثما كان تؤمن بالاختلاف  وتعوّل على قدرتها على التقبل وقدرة الآخر كي لا يتحول الاختلاف إلى خلاف  فالاختلاف رحمة وجمال وما التكرار إلا ملل ورتابة فقط تتمنّى ألّا يصاحب الاختلاف عنف يفرض على الغير مهما كان نوع هذا العنف أو طريقته فالحريّة تراها راضية الشهايبي أساسيّات كرامة الإنسان للكل  وكيف يريد ما لم يفرض قناعاته على الآخر وما لم يكرّس هذه القناعات في إيذاء الآخر معنويّا أو ماديّا

 

س2: حمودي الكناني: قال لنا التاريخ صغاراً أن القيروان أنشأها القائد العربي المسلم عقبة بن نافع سنة 50 للهجرة 670 للميلاد، فكيف تتحدث لنا الشاعرة راضية الشهايبي عن القيروان وماذا تعني لها هذه المدينة؟

 ج2: وراضية الشهايبي: القيروان رابعة المدن المقدّسة هي موطني فيها ولدت ونشأت على حب الدراسة والأدب وهي المدينة التي عرفت ومنذ تأسيها بالأدب والعلم والثقافة  والأصالة والانفتاح أليست هي موطن الشاعر الكبير الحصري وابن رشيق وأبي زمعة البلوي وأبن الجزار وأسد بن الفرات والإمام سحنون وهو أشهر فقهاء المالكيّة في شمال إفريقيا وغيرهم من العلماء والشعراء والفقهاء وقد عرفت بفسقيات الأغالبة وبيت الحكمة وعدد المساجد اللافت  دليل على الحضارة  الذي وصلت إليها القيروان منذ تأسيسها  ومازالت إلى الآن تعتبر من أهم المدن التراثية التاريخية في العالم فالقيروان متحف مفتوح حالما تدخلها يغمرك عبق الفاتحين القدامى من القادة المسلمين والصحابة الأجلاء

 

س3: حمودي الكناني: لقد احتل الفرنسيون تونس سنة 1881 حتى نالت استقلالها سنة  1956 ومدة 75سنة مدة  زمنية ليست بالقليلة فما هو تأثير المحتل الفرنسي على حياة الانسان التونسي؟

ج3: وراضية الشهايبي: ككل الدول العربيّة عانت تونس من الاستعمار وناضل التونسيّون رجالا ونساء لأجل استقلالهم والحفاظ على هويتهم الأمازيغيّة العربيّة المسلمة واستقلت تونس الاستقلال التام سنة 1956ولأن التونسيّ ذكيّ بالفطرة ويتمتّع بقدرة طبيعيّة على التأقلم دون التفريط في مكوّنات شخصيّته أخذ من المستعمر الحداثة والتمدّن وأبقى على أصالته  وتعلّقه بجذوره الضاربة في التاريخ وإلى الآن  يحتفي التونسيّون بتقاليدهم وعاداتهم وشعائرهم بكل فخر وتشبث بالهوّية التونسيّة

 

س4: حمودي الكناني: نحن العرب تكاد تكون السياسةُ شغلنا الشاغل فالكل يتحدث بالسياسة وعن السياسة وهذا ربما لأننا لقرون عديدة تسلط علينا حكام عتاة قساة لم يهتموا الا بأنفسهم وما يثبِّت سطوتهم.....ومع إعلان الجمهورية التونسية في 25 يوليو 1957، أصبح الزعيم الحبيب بورقيبة أول رئيس لها وفي عام 1987 تولى الحكم زين الدين بن علي فأين أوجه التشابه والاختلاف بين حكم الرجلين؟؟

ج4: وراضية الشهايبي: المقارنة بين الزعيم بورقيبة وبن علي طبعا ستكون لصالح الأول من حيث الدرجة العلميّة والتاريخ السابق لاعتلاء كليهما، الحاكم فبورقيبة ترأس تونس بعد تاريخ نضالي كبير ونفي وسجون بينما اعتلى الثاني الكرسي إثر انقلاب سلميّ وبورقيبة يتمتع بحضور وقوة شخصية وبداهة وبلاغة وخطابة بالغتين العربية والفرنسية بإتقان وباللهججة الدارجة بطريقة ممسرحة تخطف الألباب وتقنع المتلقي بسلاسة وانبهار بينما كان بن عليّ والذي أيضا يتمتّع بشخصيّة قوية يقرأ الخطاب من الورقة وقد واصل نهج بورقيبة ولكن بكثير تعثر وباعتماد كلّي على القوّة الأمنية فبورقيبة كان يؤمن بالثقافة أكثر ويعتقد أن أساس التوازن الاجتماعي بين فئات  الشعب هو امتداد الطبقة الوسطى بينما تقلصت هذه الطبقة في فترة حكم الثاني إذ اتسعت الهوّة بين الشريحة الفقيرة وبين الطبقة الميسورة طبعا ككل الحكّام ارتكبا أخطاء ولكن بورقيبة كانت أخطاؤه نتيجة تقدّمه في السنّ وتشبّثه بالحكم وأخطاء الثاني عدم الأخذ بزمام الأمور إثر تفشي الفساد المالي والبطالة والفقر وكلاهما لم يجازف  بديمقراطية حقيقيّة كخيار لحكهما بما في ذلك التداول الطبيعي على السلطة وعاش الشعب في كبت سيّاسي أدّى إلى انفجار ناتج عن تراكمات كثيرة من بينها نضالات  من اليسار ومن اليمين ومن المجتمع المدني ومن اتحاد الشغل وكذلك من المثقفين والفنانين وتحركات عمّال المناجم كلها ساهمت من بعيد أو من قريب في الثورة التونسيّة جان في 2011

 

س5: حمودي الكناني: بوعزيزي كان الكبسولة التي فجرت البركان، بركان ما يعرف بالربيع العربي، وكان هذا محض صدفة فما الذي حول هذا الربيع الذي كنا نحلم به جميعا الى خريف ذي اجواء عاصفة متربة، هل هو سرقة الثورات من اصحابها الحقيقيين؟

ج5: وراضية الشهايبي: الربيع العربي وإلى الآن لا أعلم من أين سقطت علينا هذه التسمية  نعم سرقوا الثورة العربية الحقيقية وحوّلوا وجهتها إذ بدأت ثورة كرامة وحرية قرّبت بين كل الشعوب العربيّة وانتهت إلى ثورة طائفية فرّقت الشعوب العربيّة ونعلم جميعا أن العرب قوّة خامدة تخيف إن ظهرت ولنا كل عوامل التوّحد من قرب الحدود إلى وحدة اللغة إلى الخيرات الموجودة في أرضنا إلى الطاقة الكامنة في أعماق أرضنا إلى الطاقة الكبيرة في شمسنا وحتّى ريحنا وغير ذلك من العوامل التي تسهّل وحدتنا  وتجعلنا من أثرى الأمم وأقواها وهذا هاجس يُرجف عدوّنا الأكبر ولذلك وجب التيقظ لكل حركات الثورة والتوحّد والقضاء عليها بكل الوسائل

 

س6: حمودي الكناني: سأعيشُ رغم الداء والاعداء .. كالنسر فوق القمة الشماء .. هكذا قالها الشابي وهكذا رددتها بعده جموع الشعب التونسي من اجل الحرية، ما هي برأيك رسالة الشاعر وهل الشاعر نبيٌ من غير وحي؟

ج6: وراضية الشهايبي: فعلا ردّد الشعب التونسي ومن بعده شعوب أخرى ""إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر"" وهو بيت من قصيد  - إرادة الحياة- للشاعر التونسي الكبير - أبو القاسم الشابّي-

فالشاعر هو أصدق ناقل لما يعيشه المجتمع إذ هو ينظر بمجهر فكري وحسيّ  وبقدرة متفرّدة على الملاحظة وعمق الإحساس ثم يُنظّر بروح محبّة للسلام مناصرة للجمال مدافعة عن كل ما يخصّ كرامة الإنسان وحريّته وبذلك يؤرّخ أحسن من مؤرخين مختصين قد ينحازون لطرف دون آخر حيث يكتبون يأكاديميّة المؤرّخين التي تُسقط تفصيلات دقيقة يرونها غير مهمّة ويراها الشاعر عميقة الأهمية ويصّوّرها شعرا وبذلك يتوفّر الكل الذي يميّز شهادة

الشاعر على عصره ولذلك تظل كل الأنظمة تحاول إما استمالة الشاعر ليكون من أتباعها أو تهمّشه ماديا ومعنويّا كي تطفئ شعلة الكتابة فيه ولكنّ الشاعر الحقّ هو الذي ومهما همّشوا دوره وعرقلوا مسيرته وصعّبوا عليه نشر دواوينه يستمرّ يكتب للحرية للحياة للحقّ للإنسان للجمال

 

 

س7: حمودي الكناني: وجدتك شاعرةً متراميةَ الاطراف.... مواضيعك متشعبة ولوحاتك مثيرة رسمتها بقلم رشيق صدوق، ومعروف للجميع ان عنوان اي نص وأي عمل هو نصٌ آخر مختزل ومنزاح بصورة توحي بأنه نصٌ آخر و(ديوان القهوة) عنوان مثير وفيه ابعادٌ ذات دلالات عميقة فلماذا الديوان ولماذا القهوة؟

ج7: وراضية الشهايبي: ديوان القهوة هو عنوان مجموعتي الجديدة والتي ترجمت للأنقليزية من طرف الشاعر الفلسطيني الروماني منير مزيد وإلى الإيطاليّة من طرف الأستاذة  فيفيان إسيرنيا  وإلى الفرنسيّة من طرف الأستاذ إبراهيم الدرغوثي وقدّمت المجموعة الناقدة والروائية الدكتورة آمنة الرميلي لماذا القهوة بالذات؟ هي في الحقيقة مذكرات لجلسات قهوة أيام الثورة التونسيّة حين كان الحديث فقط عن أحداث الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن فكانت القصائد رجع صدى لكل ما قلنا وعبق للمكان وللزمان وطبعا كلها قصائد تصف في عمقها مدى تعلّقي بفنجان القهوة في رمزيّة الرفقة

 

س8: حمودي الكناني: الناقد يرى مالا يراه الشاعر وأحيانا يستخرج الناقد المنقب كنوزا مغطاة باحكام فهل هذا اغطاء تقصدته الشاعرة راضية شهايبي كما ورد في الومضة التالية؟؟ ""الكبرياء أن نحتفي معا بحرق الأقنعة "" وهل ترين انها محنتنا جميعا؟

 ج8: وراضية الشهايبي: أحب النقد وأراه فنّا على الفنّ وأرى الناقد كما المنقّب عن الذهب وكما المرآة التي تعكس لنا صورتنا فنفرح بما بانَ جميلا ونحاول تحسين ما يستدعي التحسين للوصول إلى الجمالية التي يحلم بها كل شاعر والناقد أيضا كعاشق المرأة الجميلة التي تحتفي بتغطية جمالها ويأتي العاشق ويرفع الغطاء ليحتفي بعرييها وهنا لا بدّ من مسافة وسط بينهما كي يصل كل إلى ذروة احتفائه فلا الشاعر يطنب في التهويم والتغطية والترميز حدّ الغموض والضبابيّة ولا الناقد يعريّ كثيرا حدّ فداحة العري والأجمل أن يقف كلاهما على حافتيّ جدول الجمال اللغوي فيطلقان معا طائر المعنى ليحلّق مصوّرا كل هذه المقاصد صورا يمكن لخيال المتلقيّ أن يصوغها بسينمائية سلسة  عذبة غير متعبة أو منفّرة

 

س9: حمودي الكناني: الأدب بكل اجناسه مرآة عاكسة لهموم اية أمة من الامم فما هو الاكثر تعبيرا عن هذه الهموم الشعرُ أم السرد أم الدراما ولماذا؟ وهل طرقت الشاعرة راضية شهايبي ابوابا غير الشعر؟

 ج9: وراضية الشهايبي: الإبداع الفنّي أراه ضروريّا للإنسان وإلا لما خلقه الله وميّز به أناسا معيّنين عن غيرهم من البشر فكأنه حمّلهم رسالة إنسانيّة جماليّة إذ أن الفنّ عامل أساسيّ من عوامل التوازن النفسي الفكري الوجدانيّ  الاجتماعي للإنسان وكل فنّ وطريقته في تحقيق ذلك وكل فاعل في الفنّ وموهبته التي خصّه الله تعالى بها وكشاعرة أرى أن منذ البدء كانت الكلمة فالكلمة حمّالة المعنى بكل التأويلات الممكنة وللشاعر مساحة أكبر للتصوير اللغوي الجماليّ حيث يكون أكثر أهميّة من الحدث نفسه في حين يكون التركيز في الرواية على الحدث ولو أن كلامها يلتقيان في  جمالية اللغة وسحر المجاز والأدب في مجمله حارس للغة ومُجدّدها ومحييها وكل الفنون الأخر تبقى محتاجة للكلمة للغة فلا سينما دون لغة ولا مسرح دون لغة ولا طرب دون لغة وحتى الموسيقى نحتاج لوصفها للغة وقد حاولت تنويع تجربتي الأدبيّة حيث كتبت النص الشعريّ الممتدّ ونص الومضة والقصّة القصيرة ولي رواية في الطريق باعتبار أن كل الأجناس الأدبيّة تحقق لي احتفائي باللغة وبالحركة وبالإنسان

 

 

س10: حمودي الكناني: أين ومتى يتقاطع الاديب مع السياسي وهل من الممكن أن يتبوأ الاديب المناصب العليا ولا ينسى رسالته الادبية؟

 ج10: وراضية الشهايبي: لا أرى تقاطعا ما بين المبدع والسيّاسي إذ أن السياسي يبنى انتصاراته على انهزام الآخرين في حين يبنى المبدع وجوده من سعادة الآخرين وأحيانا ينهزم هو لينتصر الجمال والإنسان وبالتالي لا أرى مكانة للمبدع الحقيقيّ في صفّ الكراسيّ السياسيّة فالكرسيّ زائل إنما القصيد أو الأثر الإبداعي باق ولو رحل المبدع ولكن قد تؤثّر السياسة في النص الإبداعي بما أن المبدع يتأثر  بما حوله وبمن حوله كما قلنا في بداية الحوار

 

س11: حمودي الكناني: الشعرُ يمنح الشاعر مساحة غير محدودة ولغة الشعر غير اللغة التي يتداولها الناس في الحياة اليومية فأيهما برأيك أوسع مساحة الشعر الكلاسيكي ذو الوزن والتفعيلة ام شعر النثر، ولماذا؟

ج11: وراضية الشهايبي: كل قصيد ومميزاته فالقصيد العمودي يتطلب إحساس عال بالإيقاع وتبحّر في البحور العروضيّة وتدفق لغويّ ونفس شعري كبير والقصيد النثرى  يعتمد أساسا على الصورة والقدرة السينمائية التصويريّة لخيال الشاعر ثمّ على الإيقاع الداخلي وعلى التموسق العام للقصيد وأومن أنّ لا نوع  ينفي  النوع الآخر فهي متغيّرات حصلت في القصيد العربي بالأساس والعالميّ عبر حركة تجديديّة عاديّة جدّا ضمن كل متحوّلات التقدّم البشريّ وقد كتبت النص الموزون ثم بدأت أكتب النص الشعري النثري وأحببته ثم جرّبت كتابة الومضة وككلّ عشّاق اللغة العربيّة جربت أن أكتب في كلّ الأنماط لعلّني أصل إلى النص المشتهى

 

س12: حمودي الكناني: ولادة قصيدة مخاض عسير فكيف تصف الشاعرة راضية شهايبي هذا المخاض في لحظة صيرورة القصيدة، هل هناك حالة استطيع ان اطلق عليها حالة التوتر الشعري؟؟

ج12: وراضية الشهايبي: التوتّر الشعريّ ليس ظرفيّا مناسباتيّا بل هو ملازم لحياة الشاعر وبذلك يُلاحظ عليه رهافة الحسّ وسرعة الانفعال والمزاجية أحيانا وبعض الحزن أو الشجن الغالب على صوته أو نظرته فالشاعر يعيش شاعرا ولكن لا يكتب إلا القليل ممّا يعيشه نظرا لعدّة أسباب أهمّها التشويش الذي يحيط به إجمالا والظروف التي يعيشها وهي تؤثر سلبا في غزارة إنتاجه ولكنها قد تؤثر إيجابا في تحفيزه على الكتابة بعمق وبحساسيّة فكلّما تألّم الشاعر كلّما كتب أجمل فالحزن عميق والفرح عابر وقد تتهاطل على الشاعر مشاهد لغوية عديدة ولوحات تصويريّة كثيرة لكنه لا يتمكّن من قنصها كلّها بفعل الظروف وتكون فرصة القنص أكثر حين يكون مختليا بنفسه مستلقيا على بساط خياله عائما في انساب روحه

 

س13: حمودي الكناني: متى يسقط الشاعر؟

ج13: وراضية الشهايبي: يسقط الشاعر حين لا يكون شاعرا وأعني بذلك حين يسمح لكل ما يمس جانب الشعر فيه بالتأثير عليه فالشاعر أناقة الكلمة وأناقة المعنى وذلك أناقة التصرّف وعليه أن يحافظ على بعض النرجسيّة والعلوّ حتى لا ينحدر لكل ما يلوّث قصيده ويسقط أيضا حين يبالغ في التكبرّ والغرور أو يسقط في التملّق ويسقط الشاعر حين يكون هو في الأصل ليس بشاعر

 

س14: حمودي الكناني: هل أثرّ التغيير ايجابيا على الحراك الثقافي في تونس وماهو دور المرأة تحديدا؟

ج14: وراضية الشهايبي: أكيد الأدب يتأثر بأحداث الزمن الذي كتِب فيه والمبدع كأي مواطن  بل أكثر يتأثر بهذه الأحداث فالمبدع قبل الثورة ليس هو نفسه بعد الثورة وفعلا بدأت الإصدارات الخاصة بالإنتاجات الأدبية حول الثورة تظهر ولكن حسب اعتقادي هناك من استعجل ردّة الفعل الأدبيّة ولم يعط الوقت كي ينضج هذا التغيّر بما يكفي في مخياله ولكن على كلّ حال هذا أمر لا بد من ظهوره إثر كل حدث كبير لا بد أن تتبعه حركة أدبيّة كبيرة ومازالت عديد التجارب الأخرى التي ستظهر بعد حين والتي كتبها أصحابها عن الثورة أو تأثرا بها وأساسا المرأة في تونس تتميّز بوعي شديد وبقوّة شخصيّة وإصرار وصلابة موقف تجعلها باستمرار في الصفوف الأماميّة سواء أدبا أو نضالا أو عملا وخاصة أمام ما بات يهدّد ما حقّقته على مدى خمسين عاما على مستوى القوانين وكذلك كمكانة في المجتمع التونسيّ

 

س15: حمودي الكناني: هل قصيدة النثر قصيدة نخبوية أي بمعنى أن متلقيها يجب أن يكون على قدر من الفهم والادراك حتى يتفاعل مع ما يسمع؟

 ج15: وراضية الشهايبي: لا أرى أن هناك قصيدا نخبويّا فالقصيد كلّ من الجمال معنى ولغة وإلقاء وبالتالي حتّى وإن لم يفهم المتلقّي في السماع الأول المعنى فسيستمتع بجمالية اللغة وإن لم يفهم اللغة فسيستمتع بالإلقاء وضروري أن نعتني بطريقة إلقائنا حتى نضمن نسبة من الاستمتاع للمتلقّي مهما كان هو قد يكون نخبويّا في مستوى القراءة أو النقد ولكن إلقاء لا بد من ضمان نسبة نجاح القصيد في كسب إعجاب المتلقيّ

 

س16: حمودي الكناني: ألا ترين معي أن الومضة الشعرية هي التي ستطغى على الساحة لأن روح العصر تفرض هذا التوجه؟

ج16: وراضية الشهايبي: أتفق معك حيث أن الومضة هي القصيد القادم فإيقاع الحياة السريع جعل الإنسان الآن مستعجلا في كل الأمور وحتّى صعوبات الحياة وما نراه من حروب وكوارث ومصاعب ساهمت في كسر المناعة العصبيّة النفسيّة للإنسان فصار سريع الغضب سريع الملل متوّترا ولذلك وجب مجاراة كلّ هذا وتقديم نص شعريّ يساير تغيّر نوع المتلقيّ والومضة تضمن الموضوع المختزل واللغة المكثّفة والتصوير الممتع والنهاية المدهشة كل ذلك في اقتصاد لغويّ كبير وفي وقت قصير جدّا سواء قراءة أو سماعا

 

س17: حمودي الكناني: من من الشعراء والشاعرات يستحوذ على اهتمام شاعرتنا راضية الشهايبي؟

ج17: وراضية الشهايبي: أسماء كثيرة تهمّني وليست بالأساس هي أسماء معروفة ولو أنّ هناك اسماء معروفة أقدّر جدا تجربتها وأتعلّم منها  ولكن عيب هذه الأسماء الكبيرة أنها من حيث تقصد أو لا تقصد غطّت على أسماء أخرى تتميّز بتجربة شعريّة لافتة ومميّزة ولذلك تشدّني القصائد أكثر من الأسماء فيمكن أن نقرأ قصيدا كبيرا لشاعر صغير ويمكن أن نقرأ قصيدا صغيرا لشاعر كبير ولذلك يبقى انحيازي لكل كتابة تلفت انتباهي وتستبدّ بي استعذابا

 

س18: حمودي الكناني: أين تضع راضية الشهايبي تجربتها الشعرية، اقصد في أي طبقة؟

ج18: وراضية الشهايبي: أضع نفسي في قصيدي وهو بعد ذلك ينزلني منزلة أستحقها ومنزلتي لا أتصوّرها مالا أو جاها أو حضورا إعلاميّا وإنما آهة إعجاب من قارئ لا يعرفني بل رآني في ومضة أو قصيد  

 

 حمودي الكناني: ختاما شكري وتقديري للشاعرة التونسية الجميلة راضية الشهايبي التي منحتني هذا الوقت الجميل بالاستماع والرد على اسئلتي متمنيا لها دوام الـتألق والصحة والنضارة.

  

          حمودي الكناني

صحيفة المثقف – مدارات حوارية

 

في المثقف اليوم