شهادات ومذكرات

علي حسين: الروايات المملة التي الهمت ماركيز

كان يقود سيارته في رحلة الى مدينة أكابولكو،العائلة الصغيرة المكونة من الأب والام وطفلين قد قرروا الاحتفال بالنجاح الذي حققه الأب بعد أن وقع عقدا بترجمة اربعة من كتبه الى الانكليزية لقاء مبلغ الف دولار، قال لزوجته ان هناك امنية لم يستطع تحقيقاها، زيارة جنوب امريكا، حيث كان يسكن وليام فوكنر الذي وصفه ذات يوم بأنه معلمه الافضل، فهو لم يتعلم منه فن الرواية فقط، بل والكتابة عن الناس البسطاء الذين تسحقهم الحياة.كان فوكنر قد توفى قبل اكثر من سنتين – توفي عام 1962 -، لم تتسنى له الفرصة أن يراه، لكنه يتخيله مثل مزارع يرتدي قميصا ذا أكمامٍ طويلةٍ وبجانبه كلبين أبيضين، كما في الصورة الفوتغرافية الشهيرة التي التقطها له المصور الفوتغرافي الفرنسي هنري كارتييه بريسون.

فجاة يظهر امامه خيال لحيوان، اوقف السيارة وهو يقول لزوجته لقد وجدتها، استدار بسيارته الأوبل ليعود إلى منزله في مكسيكو سيتي.في تلك اللحظة طافت بذهنه جملة سيقدر لها ان تغير تاريخ الرواية في العالم:" بعد سنوات طويلة، وامام فصيلة الاعدام، سيتذكر الكولونيل اوريليانو بوينديا ذلك المساء البعيد الذي اخذه فيه أبوه للتعرف على الجليد ". طوال اكثر من عشرين عاما كان يفكر بكتابة رواية عن عائلة كبيرة تعيش في قرية صغيرة. الآن وجد الرواية، يمكنه أن يتصور ذلك بوضوح رجل يقف أمام فرقة إعدام ويرى حياته كلها في لحظة واحدة.

بعد مضي سنوات على هذا الحادث الغريب يقول غابريل عارسيا ماركيز لكاتب سيرته " جيرالد مارتن " – سيرة حياة ترجمة محمد درويش – إنه بعد أن عاد الى البيت جلس الى آلته الكاتبة، تماما كما يجلس كل يوم لكنه في هذه المرة:" لم انهض ثمانية عشر شهرا ". التفكير في الرواية قد استغرق منه اكثر من ثمانية عشر عاما ولم يكن يتوقع ان ينتهي منه ذات يوم:" لم احسب ان الكتاب سيصل الى نهايته ". كان يريد لروايته ان تكون بحجم دون كيخوته " 800 " صفحة، لكنه اختزلها الى اربعمائة صفحة سيحكي لنا فيها قصة اربعة اجيال من اسرة بوينيديا.

عندما انتهى من كتابة " مئة عام من العزلة "، قال لصديقه بيلينيو مندورا الذي استفسر عن الرواية:" اما انني كتبت رواية أو ان لدي كيلو غراما من الورق "، في واحدة من تأملاته التي يسترجع فيها علاقته بالكتابة يكتب:" تأليف الكتب مهنة انتحارية، إذ ما من مهنة غيرها تتطلب قدراً كبيراً من الوقت. وقدرا كبيرا من العمل ".

مثل بطل الرواية، العقيد اوريليانو بوينديا، الذي يختبئ في ورشته في ماكوندو، ويصنع اسماكا ذهبية صغيرة ذات عيون مرصعة بالجواهر، وجد ماركيز نفسه في حجرة الكتابة مع اكوام من الورق و 60 سيجارة كل يوم، ومشغل اسطوانات تتناوب عليه موسيقى بيلا بارتوك و كلود ديبوسي، الحائط مزدحم برسوم بيانية عن تاريخ مدينة كاريبية أطلق عليها اسم ماكوندو، وسلسلة نسب العائلة التي أطلق عليها اسم بويندياس. يوم بعد يوم تنمو الاوراق، فيما الاصدقاء االمقربين يقرأون الصفحات التي يرسلها اليهم، في البيت تواصل زوجته ميرثيديس معركتها في توفير المال اللازم للاسرة. في مطلع عام 1966 كانت النقود قد تبخرت، فيما صفحات الرواية تكبر وتكبر، يقود سيارته الاوبل البيضاء الى احدى الكراجات ويرجع بمبلغ كبير سيتبخر فيما بعد ، بدأت الزوجة ترهن كل شيء، الثلاجة والتلفاز والمذياع ومجفف الشعر والمدفأة الكهربائي، ولم ينجو سوى مشغل الاسطوانات، فلا كتابة من دون انغام موسيقى بارتوك واستهلالات دويبوسي، وبعض اغنيات البيتلز.

ينتهي من الرواية في الساعة الحادية عشر من صباح الثامن من تشرين الاول عام 1966، لم يكن احد في البيت ليخبره:" اتذكر جيدا مدى ارتباكي. لم اعرف كيف اتصرف، وحاولت ان اشغل نفسي بشيء ما كي ابقى على قيد الحياة حتى الساعة الثالثة بعد الظهر " – جيرالد مارتن سيرة حياة – بعد ساعة يشاهد قطة تقترب منه قال:" آه، لعل هذا الكتاب يلقى رواجا ".

وصلت رواية " مئة عام من العزلة "في ترجمتها العربية الاولى التي قام بها سامي الجندي وانعام الجندي الى المكتبة التي اعمل فيها نهاية عام 1979، إلا ان شهرتها كانت قد سبقتها، كنت قد قرأت حوار مترجما يتحدث فيه ماركيز عن روايته، نشر في مجلة الاقلام بترجمة الراحل سامي محمد ، وقبل وصول الرواية الى مكتبات بغداد، كانت رواية ماركيز القصيرة والمدهشة " ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" قد حجزت له مكانة في قلوب زبائن المكتبة، الذين اختطفوا نسخ " مائة عام من العزلة "، وكانت حصتي نسخة لازلت احنفظ بها الى اليوم.

في ذلك الوقت كنت اطبق نصيحة قالها لي الراحل جبرا ابراهيم جبرا ان الكتاب الجيد هو الذي يبقيك في حالة من الانتباه المتواصل.

قلت له: وإذا لم يفعل ذلك ؟

قال لي: عليك ان تبحث عن السبب ؟، في تلك السنوات من عمري كنت اوهم نفسي بانني قارئ جيد.قرأت الكثير من الروايات وكتب الفلسفة وعلم النفس، واجلس امام اصدقائي متفاخرا بحصيلتي هذه، ولهذا وجدت نفسي اتعامل مع رواية " مائة عام من العزلة " من منطق الخبير لا القارئ الذكي انتهيت بعد ايام من قراءة الرواية بصفحاتها ال" 344 "، ما ان انتهيت من الجملة الاخيرة التي يقول فيها " السلالات التي قدر لها القدر مائة عام من العزلة لا يمنحها القدر على الارض فرصة اخرى " – ترجمة سامي الجندي، اصبت بحالة من التشوش لضخامة الاحداث التي اراد ماركيز ان يسردها، وضعت في متاهة الاسماء المتشابهة التي يطلقها آل بوينديا على انفسهم جيل بعد جيل، وبعد سنوات ساعرف لماذا وضع ماركيز خريطة على حائط غرفته بها اسماء ابطال الرواية وابنائهم واحفادهم. كانت الرواية بالنسبة لي اشبه بالرعب، لم يكن لي الصبر لاتتبع بدقة مصائر الابطال، سيخبرنا ماركيز في سيرته الذاتية " عشت لأروي " – ترجمة صالح علماني انه اصيب بالرعب عندما قرأ رواية جيمس جويس " يوليسيس " لأول مرة:" قرأته بتعثر، إلى ان لم يعد بعد الصبر يسمح لي بالمزيد. لقد كان رعبا مبكرا "..هل كنت قارئا جيدا لمائة عام من العزلة، احتفظت برأيي ولم ابح به، فقد كان الكثير من زبائن المكتبة قد قرأ الرواية وعلامات الاعجاب تبرز على وجوههم كلما جاء اسم ماركيز.

كان الراحل جبرا ابراهيم جبرا قد القى عليَّ من قبل درسا ثقافيا، عندما وصفت له حالة الملل التي اصابتني وانا اقرأ رواية وليام فوكنر " الصخب والعنف " –ترجمها جبرا الى العربية – قال لي آنذاك ان بعض الكتب هي نتاج عزلة الكاتب ومعاناته في سبيل اكتشاف لمحة من العبقرية في الصفحات التي كتبها والتي سيتحول من خلالها الى ايقونة ادبية.

يقال ان ماركيز عندما انتهى من كتابة " مئة عام من العزلة احس بالفراغ وكأن اصدقاءه وافتهم المنيه، الاحساس بالفراغ كان انطباعي الاول وانا انتهي من قراءة رواية ماركيز، وهو نفس الاحساس الذي شعرت به عندما انتهيت من الصخب والعنف وايضا مع رواية فرجينيا وولف " السيدة دالاوي " كان ماركيز شغوفا بالقراءة ، وعندما نراجع سيرته الذاتية " عشت لأروي " سنجده يتحدث عن الكتب التي رافقته خلال حياته ولعل ابرزها روايات فوكنر، الجبل السحري لتوماس مان، الف ليلة وليلة، نوستراموس لجوزيف كونراد، يوليسيس لجيمي جويس، اوديب ملكا لسوفوكليس، موبي ديك لهرمن ميلفل، ابناء وعشاق للورنس، المسخ لكافكا، الشيخ والبحر لهمنغواي، قصص بورخيس، عناقيد الغضب لشتاينبك، طريق التبغ لارسكن كالدويل، روايات فرجينيا وولف، وفي حوار مع مجلة باريس ريفيو يتحدث عن الاثر الذي تركته بعض الكتب في عمله الادبي قائلا:" يمكن أن أعزو تلك التأثيرات إلى بعض الكتاب الذين ساعدوني على التخلص من بعض مواقفي الفكرية التي درجت عليها قصصي " من هم هؤلاء الكتاب. انهم اصحاب الكتب المملة؟ ، فوكنر، جويس، فرجينيا وولف، هرمان ميلفل وملحمته موبي ديك، حيث يشير الى بعض الكتب ومنها كتب فوكنر التي كانت لها:" علاقة كبيرة بروحي "

ما الذي يجعل اي كتاب عظيما ؟ يعتمد الحكم على الكتاب احيانا، على ما يكتب عنه من نقد او مراجعات في الصحف، واحيانا اخرى على رأي القراء.. ولكن علينا الإنتباه إلى ان الاعجاب بكتاب ما يعتمد على وجهة نظرنا فيه، فبعض الكتب نقول عنها عظيمة لانها حازت على هذه السمعة عبر العصور مثل روايات دوستويفسكي وستندال وفلوبير، والبعض الآخر يعتمد على المتعة التي تمنحها للقارئ مثل روايات موراكامي او كتب كارلوس زافون اورباعية نابولي للايطالية فيرانتي، واحيانا نطلق على رواية انها عظيمة دون ان نقرأها، لانها حصلت على هذه السمعة الطيبة بإجماع الذين قاموا بقراءتها اوالذين شاهدوها فقط على أرفف المكتبات مثل يوليسيس او البحث عن الزمن المفقود. وقد تبدو صعوبة هذه الروايات لبعض القراء دليل على عبقرية الروائي.. إلا ان بعض الروايات تصبح عظيمة لان الجميع يُقبل عليها..كان برنادشو يقول اننا نقرأ احيانا بعض الأعمال الأدبية التي حازت على شهرة كبيرة بالطريقة التي نأكل بها الاطعمة الغريبة، فأنت لا تحبها تمامًا ولكن الجميع يقول عنها إنها أطعمة خارقة..ولعل روايات ماركيز وبالأخص " مئة عام من العزلة " مثل الاطعمة الغريبة التي تحوي اشياء لم تخطر على بالنا.. ولهذا سواء كنت قرأت، او لم تقرأ كلمة من روايات غابريل غارسيا ماركيز، فانت بالتاكيد تجد نفسك مدمناً على الحديث عنها.. فالواقعية السحرية التي برع بها ماركيز هي الوحيدة التي تجعل أغرب أحلامنا متاحة ويمكن تصديقها بشدة. فماركيز برع في ان يدمج عناصر خيالية في بيئة "واقعية"، نساء تطير في سماء طبيعية، جد يعيش على مدى قرون، ولكن لا أحد يلاحظ أن شيء تغير فيه، خلطة روائية غريبة فيها الشخصيات التي نحبها والتي نكرهها، القضايا الفاشلة في الحياة، الحب، والجنس، العنف، والخلافات التي لا نهاية لها، المأساة، والمؤامرات، الميلودراما، والواقعية ، فقد قرر ماركيز أن تصل اعماله إلى أكبر عدد ممكن من الناس، ليحقق المتعة والتسلية.. يكتب الناقد الادبي الشهير هارولد بلوم:" انطباعي المبدئي، أثناء إعادة قراءة "ماة عام من العزلة" هو نوع من إجهاد المعركة الجمالية، طالما أن كل صفحة مفعمة بحياة كاملة فيما وراء قدرة أي قارئ واحد على امتصاصها. أن هناك بعدا جديدا مضافا للقراء بهذا الكتاب. قارئها المثالي يجب أن يشبه الشخصية المثيرة للتذكر بشكل أكبر، كولونيل أوريليانو بوينديا الغاضب المتعالي الذي بكى في رحم أمه ووُلد وعينيه مفتوحتين. لا توجد جمل بلا قيمة، لا توجد مجرد انتقالات في هذه الرواية، وعليك أن تلاحظ كل شيء في اللحظة التي تقرأها. كل شيء سيتماسك، على الأقل الأسطورة والمجاز إن لم يكن دوما المعنى الأدبي" – ترجمة امير زكي

في معظم رواياته سيحاول ماركيز ان يخدع القارئ لكي يصدقه ، وهو يستخدم مهارته الصحفية التي تعلم منها كيف يستخدام تفاصيل محددة للغاية عند وصف الأحداث الرائعة. وجد أن القراء كانوا أكثر ميلًا إلى تصديقه عندما وصف الاشياء الغريبة والخارقة، أصر على أنه كان يقدم الحقيقة ببساطة كما يراها:" الحقيقة ليست مجرد الطريق التي تحت قدميك. إنها أيضًا خرافات عامة الناس".

عندما صدرت مئة عام من العزلة عام 1967 كانت وجهات النظر عنها مختلفة عن تلك التي قيلت عنها بعد سنوات، وهذا ما حصل معي عندما عدت اليها بعد صدور ترجمة جديدة لها قام بها صالح علماني.

في كتابه سنة القراءة الخطيرة – ترجمة محمد الضبع - يصف آندي ميلر معاناته مع " مئة عام من العزلة " حيث يقول انه وجد من الصعب عليه ان يجد ارضا مشتركة بينه وبين رواية ماركيز:" كانت تعتبر رواية ثورية، رومانسية، العاب نارية للخيال، لكني لا اجد شيئا من هذا فيها. تبدو بالنسبة لي كخدعة جيدة تم تكرارها كثيرا ". بالنسبة لي لا اريد ان يكون تصوري عن الرواية شبيها بتصور السيد أندي ميلر، فانا مثله اعلم جيدا ان رواية ماركيز تعني الكثير للعديد من القراء الذين وصل عددهم الى اكثر من مئة مليون قارئ حول العالم.

لماذا تذكرني مئة عام من العزلة برواية فوكنر الشهيرة الصخب والعنف ؟، كنت اقرأ فوكنر بجدية برغم حالة الملل التي تنتابني، ولهذا احسست ان تقنية فوكنر هيمنت على ماركيز، وهذا ما يخبرنا به في حوار أجراه معه بيلينيو أبوليو مندوزا – نشر في كتاب رائحة الجوافة – حيث يشير ً إلى التماثل الجغرافي، لا الأدبي بين عمله وعمل فوكنر،وعندما يحشره مندوزا في زاوية ضيقة بتوجيه انتباهه إلى تشابهات تتعدى النطاق الجغرافي " هناك خط معين من النسب بين العقيد سارتوريس عند فوكنر والعقيد أوريليانو بوينديا في مئة عام من العزلة، بين ماكوندو ويوكناباتاوفا كونتي في الصخب والعنف، يقول له مندوزا: عندما تحاول ألا تعترف بفوكنر كعنصر مؤثر ومهم، ألا ترتكب بذلك جريمة قتل ضد أقرب الناس إليك"، يجيب ماركيز: " ربما أكون كذلك. لذلك قلت أن مشكلتي لم تكن في كيفية تقليد فوكنر، ولكن في كيفية تدميره. لقد كان تأثيره يشل حركتي"

ييدو ماركيز سعيدا وهو يرى روايته " مئة عام من العزلة " استطاعت ان ترضي القراء، يقول لمندوزا:" عندما قال لي ناشرها بالإسبانية أنه ذاهب لطباعة ثمانية آلاف نسخة منها صدمت لأن كتبي الأخرى بيع منها فقط سبعمائة نسخة فسألته لماذا لايكون العدد أقل مما قلته، قال أنه مقتنع بجودتها ويتوقع منها أن تباع ثمانية آلاف نسخة خلال الفترة المحصورة بين أيار و كانون اول، لكنها في الواقع بيعت جميعها خلال اسبوع واحد في بوينس آيرس".

عام 1949 يقف وليام فوكنر ليتسلم جائزة نوبل للآداب وليقول للعالم:"أنا أؤمن أن الإنسان ليس فقط سيتحمل: ولكنه سينتصر. إنه خالد، ليس فقط لأنه الوحيد بين المخلوقات الذي لديه صوت لا يهدأ ولكن لأن لديه روحاً، نفساً قادرة على الرحمة والتضحية والتحمل. واجب الشاعر والكاتب هو أن يكتب عن هذه الأشياء. إنه امتيازه ليساعد الإنسان ليتحمل عن طريق تعلية قلبه، بتذكيره بالشجاعة والشرف والأمل والفخر والرحمة والشفقة والتضحية، تلك التي كانت مجد ماضيه"، في ذلك الوقت كان ماركيز يبلغ من العمر 22 عاما، يبدأ مهنته في الصحافة ويجرب كتابة القصص القصيرة ، كان قد قرأ كافكا وتعلق برواية فوكنر الصخب والعنف، بعد 33 عاما سيقف ماركيز في نفس القاعة التي وقف فيها فوكنر ليستلم جائزة نوبل وليقول للجنة الجائزة:" في مثل هذا اليوم، قال معلمي وليم فوكنر في هذا المكان: ارفض تقبل نهاية الانسان. ولست اجد نفسي جديرا ان اشغل هذا المكان لو لا وعيي الكامل بأن الكارثة التي رفض تقبلها منذ ثلاثة وثلاثين عاما هي الآن، للمرة الاولى، منذ اصول البشرية، ليست اكثر من احتمال علمي. وحيال هذا الواقع المباغت الذي كان يمكن له أن يبدو عبر زمن البشرية كله اشبه بيوتوبيا، نشعر نحن مختلقي الخرافات الذين نصدق كل شيء، بأن لنا الحق في تصديق أن الوقت لم يفت بعد للانطلاق في إبداع اليوتوبيا المعاكسة. يوتوبيا حياة جديدة وساحقة، حيث لا يمكن لأحد أن يقرر عن الآخرين حتى طريقة موتهم، وحيث تجد، اخيرا وإلى الابد السلالات المحكومة بمئة عام من العزلة فرصة ثانية على الارض " – لم آت لالقي خطابا ترجمة صالح علماني -.

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

في المثقف اليوم