شهادات ومذكرات

معاذ محمد رمضان: كيف تحوّل الدكتور حسين مروة الى الماركسية؟

كيف بدأ هذا التَحول عند المفكر حسين مروة؟ وكيف مالَ الى الشيوعيين مع عدم الإنتماء الحزبي؟ وكيف أُبعدَ من العراق قسراً؟

هذا ما سأتعرض إليه الآن مُحاولاً الإختصار ما استطعت:

ترك مروة وعائلته مدينة الناصرية متوجهين الى العاصمة بغداد في سنة 1941، وأصبح مروة أستاذاً للأدب العربي في "ثانوية شَمَاش" التابعة للطائفة اليهودية العراقية في شارع الرشيد.

(في بغداد كنت لدى إنتقالي إليها، معروفاً الى حدِ ما، فلم أجد صعوبة في تكوين صداقات وعلاقات في الوسط الثقافي والسياسي العراقيَيِن. أمضيت العام الأول من إقامتي في بغداد في خط الفكر القومي ـ حزب الإستقلال ـ المعادي للشيوعيين واليساريين، لم أبدأ التحول الى الماركسية إلا بعد تَعرفي بحسين محمد الشبيبي، وقد أعارني "البيان الشيوعي" لكارل ماركس، وقد قرأته مرات عدة وتَمعنت في معانيه، ثم إجتمعت به ثانية فأعطاني كتاب لينين "الدولة والثورة". فإطلاعي على هذين الكتابين أثار إهتمامي بالماركسية ودعاني الى إلتماسها والبحث عنها، وبقيت علاقتي بحسين الشبيبي سرية، فقد عرفت أنه أحد مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي. لم أتعرف على "فهد" شخصياً، ولكنني تعرفت على بعض قياديي الحزب الشيوعي في جملة من تعرفت في الجو الثقافي والصحافي والسياسي، وخاصة بعد أن بدأت أعمل في جريدة "الرأي العام" لصاحبها الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، ومجلة "الحضارة" لصاحبها الكاتب محمد حسن الصوري. ولكنني لم ألتزم خطأ فكرياً وتنظيمياً بواحد من هذه الأحزاب).

بدأ التحول عند مروة "حياتياً" أكثر منه فكرياً، بعد إعدام زعيم الحزب الشيوعي فهد، وحسين الشبيبي، وقد وقف مروة في التظاهرات آنذاك موقفاً مؤيِداً ومشارِكاً بحزم، وقد كتب مقالة "في عرس جعفر" بعد استشهاد الأخير في معركة الجسر، وهو جعفر الجواهري أخ الشاعر الكبير الجواهري.

(إنتهت الإنتفاضة بنجاح، وتشكلت وزارة وطنية شارك فيها حزب قومي، ما إن دخل الحكم حتى تخلى عن أهداف الإنتفاضة وشعاراتها... وإنطلاقاً من موقفي الوطني وملاحظاتي الموضوعية لسلوك ومواقف شتى الأحزاب صرت على يقين من أن الشيوعيين وحدهم يَتَحَمَلون بموقفهم وسلوكهم اليومي عبء صيانة الإنجاز الأساسي للإنتفاضة).

(من هنا تَكَونَ عندي ميل للشيوعيين يتقاطع مع نظرتي المادية وموقفي الوطني، ومن هنا بدأ يبدأ تَحولي الحاسم الى الشيوعية، رافق ذلك نَهَمُ الى الإطلاع الى الفكر الماركسي من مؤلفاته الأساسية، لكنني على الرغم من ذلك لم أنتمِ الى الحزب الشيوعي العراقي، فلم تكن قد نضجت عندي بعد فكرة الإنتماء الحزبي).

"التَعقل والعاطفة عند نوري السعيد"

آخر مقال نُشر لمروة في بغداد، وقد كتبه رداً على دعوة نوري السعيد للناس الى التَعقل. حاول مروة في هذا المقال تفسير ماذا يعني نوري السعيد بالعقل وماذا يعني بالعاطفة.

جاء نوري السعيد الى الحكم بعد أسبوع من نشر المقال، ولم يمر أسبوع آخر حتى أُخرج مروة من العراق وصودرت كل أوراقه الثبوتية.

"أنا عراقي .. وإن"

مقال تركه مروة عند رئيس تحرير جريدة "صوت الأحرار" البغدادية، ونُشر المقال بعد مغادرة مروة، ومما جاء فيه:

(وأنا ـ بعد ـ عراقي لأن حياة الشعب العراقي قد إنصهرت في حياتي، ولأن حياتي قد إنصهرت في حياة هذا الشعب، أكاد لا أعرف ألماً غير آلامه، ولا مطمحاً غير مطامحه، ولا عذاباً غير ما يلقاه من ألوان العذاب، وحتى أكاد لا أعرف لنفسي حاضراً غير حاضره، ولا مستقبلاً غير مستقبله. سواء عَلَيَ أكنت فوق أرضه المباركة وتحت سمائه المتجددة، أم كنت طريداً وراء الحدود.

وأنا منذ اللحظة التي ينفلت فيها من عينَيَ آخر مشهد من مشاهد العراق على "الحدود" أشعر أنني أول "عراقي" ينفلت من "عراقية" مقيدة مغلولة، الى "عراقية" طليقة من القيود والأغلال).

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

...........................

يُراجَع:

سيرة حسين مروة كما أرادها أن تُكتَب ـ وُلدتُ رجلاً وأموت طفلاً، إعداد: أحمد حسين مروة، دار الفارابي بيروت ط1 2018، يُنظَر الصفحات:

242، 255، 256، 271، 272، 276، 277، 278، 279، 280

في المثقف اليوم