نصوص أدبية

كفاح الزهاوي: نسمة في ليلة قمرية

في غمرة التلهف للقاء القمر، بعد أن غاب عن الظهور دهرًا من المحن، يتصاعد شوقي متناغمًا مع القلق كلما تسربت خطوط ضوء القمر عبر تناثر السحب في السماء العاتية نحو تلك الحدود المسيجة بأسوار الشجن، فتجعل الصورة واضحة المعالم في دجى الليل.

شعرت أن حياتي سلكت مسارها نحو النهوض، وأن ذكرياتي المدفونة بعد أن تحررت من قيود الخوف قد أعيدت إحياؤها، وصعد عطرها إلى عالم الشغف، والمرح. ما إن تلاشى كابوس الظلام حتى باتت جذوة الحياة تلتقط أنفاسها، وتبعث بدفئها رسائل السكينة بعد أن كانت على وشك الانطفاء.

بدأت ريح الفرح تهب عليّ. لحظات توحي بالهدوء والاسترخاء، في نهار جميلٍ وصافٍ، وكثير الرياح، التي كانت تخترق الطرقات المتعبة وتنزلق بين الأشجار الصامتة، وتلامس أغصانها، فتسمع حفيف الأوراق الشاحبة، التي تسقط فجأة إحداها في الهاوية لتستوطن مثواها الأخير.

تخيلت نفسي وسط حشد من الطيور المتألفة في إحدى ساحات روما تتظاهر حولي وتلتقط الحبوب المتجمعة في باطن كفي. ونسيم ندي يلامس بَشَرَة خدي، فيترك لمسات ضاربة إلى الحمرة. وهناك فرقة موسيقية تعزف سمفونية موزارت تصدح في الأرجاء، فتدغدغ ألحانها نوارس السماء.

كانت ليلتي حزينة مع أنّ سماءها ترفل بالنجوم المضيئة وتحفز المرء على الاستمتاع بالهدوء المعتاد... السعادة الحقيقية تكمن في غسل النفس من آلام الضمير، والشعور بقيمة الإبداعات النابعة من أعماق الوجدان، والبقاء حرًا طليقًا بلا قيود.

تتسارع الخُطا نحو الشواطئ البعيدة المغطاة بالرمال الساخنة، وقد خفت حرارتها وقت الغروب حيث منبع الراحة والتأمل. انظر حولي وأخذ نفسًا عميقًا. لا أحد بجانبي، أنا والطبيعة والسكون الثقيل.

ما أجمل وجه الحياة، أن تنظر إلى الأفق البعيد، وترى قارب الصيد يبحر باتجاه الشمس الغاطسة، وهي على وشك الغرق بتمهل في قاع البحر، وتقول وداعها اليومي، ثم يلتقي الغسق والبحر في عناق أحمر، ضاربًا بلونه زرقة السماء، قبل أن يهبط الظلام بثقله على أنفاس الطبيعة.

هناك أشياء كثيرة، تعني لنا الكثير مهما ابتعدنا عنها فهي راسخة في جذورنا بكل تفاصيلها، لا تمحيها رغوات الأمواج الهائجة. فهي تجسد أفق الحياة، لأنها متماسكة، ومتفقة لطموحاتنا.

الدمار الوقتي لا يعني اليأس والإحباط، بل يعني مرحلة تعيسة في نهر الحياة. لا نجعل من الزمن الخطر المحدق يحبس الأنفاس، فالخط الفاصل بين اليأس والأمل، ليس سوى جدار شفاف يخترقه بريق الإصرار وقوة الإرادة والصمود الحتمي أمام المطبات.

***

كفاح الزهاوي

 

في نصوص اليوم