آراء

كريم المظفر: الى متى يمر المتاجرة السياسية بالعراقيين بدون حساب

كريم المظفرحادث مقتل المهاجر العراقي على الحدود بين بيلاروسيا و ليتوانيا، وتبادل الاتهامات بين البلدين في أسباب مقتله، حركت المساعي الدبلوماسية في كل من مينسك وبغداد وفيلنيوس، بعد أن ساء الوضع على الحدود الليتوانية البيلاروسية في الأيام الأخيرة، بعد قيام ليتوانيا بطرد مهاجرين قسريًا إلى الأراضي المجاورة، بحسب حرس الحدود البيلاروسية، وإصابة العديد منهم معظمهم من المواطنين العراقيين، حيث تسعى العواصم الثلاث الى اقناع العراقيين المرابطين على الحدود الليتوانية بالعودة الى العراق، في وقت أغرت وزارة الشؤون الداخلية الليتوانية، المهاجرين العراقيين من خلال تقديم مبلغ مالي لكل مهاجر غير شرعي يعود إلى وطنه.

راديو "LRT" الليتواني نقل تصريحات مديرة دائرة الهجرة التابعة لوزارة الشؤون الداخلية للجمهورية، إيفيلينا غودزينسكايتي، قولها إمكانية السلطات الليتوانية دفع مبلغ 300 يورو للمهاجرين غير الشرعيين إذا عادوا إلى وطنهم، مضيفة انه سيتم دفع المبلغ في المطار قبل الصعود على متن الرحلة والاستلام سيكون دفعة مرة واحدة فقط، مشيرة إلى أنه في حال قيام أحدهم بالقدوم إلى ليتوانيا مرة أخرة لن يكون بمقدوره التقدم بالحصول على الإعانة.

ليتوانيا، التي دخلت على خط المواجهة مع بيلاروسيا، بحجة النضال من أجل الديمقراطية، وتريد جلب zmagars (تشير هذه الكلمة إلى المعارضين البيلاروسيين الذين لا يمكن التوفيق بينهم والذين يعارضون نظام ألكسندر لوكاشينكا) إلى السلطة في بيلاروسيا – حيث يحاول الليبراليون والقوميون تدمير دولة الاتحاد بين روسيا وبيلاروسيا من خلال التحريض على الخوف من موسكو، وباتت فيلنيوس أيضا مأوى عناصر المعارضة البيلاروسية وعلى رأسهم المرشحة الرئاسية السابقة سفيتلانا تيخانوفسكايا، ونقطة الانطلاق لنشاطات المعادية لمينسك، والدبلوماسية المحرضة ضد حكم الرئيس ألكسندر لوكاشينكو.

وتتهم السلطات الليتوانية، بيلاروسيا بتسهيل عبور آلاف المهاجرين غير الشرعيين إلى بلادها، حيث تم اعتقال حوالي 1672 مهاجرا من جنسيات عربية وآسيوية، وبينهم مهاجرون من العراق وسوريا، وأعلنت ليتوانيا مؤخرًا عن ارتفاع عدد المهاجرين غير الشرعيين المحتجزين على الحدود مع بيلاروسيا، وفي هذا الصدد، أعلنت سلطات البلاد حالة الأزمة في 2 يوليو، حيث تشير أحدث البيانات إلى أنه تم احتجاز أكثر من 4 آلاف مهاجر غير شرعي في ليتوانيا على الحدود مع بيلاروسيا منذ بداية العام.

دعوة رئيسا وزراء ليتوانيا وبولندا إنغريدا زيمونيتي وماتيوس مورافيتسكي ، الاتحاد الأوروبي إلى تشديد الإجراءات ضد بيلاروسيا فيما يتعلق بأزمة الهجرة في المنطقة، إيلاء المزيد من الاهتمام لحماية حدوده الخارجية، وأشاروا إلى أن ضمان حماية حدود منطقة "الشنغن "هي مسؤولية ليس فقط الدول الأعضاء الفردية، ولكن أيضًا المسؤولية المشتركة للاتحاد الأوروبي، وقال البيان المشترك لهما «يجب إيلاء هذه القضية الاهتمام السياسي المناسب والتمويل الكافي على مستوى الاتحاد الأوروبي"، وهذه الدعوات لم تخلوا من تحميل مينسك مسؤولية استفزازها، مشددين في الوقت نفسه على ان ليتوانيا وبولندا تلتزمان بشدة بالموقف بشأن الحاجة إلى رد صارم وحاسم على تصرفات النظام البيلاروسي وكل من يشارك في تنظيم نقل المهاجرين غير الشرعيين.

كما تتهم ليتوانيا على لسان نائب وزير خارجيتها مانتاس أدوميناس السلطات البيلاروسية بكل شيء، والذي يرى ان هذه ليست هجرة عادية، بل هي محاولة من " النظام " البيلاروسي لإعادة هؤلاء الأشخاص إلى ليتوانيا من أجل زيادة الضغط على فيلنيوس، وبالتالي أصبح المزيد والمزيد من الأشخاص الذين يسعون للهجرة أدوات في أيدي النظام " الإجرامي" ... وليتوانيا، التي لديها أطول حدود الاتحاد الأوروبي مع كانت بيلاروسيا هدفاً واضحاً، لذا فهذه محاولة سياسية للضغط على الحكومة وإجبار الاتحاد الأوروبي على التخلي عن العقوبات التي أضرت بنظام (الرئيس) لوكاشينكو، والمهاجرون الفقراء عالقون في مرمى النيران.

الظروف التي يعيشها المهاجرون العراقيون وكما أوردتها وكالة الأنباء الكردية رووداو، بأن الأكراد متورطون في الصراع بين بيلاروسيا وليتوانيا، ونقلت عن احد المهاجرين الاكراد كارفان فايزولا من معسكر بابراد الليتواني قوله عن الوضع وتعامل الشرطة والقوات الخاصة المهاجرين معاملة سيئة للغاية، حيث صُدم الناس بهذه الإجراءات التعسفية، وتعرض منهم للضرب بالأحذية، ويشرب المهاجرون ماء التواليت، واصفا الوضع بالمريع، حيث يوجد حوالي 700 مهاجر من بينهم من 400 إلى 500 من الاكراد وهناك أناس عائلاتهم في السجن وأطفالهم غائبون (في المخيم)، وهناك أشخاص في السجن يعانون من مرض السرطان أو مشاكل في القلب، وهناك سيدة تبلغ من العمر 80-90، وهي في السجن، أين الضمير وحقوق الإنسان هنا؟، مشيرا الى انه بالإضافة إلى الأكراد، كان من بين المهاجرين عراقيون وسوريون وأفغان وأفارقه احتجزوا في المخيم قرابة شهرين بعد ترحيلهم من ألمانيا.

العراق من جانبه وكما أعلنت وزارة الخارجية العراقية، أرسلت وفدا دبلوماسيا إلى منطقة الحدود بين بيلاروس وليتوانيا للوقوف على تفاصيل مقتل مواطن عراقي والتدقيق بموضوع احتجاز خمسة عراقيين آخرين، وقال الناطق باسم الوزارة أحمد الصحاف، "أجرينا اتصالات مكثفة مع وزراء خارجية عدد من دول أوروبا وتلقينا اتصالات أيضا بهذا الشأن"، لافتا إلى أن الإشكالية تكمن بموضوع اللجوء غير الشرعي والذي بات يشكل قلقا كبيرا للدول وسلاحا موجها للبعض في النسق الجيوسياسي.

خلية العمل التي تشكلت داخل السفارة العراقية في موسكو لتتابع وبدقة تطورات الموقف وبتنسيق مع مركز الوزارة ببغداد، ومنحها صلاحية صرف جوازات عبور لأي عراقي فقد جواز سفره ويريد العودة لا سيما من بيلاروسيا، وأوفدت السفارة كادرا دبلوماسيا إلى بيلاروس ووصل بالفعل إلى الحدود البيلاروسية- الليتوانية بتنسيق كامل مع السلطات للوقوف على تفاصيل مقتل مواطن عراقي من مواليد 1981 من عائلة الحارس من محافظة النجف الأشرف، بالإضافة للتدقيق بقضايا خمسة عراقيين محتجزين منذ يومين في نفس الشريط الحدودي بين البلدين.

إيقاف جميع الرحلات الجوية المتوجهة إلى مينسك وعبر جميع وسائل النقل ومنها الخطوط الجوية العراقية وفلاي بغداد وإلى إشعار آخر، مع الإبقاء على الخطوط بشكلها الفاعل لإعادة المسافرين العراقيين، الطوعية لأي مهاجر، والتحذير في الوقت نفسه من وقوع المواطنين العراقيين من الوقوع في شراك شبكات الاتجار بالبشر والتهريب غير الشرعي، وفي ذلك إجراءات صارمة وقاسية من الدول لحماية أمنها وحدودها.

بدأ الخطوط الجوية العراقية بتنظيم رحلات إجلاء للمواطنين العراقيين العالقين في بيلاروسيا، وكما جاء في تغريدة السفير العراقي في روسيا عبد الرحمن الحسني، عبر حسابه الشخصي على تويتر، اعتبارا من يوم الثلاثاء العاشر من أغسطس الجاري، وان وفد قنصلي تابع للسفارة في مكتب الخطوط الجوية العراقية وفي المطار لتقديم كافة التسهيلات الممكنة للمواطنين الكرام، تأتي استكمالا لرحلة الاجلاء التي بدأت من يوم الجمعة الماضية بعد إرسال طائرة جامبو من الخطوط العراقية تتسع لـ 400 شخص، لكنها عادت حاملة 130 شخصا لعدم وجود عدد أكبر من المسافرين العراقيين ممن يرغبون في العودة.

اعتراف وزارة الخارجية العراقية في وجود شبكات الاتجار بالبشر والتهريب الغير شرعي للمواطنين، يجعلها امام مسئولية مباشرة مع الوزارات العراقية ذات الصلة لوقف هذه العصابات والتي هي باتت معروفة ويديرها أناس مشخصين حتى بالأسماء لديهم، وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل، خصوا وأن أزمة بيلاروسيا كشفت مستور هذه العصابات ومن يقفر وراءها.

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

 

في المثقف اليوم