آراء

كريم المظفر: أوكرانيا حَشرٌ مع الجمعٍ عيد

كريم المظفراختيارنا لهذا المثل الشعبي المتعارف عليه كعنوان لمقالنا اليوم، كونه يطلق على أولئك الذين ليس لهم مضرة او منفعة في موضوع ما، ولكنهم يحاولون حشر أنوفهم، كي يثيروا الانتباه اليهم، وأكرانيا تذكرنا براعي البيت الذي سرق بيت جاره، وعندما سئل عن السبب قال لجاره الاخر (هل الشرطة ذكرت اسمي بالموضوع)؟، وكما يقولون فان الامثال تقال ولا تقاس، فإن أوكرانيا ليس لها دخل في موضوع ازمة اللاجئين، وليست طرفا فيها، ولا يرغب أحد في دخولها، لأن معظم الشعب الاوكراني الان هو بالأصل لاجئ في أوربا، بسبب الوضع الاقتصادي المزرى في البلاد، إضافة الى ان أوكرانيا ليست عضوة في الاتحاد الأوربي كي تجذب انتباه اللاجئين اليها .

لذلك عملت كييف على تقديم نفسها كعضو أساسي في هذه الازمة، وتقول انها تحوطا لأي تطورات حول أزمة اللاجئين المشتعلة على الحدود مع بولندا، فإنها بدأت احتياطاتها لمواجهة اية تطورات قد تقع على حدودها أيضا، وسمح وزير الداخلية دينيس موناستيرسكي بفرض حالة الطوارئ في حالة تفاقم الوضع على الحدود مع بيلاروسيا في المناطق الحدودية لأوكرانيا.

وحالة الطوارئ هي نظام قانوني خاص يمكن إدخاله مؤقتًا في أوكرانيا أو في بعض مناطقها في حالة الطوارئ الخطيرة بشكل خاص ذات الطبيعة التكنولوجية والطبيعية (الكوارث الطبيعية، والكوارث، وخاصة الحرائق الكبيرة، واستخدام الأسلحة، الأوبئة، والأوبئة، وما إلى ذلك)، وتشكل تهديدًا لحياة وصحة شرائح كبيرة من السكان، ويتم فرض حالة الطوارئ في أوكرانيا أو في بعض مناطقها بموجب مرسوم صادر عن رئيس أوكرانيا، رهناً بموافقة البرلمان الأوكراني في غضون يومين من تاريخ استئناف رئيس الدولة، وقال موناستيرسكي، انه تم وضع سيناريوهات مختلفة لهذه الإجراءات، بما في ذلك إعلان حالة الطوارئ في هذه المناطق الحدودية".

وعُقد اجتماع حول الوضع على الحدود بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي برئاسة أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أوليكسي دانيلوف في لوتسك بأوكرانيا، وحضره الوزراء ورؤساء إدارات الدولة الإقليمية، فضلاً عن سفيرا ليتوانيا وبولندا، في حين قال رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي إن أزمة الهجرة على حدود بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي لن تؤثر على إمكانية دخول البيلاروسيين إلى أوكرانيا، وأضاف أنهم لا يخططون لإشراك العسكريين من شرق وجنوب البلاد في حماية الحدود مع بيلاروسيا.

وعلى عكس روسيا، التي يتم جرها بشكل مصطنع إلى أزمة الهجرة على حدود بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، فإن أوكرانيا تفعل ذلك بمفردها، حيث ترغب في استغلال الوضع لمصالحها الخاصة، و أعلنت كييف بالفعل أنها مستعدة لصد "العدوان الهجين" من بيلاروسيا على شكل مهاجرين، بل إنها تخطط لإجراء مناورات لقوات الدفاع الإقليمية بالقرب من الحدود البيلاروسية خلال الشهر المقبل.

وعلى وجه الخصوص، دعا ديمتري ياروش، المستشار المعين لرئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية والرئيس السابق لمنظمة "القطاع الصحيح" المتطرفة (المنظمة محظورة في الاتحاد الروسي)، بالفعل إلى السلطات لمساعدة وارسو ليس فقط في محاربة المهاجرين، ولكن أيضًا مع لوكاشينكو، الذي يُزعم أنه يرسل لاجئين إلى الغرب، وفي موازاة ذلك، وعد الراديكاليون من الفيلق الوطني بالتعامل مع المهاجرين على الحدود البيلاروسية البولندية.

ويبدو أنهم (الراديكاليون) يخططون للانضمام إلى القوميين البولنديين، الذين أعلنوا في السابق عن استعدادهم لاستعادة النظام على الحدود، كما دعا الزعيم "المنسي" للحزب القومي "سفوبودا" والنائب السابق أوليغ تياغنيبوك كييف إلى "التحرك الفوري والشامل" لإغلاق الحدود مع بيلاروسيا "لتعزيز الحماية العسكرية وفرض حالة الطوارئ في البلاد. المناطق المحيطة "، كما ألقى باللوم على روسيا فيما يحدث، في حين أضاف الرئيس السابق لأوكرانيا بيترو بوروشينكو إلى الصورة، الذي أعرب عن دعمه لبولندا وليتوانيا في معارضتهما لـ "غزو الهجرة" "الملهم بسخرية" لوكاشينكا وبوتين، بل وطالب بنشر قوات على الحدود مع بيلاروسيا، وقال "إن أصغر عقوبة دولية ستكون فرض عقوبات جهنمية ليس فقط ضد نظام لوكاشينكا، ولكن أيضا ضد" محرك الدمى "الحقيقي وعدو العالم الديمقراطي - بوتين".

ومثل هذا الخطاب للقوميين والمتطرفين وغيرهم من الشخصيات، الذين يدعمهم جزء صغير من السكان في أوكرانيا، كان من الممكن أن يمر دون أن يلاحظه أحد إذا لم يتغير موقف كييف الرسمي في الأيام الأخيرة، حيث صرحوا سابقًا بأن الوضع على الحدود بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي لا يعنيهم، وأعرب فلاديمير زيلينسكي، أولا في محادثة مع الرئيس البولندي، عن تضامنه مع وارسو وقال إن كييف تتخذ جميع الإجراءات اللازمة على حدودها فيما يتعلق بأزمة الهجرة الحالية.

في وقت لاحق، أفادت وزارة الشؤون الداخلية الأوكرانية أن البلاد ستبدأ في تعزيز حدودها الخارجية، وأن حرس الحدود، بالإضافة إلى المعدات الإضافية والطائرات بدون طيار، سيتم سحبهم إلى قسم الحدود الأوكرانية البيلاروسية، وأضاف رئيس مجلس الأمن القومي والدفاع أليكسي دانيلوف إلى الصورة، الذي قال إن البلاد "سيكون لديها أكثر من القوات والوسائل الكافية" لتوفير رد مناسب على التهديد من بيلاروسيا.

وكانت كل هذه التصريحات مرتبطة بطريقة ما بروسيا، التي، وفقًا لوزير الخارجية الأوكراني ديمتري كوليبا، "تحاول هضم بيلاروسيا" في إطار "لعبة معقدة للغاية" تتكشف في أوروبا، وهكذا، في كييف، لم يعودوا يترددون في التحدث نيابة عن أولئك الذين صوت ضدهم الأوكرانيون العاديون ذات مرة، علاوة على ذلك، أعربت السلطات الأوكرانية مؤخرًا عن استيائها المتزايد من شركائها الأوروبيين، مما أدى عمداً إلى تصعيد التوتر مع بروكسل، وإن نتائج هذا السلوك، على الأرجح، ستكون محزنة، لأن أوكرانيا أصبحت منذ فترة طويلة موضوعًا للعلاقات الدولية، وتهددها مثل هذه الإجراءات التي تتخذها كييف بمشاكل خطيرة.

الرئيس الاوكراني يحاول ابتزاز الاوربيين، واستغلال الأوضاع الحالية حول اللاجئين في بيلاروسيا، ويشدد على التصعيد الإعلامي ضد روسيا، وآخرها تصريحاته بإن روسيا حشدت نحو 100 ألف مقاتل على حدود أوكرانيا، وقال زيلينسكي، في مقطع فيديو نشره مكتب الرئيس الأوكراني: "آمل في أن العالم يمكنه الآن أن يرى بوضوح من يريد حقا السلام ومن يحشد نحو 100 ألف جندي على حدودنا"، مشيرا إلى أن الدول الغربية قدمت لأوكرانيا معلومات تفيد بـ"تحركات نشطة" للقوات الروسية على الحدود الأوكرانية.

تصريحات الرئيس الاوكراني، نقضها رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي، ورغم تحذيرات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عقب لقاء مع نظيره الأوكراني، دميتري كوليبا، لروسيا من "تكرار خطأ عام 2014" في أوكرانيا، فقد أكد الجنرال الأمريكي أن تحركات القوات الروسية بالقرب من حدود أوكرانيا لا تشير إلى نية روسيا التدخل في أراضي جارتها، وقال ميلي خلال خطاب في جامعة ديوك، تعليقا على الموضوع: "هذا ليس أمرا عدوانيا سافرا، ليس شيئا يشير إلى انهم يخططون للتدخل في الأيام القريبة"، مشددا في الوقت نفسه على أن الولايات المتحدة تراقب من كثب "المناورات على الجانب الروسي من الحدود مع أوكرانيا"، في حين أكد رئيس أركان الجيش البريطاني الجنرال نيك كارتر من جانبه أشار إلى تجاوز التوتر بين الغرب وروسيا مستويات الحرب الباردة، محذرا من إمكانية اندلاع حرب بالصدفة نظراً لغياب العديد من الأدوات الدبلوماسية التقليدية.

كما ان روسيا أكدت على لسان نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، دميتري بولانسكي، أن موسكو لم تخطط أبدا لأي تدخل عسكري في الأراضي الأوكرانية، وقال بولانسكي، في حديث لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، ردا على سؤال حول ما إذا كانت بلاده تخطط لتنفيذ أي عملية عسكرية في الأراضي الأوكرانية: "لم تخطط (روسيا) أبدا ولن تقوم بذلك، إلا في حال دفعتنا أوكرانيا أو أي طرف آخر (إلى ذلك) أو مثل ذلك مسألة حماية لسيادتنا الوطنية"، موضحا ان الكثير من التهديدات تنبع من أوكرانيا، " ولا تنسوا السفن الحربية الأمريكية في البحر الأسود. وهذا ما يجعل تفادي صدام مباشر في البحر الأسود أمرا صعبا للغاية"، وشدد الدبلوماسي على أن لدى روسيا الحق في حشد أي قوات عسكرية في أي مكان داخل أراضيها.

بدوره حذر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من خطورة إجراء الولايات المتحدة وحلفاءها مناورات عسكرية غير مقررة في البحر الأسود، مشيرا إلى أن استخدام الطيرانَ المزودَ بالأسلحةِ القتاليةِ الاستراتيجية خلالَ التدريبات تَحدٍ خطيرٌ بالنسبة لروسيا، وشدد بوتين على أن موسكو لن تُصعِدَ الوضعَ في المنطقة ولن تقابل خطوات حلف الناتو بذات الأسلوب، وقال الرئيس بوتين في حديث لبرنامج موسكو - الكرملين- بوتين إن الولايات المتحدةَ وحلفاءها بالناتو، تستخدم الطيران المزود بالأسلحة القتالية خلال التدريبات بالبحر الأسود، مشيرا إلى أن ذلك تحد خطير بالنسبة لروسيا، وشدد بوتين على أن موسكو لن تصعد الوضع في المنطقة.

هذا وستشتري أوكرانيا مجموعة إضافية من المركبات الجوية التركية غير المأهولة من طراز Bayraktar (الطائرات بدون طيار)، والتي سيتم تجهيزها بمحركات أوكرانية الصنع، صرح بذلك رئيس وزارة الدفاع الأوكرانية أليكسي ريزنيكوف خلال رحلة إلى منطقة العملية العسكرية في دونباس، والذي قال ان " شركاؤنا الأتراك " أعلنوا وبشكل علني أنهم سيأخذون محركات أوكرانية لتجهيز بايراكتاروف، وان بلاده تخطط لشرائها بالإضافة إلى ذلك العام المقبل، وقال " لكنني أؤكد أن هؤلاء سيكونون من طراز Bayraktars الأوكراني " التي ستصنع في تركيا، لكنها ستدخل في الخدمة مع القوات المسلحة لأوكرانيا.

ولفت ريزنيكوف الانتباه إلى "الحاجة الملحة لمزيد من الشراء" للطائرات بدون طيار لتلبية احتياجات القوات المسلحة، وأشار إلى أنها ستستخدم لأن أوكرانيا "يجب أن تدافع عن استقلالها".

وكشف وزير الخارجية الأوكراني ديمتري كوليبا، أن شركتين في البلاد وقعتا عقودا لتوريد محركات للطائرات بدون طيار التركية، حيث تم توقيع هذا العقد في اسطنبول بين شركة Ivchenko-Progress المملوكة للدولة وشركة Baykar Makina التركية، واتفقت Motor Sich أيضًا مع نفس الشركة التركية على توريد محركات لمركبة Akinci الجوية غير المأهولة (Akinci) .

ان أسباب هذا السلوك الرسمي لكييف كما يؤكد المراقبون هي بسيطة للغاية، فعلى خلفية المشاكل الداخلية، تحتاج السلطات الأوكرانية بشكل عاجل إلى إقناع ليس فقط المجتمع الدولي، ولكن أيضًا الأوكرانيين العاديين بأن البلاد محاطة بالأعداء، و ليس من قبيل المصادفة أن تصاعدت التوترات حول دونباس في الأشهر الأخيرة، وأصبحت أزمة الهجرة على الحدود بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي سببًا آخر لإلهاء المجتمع الأوكراني عن المشاكل الملحة وتعزيز الميول المعادية للروس فيه، وفي هذه الحالة، ليس من المستغرب أن يكون المبادرون الرئيسيون للهستيريا حول أزمة الهجرة هم أنواع مختلفة من الراديكاليين والقوميين وأولئك الذين نظموا الميدان في أوكرانيا في عام 2014.

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

 

في المثقف اليوم