آراء

مهدي الصافي: الدوران في فلك الانهيار.. فشل العملية السياسية في العراق

مهدي الصافيالتطاحن او التأكل الداخلي او حتى بما يسمى في علوم الفيزياء الميكانيكية او الحركية بمحركات الاحتراق الداخلي لتوليد الطاقة، هي علوم رياضية وطبيعية وابداعات او ابتكارات انسانية عامة، تنسحب على بقية العلوم والنتاج الفكري والمعرفي البشري المتواصل، اما ان تنقذك النظريات والايديولوجيات او تطحنك طحنا..

من هنا نرى ان الحضارة الغربية العلمانية جعلت اساس الحركة والتطور والاداء او الانتاج هو العلم، وابعدت عن ادارة الدولة والمجتمع الاساطير والاديان والايديولوجيات الجدلية او العقائدية، علما ان البعض منهم يريد العودة الى الحكم من باب الاحزاب العنصرية او اليمينية المتطرفة، بعد انتشار الارهاب والعنصرية والتطرف في العالم، وتصاعد ثقافة الشك والارتباك حول اسباب ظهور فيروس كورونا، والتشريعات الخاصة بالاغلاق وقوانين فرض اللقاحات الخ.

انظمة الحكم وادارة الدولة لايمكن ان يكتب لها النجاح دون وجود دراسات وخطط وبرامج استراتيجية واجراءات محلية علمية، بمعنى اخر ان علوم الرياضيات هي علوم لادارة الامم والمجتمعات والدولة والحياة، اي ان الامم والشعوب لايمكنها بناء دولة متحضرة قابلة للتنمية المستدامة والمتطورة دون وضع اسس تلك الحسابات، وكأنها عملية حسابية رأسمالية تدخل فيها معايير تقدير المنفعة في الربح والخسارة...

السياسة ليست فن الممكن فقط كما يقال، وانما هي طريق الصعود او الهبوط، قد تأخذ الاحزاب والتيارات السياسية في اي عملية سياسية حديثة او جديدة دورها، وتبقى بحاجة الى فترات طويلة لاعادة تقييم واختبار النتائج والاقتناع بهااو تصحيحها، ولكن قطعا الامر مختلف تماما في حال استلام دفة الحكم، لانها تعد قمة الاداء السياسي لهذا الحزب او ذاك ، ومرحلة مصيرية مهمة لغربلة اداءها ونتائجه المحسومة الواضحة، عندها سيكتب التأريخ ويقول كلمة الفصل، ويسجل اما مسألة الاخفاق وضرورة الانزواء بعيدا او يعطي اثبات منطقي وعملي على نجاح الافكار والبرامج والنظريات السياسية الخاصة بهم، ماحصل في العراق بعد 2003 هناك عناد واصرار غريب من قبل الطبقة السياسية الحاكمة الفاشلة والفاسدة على الاستمرار بقيادة الدولة بطريقة فوضوية ساذجة، على الرغم من ان ماكنات التطاحن الداخلي تقترب منهم ومن منطقة الحصن او المعقل الاخير اي المنطقة الخضراء..

مايجري في عالم مابعد كورونا هو ظهور ازمات وتوترات سياسية واقتصادية او جيوسياسية جديدة ، بين القوى العظمى والاقليمية الصاعدة، وكأن الانسحاب الامريكي من افغانستان قلب اللعبة على وجهة ورؤية وخطط وصفحات مختلفة، اذ عادت لغة الصراع والتلويح بالحرب واشعال الفتن والمؤامرات الى الواجهة (ازمة امريكا وايران وفشل حوار العودة الى الاتفاق النووي، امريكا والناتو مع ازمة روسيا واوكرانيا، المقاطعة الدبلوماسية لدورة الالعاب الشتوية في الصين والانقسام الذي احدثته رغبة فرنسا بالمشاركة، عودة العلاقة بين قطر ودول الخليج وبدء الاخير بفتح صفحة علاقات ضبابية مع ايران، ازمة الاقتصاد التركي، بقاء ملف سوريا والعراق ولبنان واليمن مفتوحا على كل الاحتمالات المتوقعة والمجهولة، ارتفاع اسعار النفط، طرق نقل الغاز الى اوربا، الصين وتايوان، الخ.)، مما عقد من المشهد السياسي في العراق بعد الانتهاء من الانتخابات المبكرة، واصبح اللعب الخارجي وتأثيرات التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد مكشوفا(بين ايران الممثلة بالاطار التنسيقي وبعض اجنحة الحشد الشعبي، وامريكا والامم المتحدة اي المجتمع الدولي ودول الخليج وتركيا الممثلة بالثلاثي الانتخابي التيار الصدري والبرزاني والحلبوسي-الخنجر)، المشكلة ان ايران تعتقد وحتى الى وقت قريب انها تمسك بالملف العراقي والمنطقة بقوة، بينما الاحداث لتي حصلت بعد انتفاضة تشرين(2019)، ومجيء الكاظمي لرئاسة الوزراء قلب المعادلة والطاولة، واظهرت نتائج الانتخابات الاخيرة ان الملف لازال بيد المجتمع الدولي (الذي اصبح اكثر وضوحا وشراسة فاق صراحة وعنجهية ترامب)، الذي اعاد العراق والعملية السياسية الى المربع الاول (مربع استلام السيادة اي قبل خمسة عشر عام)، اما التهديدات واللقاءات والتصريحات والاجتماعات المغلقة والفردية فيما بينهم ، وبين مبعوثة الامم المتحدة فهي استمرار للتشتت والتفكيك والخلاف وليست ابواب لايجاد الحلول(وبالاخص تغريدات السيد مقتدى الصدر الاخيرة بعد اجتماع بيت العامري ، وحول تفجير البصرة الخطير والملتبس) الج.

العراق دولة من ورق سجلت مؤخرا كسر اخر حلقة من حلقات انفكاك التماسك والترابط الرسمي والشعبي والمالي او الاقتصادي المبعثرة في مجال وقطاع الرياضة، فالدول تظهر وتقدم نفسها امام شعوبها وبقية الامم عبرالانجازات والابداعات والنتاجات الفكرية والثقافية الانسانية والعلمية والاقتصادية والفنية والرياضية، الخ.

لا ان ترسل لهم قوافل من اللاجئين والهاربين من جحيم الفوضى والفساد والفقر!

الطبقة السياسية الحاكمة والمهيمنة على السلطة والنظام في العراق تأخذ معها الشعب الى دوامة التطاحن والفشل دون رحمة، وعليها ان تراجع ماقدمته من كوارث، وان تنتبه الى انها تدور في فلك الفشل والانهيار، وامامها فرصة تاريخية مفصلية اما بالتنحي التدريجي وتسليم السلطة الى الكفاءات الوطنية المستقلة او الذهاب الى التعديلات الدستورية الجذرية الشاملة المرضية لجميع الاطراف من المكونات والاثنيات والطوائف والتوجهات

فضلا عن توفير الحد الادنى من القبول والاجماع الوطني عليه بعد اجراء الاستفتاء العام، وضمان الذهاب الى النظام الرئاسي المقيد بشروط دستورية معينة، لانهاء ظاهرة دولة الزعامات والقيادات وترحيلها الى مجلس السيادة او الشيوخ على غرار التجربة الامريكية وبقية الدول المتحضرة او دائرة التقاعد المريح، وبالتالي يتخلص الشعب من هذه الاشكالية الجاثمة على صدره (علما ان اغلب زعماء العملية السياسية عمل على صناعة انصاف المسؤولين وقدمهم بحركات وتيارات وتجمعات شبابية كارتونية تتجمع قبيل كل انتخابات وتتبخر وتختفي كما تختفي التجمعات الانتخابية بعد انتهاء كلمة الزعيم او من ينوب عنه....)، لتنهي بذلك سلسلة مريرة وبائسة من سياسة صناعة الصراعات والمؤامرات المفتعلة قبل كل جلسة محاصصة، وعندها يمكن العودة الى مسار العملية السياسية وادارة الدولة بطريقة علمية متقدمة، لان اثار كوارث الفساد والارهاب والانهيار ولعنات الولاءات والتدخلات الخارجية تشمل الجميع دون استثناء، وقطعا سيكون الثمن باهظ جدا.....

 

مهدي الصافي

 

في المثقف اليوم