آراء

كريم المظفر: روسيا تكشف سبب التصعيد مع الناتو

كريم المظفركشف مجلس الفيدرالية الروسي في التقرير السنوي للجنة مجلس الفيدرالية الروسي لحماية سيادة الدولة، أن محاولات الغرب لتشويه سمعة انتخابات مجلس الدوما في الدورة الثامنة سعت إلى تحقيق أهداف بعيدة المدى - خلال الانتخابات الرئاسية في عام 2024، يتمثل تغيير السلطة في روسيا وأسس سياستها الداخلية والخارجية، وأشار التقرير إلى أن الهدف الأساس هو تغيير السلطة في روسيا، وأسس سياستها الداخلية والخارجية، لجعل روسيا ملائمة للسيطرة الخارجية للانتخابات الرئاسية في عام 2024، وقال " ان حكومات الغرب لا تريد أمن وازدهار شعوب روسيا، بل تحاول احتواء روسيا الاتحادية وإضعافها قدر الإمكان".

وتشدد روسيا على إمكانية تقديم مفهوم جديد لسياسة روسيا الخارجية في بداية عام 2022"، وأعلن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، أن: "هناك احتمالا لصراع كبير يتراكم في العلاقات بين روسيا والغرب"،، وذلك أساسا لأن الغرب بشكل قاطع لا يريد إدارة الأعمال التجارية على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة، ولا يريد السعي لتحقيق توازن في المصالح، يريد أن يروج حصريا لرؤيته الخاصة لحل مشكلة معينة.

وفي تتطور جديد باللهجة المتصاعدة بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) وموسكو، شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة إطلاق مباحثات فورية مع الناتو وواشنطن حول ضمانات عدم توسع الحلف شرقا، لافتا إلى أن أوكرانيا تقوم عن قصد بتصعيد الأوضاع على خط التماس بدونباس وذلك وسط تغاضي عدد من الدول الغربية عن ذلك، وأشار بوتين إلى أن توجه كييف لحل الأزمة بالقوة يُعد انتهاكا لاتفاقيات مينسك.

واتهمت وزارة الخارجية الروسية الناتو بانتهاك التزاماته تجاه روسيا والتوسع إلى الشرق، مطالبة بإعلان الحلف رسميا القرار الصادر عام 2008 حول السعي إلى ضم أوكرانيا وجورجيا في قوامه باطلا باعتباره معارضا لمبدأ دول منظمة والأمن والتهاون في أوروبا المتمثل في "عدم تعزيز أمنها على حساب أمن الآخرين"، كما دعت الوزارة الحلف إلى إصدار تعهد رسمي بعدم نشره أسلحة في البلدان المتاخمة لروسيا بما قد يهدد أمنها.

ونددت موسكو بالبيان الذي حذرت فيه مجموعة السبع الكبار G7) ) من خطر "غزو روسيا لأوكرانيا"، وحملت حلف الناتو المسؤولية عن صب الزيت على نار النزاع في منطقة دونباس، وصرحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، وبأن موسكو لم تر أي شيء بناء في بيان مجموعة السبع الأخير، مضيفة أنه يضم "نفس الأطروحات والنقاط والاتهامات القديمة المعلقة على فكرة خاطئة تماما عن أي تحضيرات عسكرية من قبل روسيا بحق أوكرانيا"، وأشارت زاخاروفا إلى أن دول حلف الناتو تواصل تكثيف إمدادات الأسلحة إلى حكومة كييف، واصفا هذا الوضع بأنه مثير للقلق، وانتقدت بشدة تصريحات مسئولين أوكرانيين، في مقدمتهم الرئيس فلاديمير زيلينسكي، عن إمكانية تنظيم استفتاء شعبي لتقرير مصير جمهوريتي دونيتسك و لوغانسك المعلنتين ذاتيا، حيث لن يسمح لسكانهما بالمشاركة فيه إلا من الأراضي الخاضعة لسيطرة حكومة كييف، ووصفت زاخاروفا هذه الاقتراحات بأنها مجرد "استهزاء"، مضيفة: "يقترح ذلك نفس الأشخاص الذين يصرون على أن الاستفتاء في شبه جزيرة القرم لم يكن شرعيا وجاء تحت تهديد السلاح".

وتلفت روسيا الإنتباه إلى أن كييف في المشاورات الدولية تصر على أنه لا يجوز تقرير مصير أوكرانيا دون مشاركة كييف، وتطرح سؤال مضاد: هل يمكن تقرير مصير دونباس دون مشاركة دونباس؟"، ومذكرة حكومة كييف بأن اتفاقات مينسك تتطلب تنسيق كافة المعايير الخاصة بتسوية النزاع في دونباس ضمن إطار الحوار المباشر بين كييف وجمهوريتي دونيتسك و لوغانسك، وترى موسكو وعلى لسان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، إن تصريحات واشنطن حول احتمال إرسال قوات عسكرية إلى أوروبا الشرقية، ستغذي شعور الكراهية ضد روسيا وتثير المشاعر الانتقامية لدى أوكرانيا، موضحا، أن تصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض "تهدف في المقام الأول إلى إثارة المشاعر الانتقامية في كييف، وتغذية خطاب الكراهية المناهض لروسيا، وتدعم النهج الذي تسلكه الدول التي أعلنت نفسها أنها في خط المواجهة".

وتأتي هذه التصريحات ردا على إعلان البيت الأبيض، أنه يدرس إرسال قوات إلى أوروبا الشرقية في حال تصعيد الوضع حول أوكرانيا، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي: "إذا نظرتم إلى ما كان في عام 2014، فالكثير من الشركاء في الناتو طلبوا دعما، أو زيادة الحضور، أو نشر قوات إضافية على أساس التناوب"، في حين هددت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بدورها، من إن الاتحاد الأوروبي مستعد لتشديد عقوباته واتخاذ "إجراءات غير مسبوقة" ضد روسيا إذا صعدت "تصرفاتها العدائية" ضد أوكرانيا، وذكرت فون دير لاين أمام البرلمان الأوروبي أن التكتل عمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة لوضع خيارات يفوق تأثيرها العقوبات الحالية التي تستهدف قطاعات المال والطاقة والدفاع والسلع ذات الاستخدام المزدوج في روسي، وقالت للمشرعين الأوروبيين: "ردنا على أي تجاوز آخر قد يأتي على شكل تصعيد قوي في منظومة العقوبات القائمة (ضد روسيا) وتوسيع نطاقها". وأضافت: "وبالطبع نحن مستعدون لاتخاذ إجراءات إضافية غير مسبوقة ستكون لها عواقب وخيمة على روسيا".

وعن القمة الروسية الصينية التي جرت بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظره الصيني شي جين بينغ، والتي جرت عبر تقنية (الفيديو كونفرانس)، أعلن الكرملين أن الرئيس الصيني أكد لنظيره الروسي فلاديمير بوتين دعمه الكامل لمبادرة موسكو بتقديم ضمانات أمن لها من قبل حلف الناتو، وقال مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، إن بوتين أخبر نظيره الصيني بأن مقترحات روسية ملموسة حول بلورة ضمانات قانونية لأمن روسيا قد سلمتها وزارة الخارجية الروسية إلى ممثلين أمريكيين في وقت سابق من اليوم، وأضاف أن بوتين أكد استعداد موسكو لبدء مفاوضات عاجلة حول هذا الموضوع المهم للغاية، معربا عن أمله أن يستجيب قادة الولايات المتحدة والناتو لهذه المبادرة.

وأوضح مساعد الرئيس الروسي بهذا الخصوص أن شي جين بينغ أكد لبوتين دعم بلاده الكامل لمبادرة روسيا إلى مطالبة حلف الناتو بتقديم ضمانات أمن لها، وأشار رئيس جمهورية الصين الشعبية إلى أنه يتفهم شواغل روسيا ويدعم بالكامل مبادرتنا بخصوص بلورة ضمانات أمن مناسبة من أجل روسيا .

كما ذكر مساعد الرئيس الروسي أن بوتين وشي جين بينغ اتفقا على أن حلف "أوكوس" الأمريكي الأسترالي البريطاني يقوض الاستقرار النووي في المنطقة، وقال أوشاكوف إن رئيسي البلدين أعربا عن قلقهما إزاء أنشطة الأمريكيين الخاصة بتغيير الوضع القائم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وبهذا الصدد " قيم جانبنا والجانب الصيني سلبيا إنشاء أحلاف جديدة من قبيل رباعية كواد في المحيطين الهندي والهادئ والحلف الأمريكي البريطاني الأسترالي أوكوس"، وتابع أوشاكوف أن الرئيسين أكدا أن "أوكوس" يقوض "أسس نظام عدم انتشار السلاح النووي ويسهم في ارتفاع مستوى التوتر العسكري في المنطقة"، مشيرا إلى أن الرئيسين ناقشا هذه المسألة بشكل مفصل.

وفي الجانب العسكري فقد أجرت القوات الروسية تدريبات عسكرية على حماية المجال الجوي لشبه جزيرة القرم، باستخدام منظومات الدفاع الجوي "إس-400"، وبموجب المكتب الصحفي للمنطقة العسكرية الروسية الجنوبية، فإن تشكيلات من القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي التابعة للمنطقة العسكرية الجنوبية، المنتشرة في شبه جزيرة القرم، أجرت تمرينا خاصا للدفاع الجوي التكتيكي باستخدام منظومات إس-400، وأوضح المكتب الصحفي أن قوات الدفاع الجوي قامت بنشر منصات إطلاق صورايخ "إس-400"، وتشغيل الرادارات، وتنسيق البيانات والإحداثيات ووضع الأنظمة في حالة استعداد، وبكشف العدو المفترض الذي تمت مرافقته وتوجيه ضربات بقذائف إلكترونية، وقالت وزارة الدفاع الروسية إن هذه التدريبات تم التخطيط لها مسبقا، وفي الوقت نفسه، تتزامن مع التوتر في البحر الأسود وعلاقته بالأزمة الأوكرانية.

كما نشرت وزارة الدفاع الروسية فيديو من تدريب واختبار جاهزية طياري قاذفات تو-95 و تو-160 الإستراتيجية الروسية نفذوا خلاله تحليقات في الليل والنهار، كما وأن قاذفتين استراتيجيتين روسيتين من طراز "تو-95 إم إس" نفذتا دورية دامت نحو 9 ساعات فوق المياه الدولية في بحر أوخوتسك وبحر اليابان، وأضافت الوزارة في بيان أن مقاتلات روسية من طراز "سو-35 إس" رافقت القاذفتين في مهمتهما، مشيرة إلى أن طائرات القوات الجوفضائية الروسية تنفذ مهماتها متقيدة بالقواعد الدولية لاستخدام الأجواء، وذكر البيان أن الطائرات الإستراتيجية الروسية تنفذ بانتظام تحليقات فوق المياه الدولية في المحيط المتجمد الشمالي وشمال المحيط الأطلسي والبحر الأسود وبحر البلطيق والمحيط الهادئ.

وتمثل طائرات "تو-95 إم إس"، إلى جانب "تو-160"، مكونا جويا من القوات النووية الروسية، وتتخصص هذه الطائرات بتوجيه ضربات نووية وعادية إلى أهداف حيوية تقع في أعماق أراضي العدو.

وتعليقا على تصريح الأمين العام لحلف الناتو بأن مبادرة روسيا لفرض حظر اختياري على نشر الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى في أوروبا، واصفا إياه بـ"غير الجديرة بالثقة "، اعتبر رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي، ليونيد سلوتسكي، حديث الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبيرغ، عن مبادرة روسيا لحظر نشر الصواريخ، هدفه زيادة التوترات، وأكد أن تصريحات ستولتنبيرغ تهدف بوضوح إلى زيادة التوترات ولا تُظهر بالتأكيد استعدادا للحوار، مضيفا أنه في نهاية المطاف، مثل هذا الموقف محفوف بأزمة صواريخ جديدة في "قارتنا الأوروبية المشتركة".

وكما هو معروف فأن موسكو - وبمحض إرادتها - تعهدت في عام 2019 بالالتزام بمثل هذا الحظر في أعقاب انهيار معاهدة الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى، الذي حدث نتيجة جهود الإدارة الأمريكية السابق، و إن المحاولات التي لا تنتهي لإلقاء المسؤولية على روسيا بانهيار المعاهدة تؤدي فقط إلى تفاقم الوضع ولا تساهم في التوصل لحلول بناءة، ويحذر الروس على ضرورة عدم "لا ينبغي اللعب بالنار"، والتحذير أيضا من أن السياق العام، في الوقت الراهن، بعيد كل البعد عن أن يكون "الأفضل" من حيث مراقبة التسلح والحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي والأمن في العالم.

 

بقلم: الدكتور كريم المظفر

 

 

 

في المثقف اليوم