آراء

كريم المظفر: زيلينسكي متذمر ولافروف يكشف المستور

كريم المظفرضجة التقارير الإعلامية الغربية التي تتهم روسيا بنقل "قوات ضخمة" إلى الحدود مع أوكرانيا، هي ليست فقط من وجهة النظر الروسية التي وصفتها بانها " بلغت ذروة الجنون "، ووصلت إلى نقطة الغليان، أو بالأحرى إلى مرحلة الجنون القصوى، بل أيضا من وجهة النظر الأوكرانية، حيث عبر الرئيس فلاديمير زيلينسكي عن أستياءه لهذا " التضخيم "، والذي بات يؤثر من وجهة نظره على اقتصاد البلاد، والوضع العام في الجمهورية .

والملاحظ أن كل مادة إعلامية في هذا الخصوص، بحسب تعبير وزارة الخارجية الروسية " أسخف" من الأخرى، وإن الإذاعة السويسرية SRF تفوقت على الجميع بنشر فيديو بعنوان: "روسيا ترسل قواتها إلى الحدود مع أوكرانيا"، والذي يزعم أن روسيا تنقل "قوات ضخمة" إلى الحدود مع أوكرانيا، أشارت روسيا  إلى أن هذه التصريحات الصاخبة تخيف الجمهور الغربي.

والملاحظ أن الصحفي على ما يبدو لا يزال يفكر في الاستعدادات للمناورات الروسية البيلاروسية الدفاعية، والتي تشارك فيها وحدات من المنطقة العسكرية الشرقية الروسية، وخاطبتهم الخارجية الروسية، أيها السادة السويسريون، لم يعد هذا مجرد عمل غير احترافي بعد الآن، بل بحاجة للتشخيص الطبي لأصحابه... إذا كنتم تريدون التحدث عن المناورات، فاتصلوا بوزارة الدفاع الروسية لتعلمكم كيفية استخدام الخريطة، وتخبركم ما هي تدريبات القدرة الدفاعية... الفيديو ليس في محله".

ووسائل الاعلام الغربية  كشفت عن تحول كبير في العلاقة بين موسكو وواشنطن، وأكدت أن المكالمة الهاتفية بشأن "الخطر الروسي" بين بايدن وزيلينسكي الخميس الماضي "لم تنجح" بسبب بروز خلافات بين الزعيمين بشأن مدى خطورة الوضع، وإن الخلافات تتزايد بين واشنطن وكييف بشأن خطر تعرض أوكرانيا لـ"الغزو من قبل روسيا"، وأشار موقع "بوليتيكو" إلى أن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي الذي دق ناقوس الخطر بشأن "حرب محتملة مع روسيا" في نوفمبر الماضي، غير الآن موقفه ويقلل من خطورة الوضع.

ونقل أيضا عن أشخاص مقربين من زيلينسكي وأفراد في فريقه تأكيدهم أن الرئيس الأوكراني غير نبرته خصوصا بسبب عدم رضى كييف المتزايد إزاء نهج إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ونقل عن مسؤول أوكراني رفيع المستوى تأكيده أن بايدن صرح خلال المكالمة بأن واشنطن لن تعرض على كييف كميات ملموسة إضافية من المساعدات العسكرية، بينما دعا زيلينسكي نظيره الأمريكي إلى "تهدئة النبرة" بشأن خطر "الغزو الروسي"،  وقال مسؤولون في أوكرانيا وفي أوروبا للموقع إن شروع الولايات المتحدة في إجلاء جزء من طاقمها الدبلوماسي من أوكرانيا كان قرارا سابقا لأوانه وتسبب في زرع الخوف بين سكان البلاد واضطرابات في الأسواق المالية، ما زاد من تكاليف الاقتراض بالنسبة لكييف.

ولم يخف الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي استياءه من زملاءه الغربيين ووسائل الإعلام الغربية، وحثهم على الكف عن افتعال التوترات حول مزاعم خطر "الغزو الروسي" لبلاده، مشددا في الوقت نفسه على أن أوكرانيا "تعلمت كيفية التعايش" في مثل هذه الظروف منذ عام 2014، وقال "لا نرى اليوم تصعيدا أكبر مما كان في السابق   نعم، عدد القوات [الروسية عند حدود أوكرانيا] ارتفع في الواقع، غير أنني سبق أن أشرت إلى ذلك أوائل 2021، عندما تحدثت عن التدريبات العسكرية الروسية.. لا أعتقد أن الوضع اليوم أكثر شدة مما كان في ذلك الحين، على ذروة تلك التدريبات".

الجانب الأوكراني لفت إلى أن التقارير الإعلامية وتصريحات المسؤولين الأجانب عن مستجدات الوضع حول أوكرانيا تخلف انطباعا كأن هناك "حرب وتحركات قوات في الطرق وتعبئة عامة وتنقلات للناس"، مشددا على أن الأمر ليس كذلك، وقال زيلينسكي "لا نحتاج إلى هذا الذعر، بل نحتاج إلى استقرار اقتصاد دولتنا، لأن كل هذه الإشارات إلى أن "الحرب قادمة غدا" التي تصدر الآن حتى عن زعماء محترمين يقولون بشكل مباشر بعيدا عن اللغة الدبلوماسية إن الحرب قادمة غدا، تعني الذعر، خصوصا في الأسواق والقطاع المالي".

وكلف هذا الذعر أوكرانيا حتى الآن استثمارات أجنبية بقيمة 12.5 مليار دولار من البنوك الأوكرانية، و أن كييف تضطر الى انفاق 4-5 مليار دولار  اليوم لتحقيق استقرار سعر عملتها الوطنية على حساب احتياطيات الدولة، وأن مثل هذه الحملات الإعلامية لم تنفذ خلال التدريبات الروسية المذكورة أوائل 2021، "ولذلك أعتقد - وهذا ما بحثناه مع الرئيس (بايدن) أن هذه السياسة الإعلامية يجب أن تكون مدروسة". ، كما قال الرئيس الاوكراني.

وانتقدت كييف قرار الولايات المتحدة وبريطانيا إجلاء طاقمهما الدبلوماسي غير الأساسي من أوكرانيا، معتبرة إياه خاطئا، وعبرت عن قناعتها بضرورة أن يبقى جميع الدبلوماسيين الأجانب داخل البلاد في الظروف الحالية، وقارنت الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين في كييف بـ"قبطان ينبغي أن يكون آخر من يغادر السفينة الغارقة "، وبتعبير زيلينسكي  "لا أعتقد أن لدينا "تيتانيك"، وأوكرانيا تمضي قدما".

هذه التصريحات بعد ساعات معدودة من إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الولايات المتحدة لا تهتم كثيرا بمصير أوكرانيا بل إنها تسعى إلى تأجيج التوترات حول روسيا بغية "إغلاق هذا الملف" والتركيز على مواجهة الصين، وهذا أمر يتحدث عنه محللون سياسيون أمريكيون أنفسهم ، وحذر لافروف من أن هذا الطريق يؤدي إلى مأزق، مضيفا: "الآن بدأ الأمريكيون باستغلال أوكرانيا ضد روسيا بدرجة صارخة من الوقاحة تستدعي قلق نظام كييف نفسه، وهم (الحكومة الأوكرانية) يقولون: لا داعي لتصعيد هذا الجدل إلى هذه الدرجة، دعونا نخفف من حدة الخطابات، لماذا تم إجلاء دبلوماسييكم؟".

بايدن ومستشاروه، في غضون ذلك، غاضبون من تصريحات زيلينسكي العامة التي قللت من أهمية تهديد (الغزو) واللكمات المستترة ضد رئيس الولايات المتحدة ؛ إنهم يعتقدون أن التحذيرات والتهديدات العامة لروسيا ذات العواقب الوخيمة هي مفتاح احتوائها، في المقابل لقد سئم زيلينسكي من "الاهتمام التدخلي" الأمريكي بـ "التهديد" الروسي ، ويرى أن تصريحات السلطات الأمريكية لا تؤدي إلا إلى بث الذعر في أوكرانيا ، بالإضافة إلى ذلك، ذكرت شبكة سي إن إن أن كييف غير راضية عن رفض واشنطن تطبيق عقوبات وقائية ضد روسيا ، كما أن  زيلينسكي غاضبًا أيضًا من قرار وزارة الخارجية الأمريكية بإجلاء الموظفين الدبلوماسيين من أوكرانيا - ووصفه بأنه "خطأ". أخيرًا، كييف ليست راضية عن حقيقة أن واشنطن تصف الغزو الروسي بأنه "شبه حتمي"، وأن زيلينسكي غير راضٍ عن تصرفات إدارة بايدن، حيث تبالغ الولايات المتحدة في "التهديد الروسي" للحصول على مواقف أكثر فائدة في المفاوضات مع الكرملين - بشأن قضية دونباس وآخرين. مسؤول واشنطن يرفض هذه الشكوك.

وخلاصة الوضع وكما كشفه الوزير الروسي سيرغي لافروف، جاء على لسان نظيره الأمريكي، الذي  دعا (لافروف)، في حوار معه وجها لوجه، السلطات الروسية إلى ضمان أمن الرعايا الأمريكيين في أوكرانيا "إذا حصل شيء"، وذكر لافروف أن هذا الطلب أثار استغرابه، خاصة وأن حوارهما لم يتناول أي سيناريو تصعيد عسكري محتمل حول أوكرانيا، وبالتالي وكما أوضح الوزير أن الحكومة الروسية "ليس لديها الحق في صرف النظر" عن هذه التطورات، لافتا إلى وجود تجربة طويلة لدى الدول الأنجلوسكسونية، لاسيما بريطانيا، في تدبير استفزازات، وأكد أن موسكو تعمل حاليا على "تحليل ما يقف وراء تصرفات الأنجلوسكسونيون.

 

بقلم :الدكتور كريم المظفر

 

 

في المثقف اليوم