آراء

عباس علي مراد: اللبنانيون والعمل السياسي في المغتربات

كعادتهم فإن اللبنانيين يختلفون على كل شيء فعملية تضخيم أعداد اللبنايين المقيمين في الخارج واحدة من القضايا التي لم ترسوا على بر معين.

البعض يقول أن العدد يتجاوز 14 مليون والبعض الآخر يقول ان العدد حوالي 12 مليون وغيرهم يقول ان العدد حوالي 8 مليون وقس على ذلك حتى تبقى "الطاسة ضائعة".

اللبنانيون المقيمون أنفسهم لا يصارحون ذواتهم بعدد اللبنانيين المقيمين، ولا غرابة بذلك حسب مقولة وقفنا العد الشهيرة،

طبعاً، العد توقف رسمياً منذ آخر إحصاء للسكان في العام 1932، مع أن ذلك لا ينفي معرفة عدد الولادات والوفيات المسجلة في دوائر النفوس وحسب السجل الطائفي الذي يحرص عليه اهل السلطة الدينية والدنيوية لمنع قيام الدولة المدنية والعلمانية، لانها تأتي على مصالحهم وعلى حساب المواطن البائس الذي لا حول ولا قوة له في تقرير مسيرة حياته ومماته إلا من خلال ذلك النظام الذي تحتكره الطوائف والمذاهب.

علماً ان الدول تقوم باحصاء أعداد سكانها من اجل بناء البنى التحتية والمؤسسات التي تؤمن الخدمة العامة للمواطنين وتحسين أوضاعهم..  ولكن على ما يبدو أن لبنان يشذ عن هذه القاعدة.

مناسبة هذا الكلام هو الشق المتعلق بتأثير ودور المغترب في الحياة السياسية اللبنانية وقبل ذلك في بلاد الأغتراب،

في ما يتعلق بالشق الأول تحتفظ الطوائف والاحزاب في بلاد الاغتراب بكل الأرث اللبناني ولا بل تغالي في التطرف في طروحاتها ( بدون تعميم) لان هناك قلة على مستوى الافراد نعم قلة لديها رؤية مختلفة وتحاول الارتقاء بالعمل الى مستويات أفضل.

عند كل مناسبة انتخابية تحرك الأحزاب اللبنانية ماكيناتها الانتخابية باتجاه الأغتراب خصوصاً بعد أن أصبح بإمكان المغتربين الإنتخاب في بلدان الاغتراب بعد آخر تعديل لقانون الانتخاب، والذي ينص على الانتخاب بموجب سجل القيد في القرية أو البلدة أو المدينة التي ولد فيها المغترب أو آباءه أو أجداده إذا كان قد سجل تلك الولادات في البعثات اللبنانية في الخارج.

المؤسف والمضحك في الأمر ان من لا يمارس حقه الانتخابي حيث يقيم يريد ان يقرر من يتولى زمام السلطة التشريعية للمواطنين المقيمين الموزعين أصلاً على إقطاعيات طائفية ومذهبية ومناطقية وعائلية وغيرها.

هنا نأتي على الشق الثاني من الموضوع أي دور المغتربين خصوصاً الدور السياسي في المجتمعات التي يعيشون فيها وسنأخذ أستراليا نموذجاً ولا أعرف إن كان يمكن إسقاط التجربة على باقي المغتربات 100 بالمئة.

في أستراليا تراجع عدد الأشخاص التي تنتمي الى الاحزاب الأسترالية بشكل كبير فعدد المنتمين لحزب العمال عام 2020 كان 60.085 عضواً بينما بلغ أعضاء حزب الاحرار ما بين 50 الى 60 الف من أصل 26 مليون مواطن.

هنا نعود الى موضوعنا كم تبلغ نسبة المنتسبين للأحزاب الاسترالية من أبناء الجالية اللبنانية وما هو دورهم في الحياة السياسية الأسترالية؟

لا يوجد إحصاء يقول بإعداد المنتسبين الى الاحزاب من الخلفيات الأثنية، المعروف انه في أستراليا وحسب نظام وست مينستر الحزبان الكبيران الاحرار والعمال يتناوبان على السلطة، ويتحالف حزب الاحرار مع الحزب الوطني (المعروف بالتحالف) ويعتبر حزب الخضر الاكثر حضوراً في مجلس الشيوخ أقرب الى حزب العمال منه الى التحالف، بالاضافة الى وجود احزاب صغيرة والمستقلين الذين ترتفع وتنخفض اعدادهم في الانتخابات التي تجري كل ثلاث سنوات على المستوى الفيدرالي.

ان تأثير السياسيين والحزبين من الخلفية اللبنانية محدود جداً رغم تضخيم التغطية الاعلامية لمن يصل كأنه يمثل الجالية سواء في الحكومة المحلية او الولاية او الحكومة الفيدرالية، والسبب يعود إلى أن الأعضاء عليهم الإلتزام بالخط الحزبي وعدم الخروج عنه خصوصا في حزب العمال مع وجود هامش صغير عند الاحرار في بعض القضايا، ولكن بشكل عام من لا يريد ان يلتزم بسياسة الحزب عليه او عليها ان يستقيل/ تستقيل من المراكز التنفيذية سواء كان الحزب بالحكم او بالمعارضة.

الملفات للانتباه أن هؤلاء الأشخاص يمثلون أحزابهم في الجالية وليس العكس، حيث تستثمر الاحزاب فيهم لكسب أصوات ابناء الجالية وجمع التبرعات، وهناك الكثير من الأدلة وقد عمدت الاحزاب الى تأسيس ما يعرف بأصدقاء حزب العمال من الجاليات الاثنية ومنها العربية، وأخيرا بدأ حزب الاحرار يتبع نفس النهج، ويعمد الحزبان الى وضع شخص حزبي من تلك الخلفية لتولي قيادة هذه المجموعات ذات النشاطات الفلكورية وحفلات الشواء والتبولة.

أخيراً، قد تبدو الصورة من بعيد براقة لكن الواقع عكس ذلك، ولكن ومما لا شك فيه ان هذه المشاركة ضرورية في حال كانت في الأتجاه الصحيح، وقد تساعد ابناء الجالية في حال المشاركة بالحياة السياسية وفي صنع القرار، خصوصاً في ما يتعلق بالقضايا التي تهم الجالية كجزء من المجتمع الأسترالي العام لأن مشاكلنا في المغتربات لا تنفصل عن مشاكل المجتمع الذي نعيش فيه سواء كانت إقتصادية، إجتماعية، ثقافية وسياسية وغيرها، والباقي لا يقدم اذا لم يؤخر ويدع أبناء الجالية على الهامش، طبعا الا المستفيدين على المستوى الشخصي.

***

عباس علي مراد

في المثقف اليوم