تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

آراء

علي فضيل العربي: إفريقيا للأفارقة

هل ستعود إفريقيا للأفارقة بعد التحرر من النفوذ الغربي عامة، والفرنسي خاصة؟ سؤال ستجيب عنه الأيام والشهور والسنوات القادمة، إثر الانقلابات التي قادها العسكريّون في مالي وبوركينافوسو وتشاد والنيجر والغا بون، ويبدو أنّ الحبل مازال على الجرار.

لقد مرت بالقارة الإفريقيّة، منذ بداية الكشوفات الجغرافيّة، جحافل من الغزاة القادمين من القارة العجوز، وقد أزجت سفنهم وقوافلهم البريّة والجويّة الأطماع الاقتصاديّة، المتمثّلة في الثروات الظاهرة والباطنة، والمعادن الثمينة التي تزخر بها القارة السمراء. إنّه الربيع الإفريقي، بعد الربيع العربي، لكنّ يبدو أنّ الربيع الإفريقي أكثر وعيا ونضجا من الربيع العربي الذي بدأ في الشارع سلميّا، ثم ما لبث أن تحوّل إلى خريف من العنف و الدمار والخراب والحرب الأهليّة التي أحرقت الأخضر واليابس، وكان الخاسر الأكبر فيه المواطن العربي المطحون برحى سلطة الاستبداد . أمّا الربيع الإفريقي، فإن أكبر الخاسرين جرّاءه هو فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي.

إفريقيا الحاليّة في حاجة إلى العلم والعمل والحريّة بعيدا عن الديمقراطيّة الغربيّة الزائفة. ديمقراطيّة العالم الغربي حمّالة أوجه، فهي في المجتمعات الغربيّة حريصة على حريّة المواطن وكرامته وحقوقه المدنيّة والسياسيّة، ولكنّها عندما تحط رحالها بإفريقيا تغيّر أثوابها، من خادمة للرعيّة إلى خادمة للراعي الخائن لرعيّته. ومن وسيلة للتنميّة المستدامة إلى وسيلة لنهب ثروات الشعوب وإلى مجرّد شعارات فارغة، تكرّسها انتخابات مزوّرة وأحزاب تابعة تنشر الفرقة والعداوة بين الشعب الواحد ليسود الحاكم المستبدّ، وبرلمانات تشبه دور الحضانة، ودساتير تتحكّم فيها أهواء السياسيين وحكومات تتصرّف في ثروات الشعب دون وازع قانوني أو أخلاقي، وكأنّها تلك

الثروات ملك لزيد أو عمرو، وعدالة عاجزة عن تمكين العدل والمساواة، تسيّرها الأهواء عن قرب وعن بعد. إنّ التخلّف والديمقراطيّة ضدّان، لا تماثل بينهما. وإنّه لمن العور السياسي والعقلي السعي إلى بناء مجتمع ديمقراطي في كنف الجهل والتخلّف الثقافي والاقتصادي والاجتماعي. بل إنّ الديمقراطيّة الحقيقية هي التي تصون حريّة التفكير والتعبير وتحقّق التنميّة الشاملة، وليست ديمقراطية العربة الفارغة.

و على هذا الأساس، فإن مصير إفريقيا، لم يكن أبدا في أيدي الأفارقة. لقد خرج الغزاة من الحقول، ولكنّ سياستهم وأطماعهم بقيت معشّشة في عقول بعض النخب التي غرفت ثقافتها من المدرسة الكولونيالية الاستعماريّة. اكتشف الشعب بعد نفاد صبره حقيقة تلك النخب الخائنة لتطلّعات شعوبها، الموالية لمحتل الأمس قولا وفعلا. إنّ بكائيات تماسيح أوروبا على النظام الدستوري في النيجر والغابون، وعلى مصير ابتنهم المدلّلة، وأعني بها الديمقراطيّة العرجاء والعمياء في إفريقيا. إنّها مثل بكائيات وصيّ خائن على أيتام بلغوا رشدهم، وأدركوا ما لهم من حقوق، وما عليهم من واجبات.

آن الأوان لكي تعود إفريقيا الغنيّة للأفارقة. ففي إفريقيا كلّ مقوّمات التنميّة؛ إفريقيا غنيّة بشبابها وثرواتها وعبقريّة نخبها الوفيّة لأوطانها، اللصيقة بشعوبها. تحتاج إفريقيا إلى قادة وسياسيين أمناء على المال العام، يقدّمون المصلحة العامة على مصالحهم الخاصة، ويؤمنون بأن السلطة شرف للمواطن والمواطنة الأمينة، ومنبر للعطاء والتضحيّة بالنفس والنفيس، لا مخفرا لسرقة المال العام ونهبه وتهريبه إلى بنوك الأعداء والأصدقاء.

إن إفريقيا قادرة على تحرير نفسها من كل الأوبئة السياسيّة والجوائح الاقتصاديّة والعلل الاجتماعيّة، وهي ليست في حاجة إلى تدخّلات أجنبيّة من الغرب أو الشرق، إذا تضافرت جهود أبنائها المخلصين وصدقت نواياهم واشرأبت أحلامهم.

***

بقلم الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر

في المثقف اليوم