آراء

عبد الجبار العبيدي: بين شريعة الملك حمورابي وشرائع الأديان ومن يحكمون اليوم

من هو الملك حمورابي، ومن هم الانبياء الذين جاؤوا من بعده، وماهي شريعتة القانونية، وما هي شرائعهم؟ والشريعة هي المنهج او طبيعة الفلسفة والقوانين التي تحكم النظام او الدولة، وطاعة الحاكم تأتي من طاعته للشريعة القانونية وتطبيقها على الناس دون تمييز، هذا ما جاء به الاسلام كنظام لحكم الدولة، وليس التفرد بالسلطة والمال دون الشعب.

حمورابي الملك البابلي الشهير "ت 1754 ق.م، واضع القوانين، لم يدعِ النبوة، لكن موسى وعيسى ومحمد اصحاب الاديان، كلهم أدعوا النبوة ومعهم نصوصهم الألهية المقدسة، وشرائعهم هي من مصدر واحد هو الله،؟ نحن بحاجة ماسة الى هذه الدراسة لنكشف لكل اصحاب الديانات وشرائعهم المهملة منهم، لو ان حمورابي ادعى النبوة مثلهم، أما كانت شريعته في مقدمة الشرائع القانونية المقدسة في الوجود والقيم، ولأصبحت هي مصدر التشريع في التطبيق، من كل الشرائع من بعده، ولكان تطبيقها اليوم افضل من تطبيقات شرائع الانبياء والحكام الذين يدعون شريعة التقديس وهم عنها بُعاد، فالعبرة ليست في قدسية الشريعة والدساتيرولا حتى في مصدرها، بل في قدرتها على الانصياع لتطبيق العدالة في خدمة الانسان والقيم، كما طبقها حمورابي الكبير، وشريعته فخر الفكر العراقي القديم.

شريعة حمورابي البابلي تتكون من 282 مادة قانونية، وشريعة موسى تتكون من توراة العهد القديم، ابتداءً بالتكوين وانتهاءً بعهد المزامير والامثال على عهد داود، وشريعة عيسى تتكون من الانجيل الذي تشعب الى اربعة اناجيل هي متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا.لكن كل أنجيل منها يمثل جزءً من دينه المقدس، وشريعة محمد هي القرآن جاءت ب6334 أية قرآنية مقدسة، قسم منها يدعي التنزيل "منزل" كالوصايا العشر والآيات الحدية "الانعام 151-153، وقسم منها جاء على سبيل العضة والاعتبار كالقصص القرآنية"نحن نقصُ عليك نبأهم بالحق الكهف 13"، وقسم منها متشابهة القابلة للتأويل اي تخضع للمعرفة النسبية مادامت اللغة العربية عبرالزمن في تطور مستمر.

الشعب نفس الشعب والوطن نفس الوطن، فعلام الاختلاف في المعتقد والقيم والتشريع والفصل بينهم على طريقة الأمويين والعباسيين.واذا كان الخالق يريد وحدة البشر"انا خلقناكم من نفسٍ واحدةٍ" دون تفريق فعلام التعدد في الديانات وخلق التفريق، والتوراة والانجيل والقرآن هي قوانين الوجود.هنا يجب البحث لمعرفة الصحيح من الخطأ في معتقدات شرائع الديانات الثلاثة التي تدعي الاختلاف والتفريق، وتحويلها الى امم مختلفة في العقيدة والدين "والكتاب المقدس يقول: "انا جعلناكم أمة واحدة وانا ربكم فأعبدون، الانبياء 93".فمن أجاز لهم اختراع المذاهب المتعارضة ونظريات التفضيل بين الديانات في التطبيق ولا زلنا نصدقهم.

الديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلام تؤمن بثلاثة فروع: الاول في الصراط المستقيم والاستقامة والحنيفية ايمانا متشابها في التطبيق، فيما يخص نظرية الحدود، وهي تشريعات حدودية لا حدية قابلة للتطور عبر الزمن وليست ثابته خضوعا لنظرية صيرورة التاريخ.

والثاني الوصايا العشر التي وردت في الديانات الثلاثة وقد تم فيها تحديد مفهوم الاخلاق والاعراف، فالاخلاق عالمية التوجه والعادات والتقاليد محلية التطبيق، وهي ملزمة لكل الناس (التقوى الاجتماعية) وهي القاسم المشترك بين الجميع فعلام التفريق.

والثالث هو: المعروف والمنكر والطاعة المطلقة للنص مع مراعة الزمن في التغيير، وهنا تم تحديد السُنن للانبياء والاجتهادات فيها لمنفعة التطور ومصلحة الناس عبر الزمن، لذا لا يجوز لمذهب او فصيل الأنفراد بالأوامر الربانية بحجة التفضيل، فلا تفضيل في الاديان ما دامت كلها من مصدرواحد فعلام كل هذا الاختلاف بين الناس في التطبيق.

قال الباحثون منذ القدم: ان القانون صناعة عراقية جاءت من وحي البشر قبل الديانات، منذ عهد السومرين والملك السومري لبت عشتار الذي تحول الى قانون تل حرمل الذي يسمى عند المؤرخين اليوم بقانون مملكة أشنونة.

سجل حمورابي هذه القوانين على مسلة كبيرة من حجر الديورانت الاسود الذي وجد في مدينة سوسة عاصمة عيلام، وجد اثناء التنقيبات الفرنسية عام 1901 ولا زالت المسلة موجودة في متحف اللوفر (شاهدتها بنفسي) ذلك ان ملك العيلاميين نقلها الى ملكه بالغزو وحرَم البابليون منها.هذه المدونة لا زالت موضوع بحث مختلف في اصلها.

صنفت هذه المدونة القانونية الحمورابية المهمة الى اثني عشر قسماً:

احتوت على قوانين القضاء والشهود، وقوانين السرقة وعقابها، وقوانين الجيش ومهماته، وقوانين الزراعة والبيوت، وقوانين التجارة، وقوانين الخمور، وقوانين البيع والشراء، وقوانين العائلة وحقوقها، وقوانين التعهدات والتعويضات والغرامات، وقوانين الاسعار، وبناء البيوت وأنظمتها، ووسائل النقل، وقوانين مراعاة حقوق الانسان و الحيوان، وقوانين حقوق الرقيق وواجباتهم وحمايتهم من الاعتداء والأستغلال، وأستمرت القوانين تتطور عند الآشوريين التي دونت بوثائق سميت بالوثائق الاشورية والتي سرق معظمها ونقلت للبلدان الاخرى، وأهميتها في فكرها المبكر الذي سبق كل الأخرين، والمهم كيف أصبح وطن هذه الافكار اليوم من المتخلفين هنا تستحق الدراسة.

لكن المهم ليس في أهمية هذه القوانين بل في تطبيقها الحرفي الصارم على عهد الماضين، مقارنة بقوانين الاديان الثلاثة التي طبقت على البشر حسب رأي الحاكم والفقيه ومزاجه دون تثبيت كما عند اليونان والرومان والفرس والمسلمين من بعدهم وكيف اختلف التطبيق.

اما الديانة اليهودية: فهي أول وأقدم الأديان التوحيدية الثلاث، وهي دين وطريقة حياة الشعب اليهودي، وتستمد هذه الديانة شرائعها وعقائدها الاساسية من التوراة، هي أول خمسة اسفار من الكتاب المقدس، وعقيدتهم الايمان بالله الواحد الاحد، الفرد الصمد الذي يريد لجميع الشعوب ما هو عادل ورحيم لكنها دنيوية التطبيق، حتى جاءت المسيحية.

الا ان تلك البداية الآلهية الرائعة لتثبيت حقوق الانسان اصابها التشويه والتشويش من جراء عصيان الانسان وتمرده على القيم، فحل الموت والفساد والعداء والطمع والحروب بدلا من من العلاقة الحميمة بين الانسان والانسان وخالقه حتى تحول ذلك الامل الى سراب، والبحث يطول في النبي ابراهيم ودعوته لتحويل الفداء البشري الى الفداء الحيواني في اية اسماعيل وذبحه واستبداله بالكبش، من هنا كتبت اول القوانين في حقوق الانسان، و كانت البداية لتكريم الانسان، لتنتقل بعدها الى شخص المسيح ليتحول ظلام البشرية الى نور لها حين اختار الحياة الابدية للكل ممثلا عنهم، لكن النظرية لا زالت بحاجة الى توضيح وتثبيت، دون البعض، حتى جاءت الدساتير المدنية بعد الماكنا كارتا البريطانية وقوانين الثورة الفرنسية والامريكية التي تحولت الى قوانين مطبقة كما في اوربا وامريكا والقسم الاخربقي مجرد اوهام كمافي دول الاسلام النافقة، والناكرة للقيم.

المسيحية جاءت في القرن الاول الميلادي حين اوحى السيد المسيح الى اربعة من رجاله ان يدونوا الانجيل، فتولى كل واحد منهم التركيز على جانب معين من جوانب حياته وشخصيته المتميزة، وليست اربعة اناجيل كما يتوهم البعض.

 من هنا بدأت رحلة المسيح الذي به بدأت الديانة المسيحية منذ القرن الاول للميلاد، حين اوحى السيد المسيح الى اربعة رجال ان يدونوا الانجيل كل منهم ركزعلى جانب من حياة المسيح ودعوته وهم انجيل مَتى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا، فتولى كل واحد منهم جانب من جوانب حياته وشخصيته الفريدة.مع انه هو ابن داود بن موسى الذي تمت به نبوءات العهد القديم، وابن ابراهيم الذي بدأ به الاسلام:: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا مسلما وما انا من المشركين.

ثم جاء الاسلام بدعوته العظيمة لكل الناس بالعدل والمساوة بين الجميع"أعدلوا ولو كان ذا قربى" قانون لم تدونه القوانين من قبل، ورغم ما قدم من تضحيات لنجاحه باعتباردعوته اخر الاديان.الا ان المهمة لم تنجح حينما تحول الاسلام الى قابل ورافض له.فكان السيف بدلا من حرية الاختيار"لكم دينكم ولي دين".الاسلام اراد تطبيق الوصايا العشرالتي وردت في الديانات السابقة له، ويقف العدل في المقدمة والايات الحدية في التطبيق لكنه لم ينجح الا في القليل لأنانية المعتقدين، ولا زال المسلم يعاني من فرقة القبيلة والطائفة والمذهب الذي ركزه الفقيه في اذهان المسلمين.

ولو بقي العرب بلا دين يحكمهم الدستور والقانون مثل اليابان والصين لكانوا افضل حالا اليوم من الاخرين. بعد ان مزقهم الغريب وخاصة العناصر الفارسية الكارهة للعرب بعمق العداء الحضاري في التطبيق، ولا زالوا،

الفرق بين الاديان الثلاثة والدساتير الحالية بحاجة الى دراسة محايدة يكتبها القلم الواعي لا مؤسسة الدين المفرقة للجماهير التي حولت حقوق الانسان الى تخريف، دعوا المرجعية للدين، ولا تدخلوها في شأن القوانين، فهي والقانون المدني على طرفي نقيض، ومالم تحرق المصادر المسمومة ويعدل المنهج المدرسي لصالح الحق والفكر الانساني في التطبيق لن يكون هناك من امل في التغيير.

 نشأت النظم السياسية الغربية على المبادىء وهي دستورية الحكم وسيادة القانون، مما مكنت لجماهير الغرب الاستيقاظ ومعرفة الحقوق والحدود، وما زالت في عالم التطور، وخاصة بعد فصل الدين عن السياسة ودخولها عالم الحرية في التثمين والتثبيت، وهذا هو المهم.فعصر الدولة الدينية انتهى اليوم، فلا تتشبثوا في الميت القديم.

سقط النظام السابق في العراق جراء التصرف الاهوج غير الصحيح.لكن الذين جاؤا من بعده لم نجد عندهم اعدادا فكريا وسياسيا يذكر مغايرا للقديم، لابل مجرد انتقال من استبداد رخيص الى فوضى زعماء وقواد وظلم للناس غير منظم في التطبيق.فما لم تكن في حكم الدولة صفوة واعية قائمة على فكر جماعي يخدم الجميع مؤمنة بالوطن والقيم لن يصل الجدد الى تغيير، لان الصفوة تشعر بثقل التكليف وتتحمل اعباءه ومضانكه فتنجز ما وعدت به الجماهير فالدولة للجميع وليس للحزب او المذهب او المرجع او من ينفرد في التكليف.

هنا الخطأ الغير مدرك ممن رافقوا التغيير، وستبقى الجماعة بخير ما دامت صفوتها بخير. فالتقدم يخضع لقانون التحدي والاستجابة والمعرفية وليس للقبيلة او المذهب او العائلة او خرافات التكهن في التطبيق، هنا مكمن ال خطأ وسقوط دولة المسلمين.

***

د.عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم