قضايا

وازن نفسك وحطم طريقتك القديمة!

منى زيتونمن أسوأ السلوكيات التي تؤدي إلى الفشل الاجتماعي، التهرب من أداء الأدوار الاجتماعية التي علينا أداؤها، وتبرير التقصير بأن المبادرة تتوجب على غيرنا! كما أن أحد المبادئ الأساسية للعلاقات الاجتماعية الناجحة المحترمة، هو مبدأ المعاملة بالمثل reciprocity principle.

قد يقول قائل بأن الله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34]. قال ابن كثير في تفسير الآية: "أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم، أي: قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك".

من المؤكد أنه ليس أفضل من قول الله قيلا، لكن المواقف الاجتماعية في العلاقات الشخصية كثيرًا ما لا تكون في إطار الحسنة والسيئة الذي تتحدث عنه الآية. هناك مواقف نشعر فيها أن هناك من يرى لنفسه حقوقًا زائدة على حقوقنا، وأنه يسلك على هذا النحو! وهناك أناس مشكلتهم الأساسية في التوازن بين الأخذ والعطاء؛ لا يعطوا الآخر أي شيء وينتظرون منه –في المقابل- كل شيء! ولا إدراك ووعي كافٍ لديهم بهذه المشكلة في شخصياتهم.

والمعتاد عندما أحاول أن ألفت نظر أحدهم للمشكلة أثناء جلسات العلاج السلوكي، أن أجد التبريرات تنهال علي، بأن لو فعل الطرف الثاني كذا، فعندها سوف أفعل هذا الذي تنصحيني به! أي أنه يريد من الطرف الآخر أن يبادر بالخطوة التي من المفترض أن يبادر هو بها!

ولا أراه سلوكًا ولا مفهومًا تافهًا أن يتهرب شخص من أداء أدواره الاجتماعية ثم يبرر سلوكه الخاطئ لنفسه؛ لأنه -وكما يبدو لي- يتسبب في نسبة مرتفعة للغاية من المشاكل الاجتماعية، وهو موجود عند نسبة متزايدة من الرجال، ويتسبب في معاناة حقيقية لشريكات حياتهم. إحداهن قالتها لي بالإنجليزية: He doesn't give me enough to keep going!، وترجمتها: إنه لا يعطيني ما يكفي كي أواصل.

وعن نفسي لمّا قالت لي تلك المرأة إنها يستحيل أن تأخذ المبادرة نحوه، وهو والجدار سواء؛ بلا تفاعل، لم ألمها، ولم أنصحها بالعكس، لأن للمرأة كرامة، وهو –أي الزوج- بحاجة حقيقية لإصلاح مفاهيمه عن دوره الاجتماعي الذكري، ولو كنت مكانها كنت سأسلك مسلكها حتى لو خربت العلاقة نهائيًا مع من له هذا السلوك وهذه المفاهيم.

ونصائحي لأمثال هذا الرجل هي:

تعلم أن تعطي الآخر ما يحتاجه، تعلم أن تعيد نفس القدر الذي أخذت، وليس فقط أن تأخذ، وازن نفسك.

وتذكر أنه يستحيل أن تتقدم للأمام باستخدام نفس الطرق الفاشلة التي اتبعتها من قبل وأدت بك إلى علاقة مضرة بصحتك النفسية وصحة زوجتك. أنهِ الدائرة القديمة كي تتجنب إنهاء العلاقة برُمتها، لأنه من المستحيل أن تستمر على هذه الحالة. ببساطة، إما أن تنصلح العلاقة أو أن تنتهي! ونحن مخيّرون في حياتنا، ولسنا مسيّرون تتلاعب بنا الأقدار، كما يحلو للسلبيين أن يدّعوا حين يتباكون بعد الفشل، حين يلومون الجميع إلا أنفسهم!

ساعد نفسك لتزيد وعيك بأسباب مشاكلك وما يتوجب عليك فعله لحلها، ولا تترك اللا وعي يسيطر عليك، ويجعلك تتمسك بشكل مرضي بطرقك القديمة المعتادة في العلاقات الاجتماعية –ذلك يحدث لأسباب غالبًا ما تتعلق بالتنشئة الاجتماعية، كغياب أحد الوالدين شبه الدائم أو غياب محبته ورعايته-؛ لأن تمسكك باتباع نفس الأسلوب الذي ثبت فشله مرارًا سيجر عليك الفشل مرة أخرى. قد يبدو الطريق القديم الذي اعتدته هو الأسهل لك، لكنه في الحقيقة ليس كذلك لأنك لن تجني منه شيئًا، بينما الطريق الجديد الذي أنت بحاجة لاستكشافه والسير فيه بحذر يقوده الوعي هو الذي سيوصلك إلى الهدف. لا تقاوم، كف عن المقاومة؛ فالتغيير حتمي إن أردت النجاح.

تذكر أيضًا أن الحديث المتبادل من القلب إلى القلب Heart to Heart conversation هو الوسيلة التي ينبغي البحث عن سبيل لتنفيذها، لبلوغ هدفك بالنجاح في علاقتك الشخصية بزوجتك. ناقش وعبّر عن مشاعرك بأمانة وصدق ووضوح، وإن كان هناك ما يتوجب عليك الاعتذار عنه اعتذر بشجاعة، فقد خلق الله لك لسانًا ولم تُخلق أبكمًا، ولم يخلق الله داخلك المشاعر تجاه زوجتك لتكبتها داخلك، ولتستكشفها هي بحاستها السادسة. كما أن نسبة كبيرة من المشاكل الاجتماعية تحدث بسبب الوقيعة، والتي ما كانت لتنجح من الخبثاء إذا ما كان حبل الكلام والمصارحة موصولًا.

كثيرًا ما تنشأ المشاكل العائلية بسبب مبالغة أحد الطرفين في الاحتفاظ بالأسرار والخصوصية، فهو باختصار لا يفهم معنى وجود شريك حياة! أيًا كانت الأسباب التي تتسبب في المشكلة فينبغي أن تصارح بها شريكة حياتك، إلا إن كنت تعتبرها ديكورًا في العلاقة، وعندما تفرغ من إصلاح كافة الأمور المادية والاجتماعية ستخبرها في تقرير موجز بما حدث!

ولا تنس أن المبادرة تكون من الرجل؛ فالرجل رأس المرأة. وتمثيل دور الضحية المغلوب على أمره، الذي ينتظر مبادرة المرأة للإصلاح لن يجعلك رجلًا! لماذا يغيب عن كثير من الرجال أن المبادرة والشجاعة في العلاقات الشخصية لا تقل أهمية عنها في العلاقات المهنية؟! كما أن بعض الرجال يدفعهم الغرور إلى الثقة العمياء في عدم تحول مشاعر المرأة عنهم، فهم إما ينتظرون مبادرتها أو يؤخرون مبادرتهم ظنًا منهم أن بإمكانهم العودة ومحاولة إصلاح شق الخلاف في أي وقت. في بعض المواقف المتأزمة –خاصة عندما تشك المرأة في خيانة الرجل، مثلما هو الحادث في الحالة التي دفعتني لكتابة هذا المقال- فهذا الظن أقل ما يُوصف به أنه سخيف! تأخرك في الحديث معها يؤكد ظنونها.

أخيرًا، فقد كانت هذه محاولتي الأخيرة للنُصح، لأن من يرى دخانًا يفوح من فوهة بركان ولا يدرك أنه سينفجر حتمًا قريبًا، ويُمني نفسه بأن شيئًا ذا بال لن يحدث، يستحق أن يردمه رماده.

 

 

في المثقف اليوم